رواية “قمر الذئاب”: ترجمتها أساءت لجمالها بكثرة أخطائها اللغوية والمطبعية – زياد شليوط

جرت العادة أن يتناول النقاد والقراء الماهرون كتبا للمراجعة أعجبتهم ولاقت استحسانهم، أو بدافع إتمام الواجب تجاه كاتب/ة صديق/ة لهم وبعد الحاح ومراجعات وضغوط من المؤلف/ة. وجرت العادة أن يتوقف الناقد أو المراجع عند النقاط الإيجابية في الكتاب بتوسع، ويتطرق بخجل إلى مكامن الضعف أو الأخطاء الحاصلة في الكتاب. وجرت العادة أن لا يتناول النقاد كتابا سيئا ودون المستوى، بالتقريظ والنقد والملاحظات. وطالما تساءلت بيني وبين نفسي لماذا لا يحدث مثل هذا الأمر؟ ولماذا لا يقدم النقاد على مراجعة الكتب السيئة؟ وأظن أن الجواب معروف لمعظم المتابعين للأدب والثقافة. لكن ما زلت عند تساؤلي الذي ألحّ عليّ كثيرا في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الذي عايشته من خداع في مجمل الحركة الثقافية ومن مجاملة ونفاق في أمسيات إشهار الكتب، وهنا أعتذر مسبقا فاني لا أستحسن التعميم وليس هذا مبتغاي، انما أقصد ظاهرة تنتشر وتتفشى في مجتمعنا الثقافي/ الأدبي للأسف، ومما يزيد الطين بلّة، أن كثيرين يتحدثون بهذه الروح في جلسات ضيقة وأحيانا ثنائية، بينما يتجنبون الحديث عنها جهارة. وأظن كذلك هنا بأن الأسباب واضحة للجميع.

ولأني لا أختلف كثيرا عن غيري، ولا أستثني نفسي من النقد الموجه أعلاه، وكي أخرج قليلا عن المألوف، فاني قررت أن “أشد مراجلي” على كتاب قرأته مؤخرا، وهو لكاتب اسباني، وما أود التوقف عنده حقيقة مسألة الترجمة، ولأن من سأتناولهم بالنقد ليسوا من بلادنا ولا نعيش معا على ذات المساحة الجغرافية، فاني تجرأت على فتح هذه الطاقة وآمل أن أخرج منها بسلام.

في اجازاتي الصيفية من عادتي أن أصطحب كتابا وغالبا ما يكون رواية لقراءته بدماغ صاف، بعيدا عن الضغوط وصداع الرأس الاجتماعي، وبالطبع بهدف الاستمتاع في القراءة وكذلك الاستفادة منها، ووقع اختياري هذا الصيف على كتاب من بين مجموعة كتب على أمل أن يكون أفضلها، وهو رواية “ذئاب القمر” للكاتب الاسباني خوليو ياما ثاريس وترجمة د. قاسم محمد هلال ود. مؤيد أحمد علي. وما شجعني على الاختيار ما قرأته من تظهير عن الرواية وتعريف بالكاتب على الغلاف الأخير من الكتاب.

وفعلا ابتدأت القراءة بنوع من الرغبة وحب الاستطلاع، لكن خيبة أمل بدأت تنتابني مع الصفحات الأولى من الكتاب، حيث فقدت التركيز في متابعتي لأحداث الرواية وبالتالي متعة القراءة لكثرة الأخطاء اللغوية والطباعية، في صفحات متتالية.

وكأمثلة على تلك الأخطاء، ما ورد (ص 20): “جاءوا ليقتلونك” تكررت مرتين بدل (ليقتلوك). وفي (ص 21): “الدفىء” بدل الدفء وكنا “نصداده” بدل نصطاده. ومن الأخطاء اللغوية البشعة الخلط بين المثنى والجمع، مثل ما ورد في (ص 22): “رجل وحصان، يمرون، ابتعدوا قليلا” والصحيح: يمران، ابتعدا. وكذلك الخلط في زمن الفعل كما ورد في (ص 39): “حيث نظرا إليّ مندهشين، حيث أنهم لم يعرفوا …” وفي (ص 50): راميرو وخوان، حتى لم يفتحوا أعينهم لينظروا إليه”. وفي (ص 52): “وعيناه …هذا اللمعان الخافت فيها…” وفي (ص 53): “إنهما لم يفهما لحد الآن سبب التوتر الذي نحن فيه. لكن دون أن يضيعوا الوقت، أخذوا بنادقهم..”

ومن الأخطاء الأخرى استبدال حركة النصب بالرفع في غير موضعها، مثال على ذلك في المبتدأ والخبر: “كان الصقيع بارد جدا” (ص 40) المفعول به: “هل ترى شيء؟” في أكثر من موقع، والخلط في جنس الضمير العائد: “الانفجار كانت مدويا”. (ص 61) هذا إضافة الى كتابة الهمزة في مواقع خاطئة: “أن تضيأها” (ص 52).

من الأخطاء الشائعة أيضا استخدام علامات الترقيم، وأكثرها استعمالا في الروايات والمسرحيات هي العارضة. من المعروف أن إحدى استعمالات العارضة تأتي في الحوار سواء في القصة/ الرواية أو المسرحية، في بداية قول المتكلم بدا الاسم، لكن في هذه الرواية اختلط الأمر على المترجمين أو دار النشر، فوردت العارضة في أماكن لا لزوم لها واختفت حيث يجب أن تكون وخاصة في الحوار بين شخصيات الرواية.

واستعمال آخر للعارضة يكون داخل الجملة، حيث يقع بين عارضتين كلام خارج سياق الجملة بهدف الشرح او التوضيح، أو لإيراد كلام الراوي خلال الحوار في الرواية، وهنا وقعت أخطاء لا تحصى ساهمت في الاساءة للرواية و”سحرها” المزعوم، وهنا أقدم بعض الأمثلة: ورد في (ص 24) ما يلي:

“- لا. لم يعلموا قالت، وهي تخفي دموعها، إنهم يأتون من وقت لآخر.” من الواضح أنه يجب أن تأتي العارضة الأولى بين (يعلموا – قالت) والعارضة الثانية بين (دموعها – إنهم). ومثال في نفس الصفحة:

“- لا تقلقي، خوانا، لا تقلقي قلت لها، في محاولة لتهدئتها. سترين أن الوالد سيعود ولن يحصل له أي مكروه.” وكان يجب ان ترد العارضة الأولى بين (تقلقي – قلت) والعارضة الثانية بين (لتهدئتها – سترين).

وفي (ص 116) ورد “- ما كنا أستطيع عمل ذلك، يا راميرو رد الكاهن، بحرج تام. ما كنت قادرا على اخفائه”. بينما كان يجب أن تكون على النحو التالي:

– ما كنا أستطيع عمل ذلك، يا راميرو – رد الكاهن، بحرج تام – ما كنت قادرا على اخفائه. وهذه أمثلة قليلة من حالات كثيرة.

إن الترجمة المشوبة بالأخطاء الفادحة، جعلتني أفقد التركيز في مضمون الرواية كما ذكرت، لأني كنت أتوقف مليا أمام الأخطاء البشعة وأتساءل: كيف يقبل دكتوران على نفسيهما هذا العمل، الذي أقل ما يقال فيه أنه استخفاف بذائقة القاريء ومستواه؟ وكيف تقبل دار نشر المسماة “دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية” بنشر كتاب حافل بالأخطاء المعيبة لغة وطباعة؟ أين احترام القراء؟ أين الاهتمام بسلامة اللغة؟ أين الوفاء بقراءة “رواية بأسلوب ساحر”، حيث سقط سحر الأسلوب بفضل الترجمة السيئة. كيف يقبل دكتوران أن يكتبا جملة مثل: “ما زال لم يكمل الثامنة عشرة من عمره” (ص 32)، فما فائدة “ما زال” هنا؟

وأين هي اسبانيا في “زمن الديكتاتورية” الذي لم أشعر به إلا في ذكر السنوات كعناوين مرافقة لأجزاء الرواية، أما الوصف كان عاديا أسوة بروايات تتبع هذا الجانر، حتى وصف الأماكن الطبيعية يمكن له أن ينطبق على أي دولة أخرى وليس اسبانيا حصرا، وخاصة الأوروبية منها، حيث التضاريس تتشابه من جبال وأودية وسهول وما تشملها من مراع وبيوت فلاحين وأشجار وغابات وما شابه، لا لم أشعر أني في اسبانيا كما وعدني التظهير.

وأخيرا شعرت بخسارة كبيرة حيث أهدرت وقتا على قراءة رواية، لم أخرج منها لا بفائدة ولا بمتعة نتيجة الترجمة السيئة الحافلة بالأخطاء، مما يستوجب اصدار “فرمان” أدبي بفرض تعويض مناسب للقاريء من قبل دار النشر، فهل يصدر أمر كهذا؟

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*