“الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا للأديب سهيل عيساوي”_ د. ميساء صح

دراسة في قصة “الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا” للأديب سهيل عيساوي، رسومات وتنسيق الفنانة رنا حتاملة

صدرت القصة عن دار الهدى زحالقة، وقعت في (37)صفحة من الحجم الكبير
تتحدث القصة عن الأسد الذي حكم الغابة لفترة زمنية وقد أحبته جميع الحيوانات برغم سلطته عليهم وقد حزن الجميع لمرضه، وفي خطابه الأخير قبيل الموت شكر الجميع وطلب منهم العفو والصفح وكان مهتمًا بأن يحافظوا على ما بنى من علاقات اجتماعية ممتازة بين حيوانات الغابة.
جاءت هذه القصة على لسان الحيوان لتنقل لنا مجموعة من القيم الإنسانية والتربوية بطرق غير مباشرة وبأسلوب ماتع.

ومن يطلع على القصة يعتقد للوهلة الأولى بأنّ الأسد كما في كل القصص، فقد اعتدنا قراءة الأسد كشخصية أنانية متسلطة، فالأسد هو أقوى الحيوانات، والقوي يأكل الضعيف في قانون الغابة، إلّا أنّه كان مختلفًا لدى كاتب هذه القصة، فقد كان قائدًا حقيقيًّا والقائد الحقيقي هو الذي يؤثر في أتباعه فيتبعونه بكل سرور وثقة، تربطه بهم علاقة قوية ذات مغزى، بحيث يطمئن الأتباع بأن القائد يبتغي مصلحتهم، إذ القائد الحقيقي هو الذي يقوم بتهيئة بيئة متينة تمامًا كما فعل الأسد.
رسالة الكاتب موجهة لطفل اليوم قائد الغد الذي سيبني المستقبل، تنقل القيم الإنسانية في التعامل والتعاون والقيادة الحقيقية.
تنتهي القصة ب”ومع إشراقة الشمس معلنةً يومًا جديدّا، عُلم بأنّ الأسد قد فارق الحياة مبتسما” (ص37).
يجد القارئ نفسه أمام مفارقةٍ ما، فمن يُحتضر يكون حزينًا متألمًا، كيف لا والفراق حزن، إلّا أنّ الفراق كان مُرضيًا ودليل الرضا ابتسامة الأسد، نعم كان راضيًا عمّا فعل وعما ترك، وقد أدى الرسالة على أكمل وجهٍ ممكنٍ.
فليست الحيوانات مُحبة بطبيعتها وإنما الأسد من كان سبب هذه الوحدة.
ففي نهاية القصة لم تتمكن من الاتفاق حول من سيكون القائد ليأخذ مكان الأسد وتفرقوا بعدها…

فيما يلي سيتم تحليل القصة بناء على أهم الخصائص التي ذكرها الباحث أحمد العياضي (2020) في دراسته حول الموضوع

الموضوع وهو عبارة عن فكرة القصة والإطار الذي تجري من خلاله الأحداث، وكما يبدو أنّ القصة التي أمامنا تتحدث عن العلاقات الجيدة والحميدة بين القائد والمقودين، وتدل على القيادة الحكيمة والناجحة، فقد استطاع الأسد أن يكون قائدًا مؤثرًا يهابه الجميع ويحبونه ويحبهم.
وفيما يلي إشارة إلى بعض المواضع في القصة والتي تدلل على ذلك:

“يحكمها قائد شجاع تهابه الحيوانات والطيور وتكنّ له الاحترام والوقار، ولا تخالف شرعه وتعليماته، عندما يزأر ترتعد فرائصها خوفًا” (ص4).
تحترمه أيضا اللبؤة التي كانت تصطاد له غزالًا صغيرًا كي يتناوله(ص9).
والأسد يثق أيضا بالثعلب”سمع الثعلب -طبيبه الخاص-بما جرى لملك الغابة، فأصابه الإحباط والقنوط وشعر بكبر المسؤولية”(ص10)
وعندما جاءت الحيوانات لزيارته.

“تحدث الضبع وتمنى له الشفاء العاجل، وأقسم بأغلظ الإيمان أنّ الضباع تقدم له أجود أنواع اللحوم”(ص28)
“وثب النمر من بين الجموع وقال أيها الأسد العظيم، ملك غابتنا، كنت لنا نعم الأب والقائد والمعلم والسند والصديق…
سوف تفتقدك الغابة لأجيالٍ قادمةٍ لأنّ بصماتك راسخة”(ص29)وهكذا بالنسبة لبقية الحيوانات فكلٌّ أدلى بدلوه بالنسبة لرأيه بالأسد.

“نهض من فراشه، وزأر بصوتٍ مرتجفٍ، مسكونٍ بالحزن والحنين، وقال : شكرًا جزيلًا لكم أيها الأصدقاء الأوفياء، ليس سرًّا بأني راحلٌ عنكم عما قريب، وقد تركت لكم غابةً واسعةً، غنيةً وجميلةً، ونسيجًا اجتماعيًّا متينًا، فلا تفرطوا به، سامحوني إن أخطأت بحق أحدكم، أحبكم لو تعلمون كم!”(ص31)

“خرجت الحيوانات من عرينه بخطوات حثيثة محدثة جلبة كبيرة، غارقة في التفكير، والخوف يسكن قلوبها”
(ص32)

البناء أو الحبكة: يؤكد أحمد نجيب في دراسته بعنوان
أدب الأطفال علم وفن (1991) على أهمية البناء أو الحبكة، وذلك بعد تحديد الموضوع، فلا بد من وضع سلسلة الحوادث المترابطة والمنظمة على نحو خاص، بحيث تسرد بشكل فني ومؤثر، أي بكلمات أخرى هي القدرة على إحكام القصة بطريقة منطقية ومقنعة.
كما أشار إلى أهمية الشخصيات وهي العناصر الأساسية في العمل الفني لذلك لا بد من اختيار شخصيات تناسب موضوع القصة بحيث يشعر القارئ بصدقها وهي تتحدث فيراعي الكاتب الوضوح والتميز والتشويق(أحمد نجيب، 1991)
كما يظهر في الأمثلة التالية:
“خرج الثعلب مسرعًا دون أن ينبس ببنت شفة، يبحث عن أعشاب نادرة في أعالي التلال لعله ينقذ الأسد من براثن الموت المحدق”(ص15)

“أخذت تتوافد الحيوانات على عرين الأسد الذي كان مشرع الأبواب، لتدخل الوفود بلا عقبات”(ص26)
لقد اختار الكاتب سهيل عيساوي شخصيات قصته من عالم الحيوانات، وهو العالم القريب للطفل، ونقل لنا عبر هذه الشخصيات القيم الإنسانية والأخلاقية التي قصدها عبر ربط أحداثها وتنظيمها بإحكام وبمنطقية وإقناع للقارئ.

الأسلوب: وهو الوعاء الذي يستخدمه الكاتب لعرض القصة أو الأسلوب الذي من خلاله قام الكاتب بنقل أفكاره وموضوعه فالكاتب الجيد هو الذي يتناسى موضوعه وأفكاره مع أسلوبه في تقديم القصة، وقد نجح الأديب سهيل عيساوي في إيقاظ حواس الطفل وجذبه وإثارته حتى يندمج بالقصة ويؤكد الباحث مفتاح محمد الذياب أنّ عملية وصول انفعالات الكاتب للقصة تنعكس على الطفل القارئ وتعمل على تكوين صورة حسية مناسبة. (مفتاح محمد،1995)

لا بد أن الكاتب الذي يكتب لهذه الفئة يجب بأن تكون أفكاره رقيقة على سمع الطفل ولسانه، شائعة الاستعمال، مأخوذة من قاموس الطفل اللغوي، حتى يفهم الطفل المقصود من غير عناء ولا تعب. قريبة من عالمه وإن كانت خيالية على لسان الحيوان.

نستطيع القول بأنّ هذه القصة تخاطب الصغير والكبير
فالقارئ يتعاطف ويتفاعل مع الأسد ومع جميع الحيوانات التي تأثرت عليه.
كما أنها تمثل المجتمع الإنساني الذي لا يخلو من السوء برغم الخير فعلى سبيل المثال جاء أنّ الأفعى قالت في مرض الأسد “الأفاعي أشاعت أنها لعنةٌ أصابته بسبب ظلمه للحيوانات” (ص17)
مما يقرّب الطفل من عالم القصة ليربطها مع الواقع
فهناك دائمًا المبغضون مهما كان الإنسان عادلًا وحسنّا فهذا واقع المجتمع.

استخدم الكاتب التعابير القريبة من عالم الطفل والتي تتناسب مع الفئة العمرية التي قُدّمت لها القصة.
فجاء: “فلا يقوى على التهامه بيسرٍ، أصابه الإحباط والقنوط، مشى إلى عرين الأسد بخطوات ثقيلة” حتى لو أنّ الطفل لم يقرأ مسبقًا هذه التعابير فإمكانه فهمها من خلال السياق والقالب الذي تمّ به وضع الأحداث.

الزمان والمكان: وهي عبارة عن بيئة القصة الزّمانية والمكانيّة أي أين ومتى حدثت أحداث القصة،
البيئة الزمانية: تدل على البعد الزماني الذي حدثت به أحداث القصة فقد تكون في الماضي أو الحاضر أو المستقبل أو قد تجمع بين زمنين، ومثل هذه القصة تجمع بين ما حدث وما من الممكن أن يحدث في المستقبل.
أما بالنسبة للمكان فقد وصف الكاتب الغابة مع بداية القصة
“مترامية الأطراف، يجتازها نهر كبير تتدفق فيه المياه بقوة، أشجارها باسقة(ص4).
وبالمعنى الأوسع قد تُشير هذه الغابة بدورها إلى المجتمع الإنساني كما تمت الدلالة على ذلك، فهذه الغابة تميزت بروح المحبة والتآخي بين الحيوانات التي كانت جميعًا قلبًا واحدًا على الأسد، وتصرفت كما يتصرف الإنسان في الكثير من المواقف.
فأية إنسانية تجمعت في هذه القصة! “يدخل الثعلب على رؤوس أصابعه كي لا يزعج الأسد” (ص13)
تجد نفسك هنا أمام إنسان مريض يخاف الآخرون عليه فيراقبون حتى خطواتهم!

أهداف القصة:
إنّ الأدب المقدم للطفل له أهداف مختلفة ومتنوعة فمن الممكن أن يكون الهدف عقائديًّا أو تربويًّا أو تعليميًّا يهدف لإكساب الطفل معلومات حول موضوع معين أو الترفيه والتسلية، أو الوعظ والإرشاد والتوجيه أو غير ذلك من الأهداف الأخرى. (أحمد العياضي، 2020)

ولا بد أنّ هناك أهمية للقيم على المستويين الفردي والجماعي فتضبط شهوات الفرد كي لا تتغلب على عقله ووجدانه، كما أنها توجهه لكيفية التعامل مع الأحداث المستقبلية، وعلى المستوى الجماعي تدعو إلى التماسك والثبات النسبي لممارسة الحياة الاجتماعية السليمة وتنقّي المجتمع من الأنانية المفرطة والشهوات الطائشة.

ستركز هذه الدراسة على الهدف التربوي، بحيث يرى الدكتور محمد حسن بريغش أنّ الهدف التربوي يرتبط بأمرين اثنين: البناء والحماية والبناء يعني بناء النفس الصغيرة والتحرر من العبودية لأي شيء سوى لله عز وجل فيحمل الإنسان الأمانة والمسؤولية.
أما الحماية فهي حماية الفطرة البريئة من الوقوع في المفاسد والمغريات وأهواء الحياة والضلالات الفكرية والسلوكية.

وبهذا يجب على أدب الأطفال أن يكون مربيًّا موجهًا للطفل على الأخلاق والقيم الحسنة والفاضلة ذات أهداف تربوية سامية تعزز روح التضحية وتغرس العزة بالانتماء فطفل اليوم هو رجل الغد وعليه تعتمد الأمة وكما يبدو واضحًا مما جاء في القصة التي أمامنا أنّ الكاتب يؤمن بدور الطفل، ولهذا فقد جعل الأسد رمزًا للقوة وحمل الأمانة والمسؤولية على أكمل وجه ممكن، لم يفكر بأهدافه الخاصة وإنما عمل من أجل الجميع ونجح في جعل الجميع يستمعون إلى كلمته ويقدّرونه ويحبّونه في ذات الوقت، وكان حتى في مرضه لا يتوانى عن ذكر محاسن الآخرين،
“أهلا وسهلا بطبيبي الثعلب الماهر ذائع السيط…”(ص13).

ومن الواضح بأنّ القصة أجابت أيضًا على الهدف التعليمي والذي يسهم بشكل فعال في تنشئة شخصية الطفل وتوسيع قدرته العقلية والفكرية واللغوية والثقافية، وتنمية مهارات القراءة والكتابة لديه، وتزويده بثروة لغوية عربية فصيحة، وهذا يتطلب من الكاتب بأن يكون على معرفة بقاموس الطفل اللغوي من أجل تحقيق نموه اللغوي. (محمد حسن بريغش، 1996) ففي القصة التعابير التي من شأنها بأن تنمي وتزيد من الثروة اللغوية لدى الطفل، وتعمل على تزويد الطفل بمجموعات متكاملة من الألفاظ والكلمات وتدريبه على طلاقة اللسان عند التعبير عن رأيه في أحداث القصة، كما أنها تفتح له العديد من المجالات للتساؤل والتوقع حول ما أصاب الأسد وحول ردة فعل الحيوانات وادعاء كل منهم حول سبب ما أصاب الأسد.

الهدف الترفيهي: يرتبط هذا الهدف بالأهداف السابقة لكون الطفل يميل بطبيعته للتسلية والمتعة ويمل من كثرة الصرامة والجدية، كما ويميل إلى ما يشعره بالفرح ويدب السرور في نفسه، ولذلك ينبغي أن تقدم قصة الطفل بقالب فني ترفيهي فيه فن وروح التسلية والمتعة بحيث تزيد من فضوله وحب استطلاعه للاطلاع واكتشاف المزيد، ويتفاعل حينها مع المحتوى فيكتسب الطفل منها خاصة إذا تم تقديمها وصياغتها في نسيج فني يجمع بين المتعة والفائدة، وكان لاختيار شخصيات القصة الأثر الواضح والذي انعكس بالمتعة على القارئ وخاصة أن هذه الشخصيات أخذت دورًا غير اعتيادي والتي من شأنها إثارة القارئ وفي ذات الوقت فالطفل يستطيع التماهي مع كل كلمة وكلمة، ويكون جزءًا لا يتجزأ من شخصيات القصة فيشاطر الحيوانات الألم على ما جرى للأسد.

ملخص:
إنّ الكتابة للأطفال ليست موضوعًا بسيطًا سهلًا كما يظن البعض، فعلى الكاتب مراعاة خصائص الطفل واحتياجاته، ومراحل نموه العقلي والانفعالي والنفسي والمعجم اللغوي للطفل، هذه الفئة الحساسة تستوجب ترسيخ سلوكها الحضاري بالمبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية السامية حتى تكون هذه الثقافة الموجهة للطفل أصيلة متفتحة علمية تواكب روح العصر،
وتكوين ثقافة للطفل تتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وما أحوجنا في مجتمعنا العربي إلى تنشئة طفل مسؤول واعٍ وقائد مستقبلي يستطيع بأن يأخذ الشعب نحو الأفضل، والارتقاء بأدب الأطفال في المجتمع العربي يوجب تضافر جهود المهتمين به حتى يتناسب مع ما يُقدم للطفل ولمستواه ونموه وشخصيته.

لقد استطاع الكاتب سهيل عيساوي رسم معالم القائد الناجح والمتعاضد مع الشعب، بأسلوبه الشائق وغرس قيمة التعاون والمحبة بين القائد والعامة؛ فليس معنى أني قوي أنّه عليّ الاستعلاء على الآخرين، وليس معنى أني أملك ما لا يملكه الآخرون بأنه علي أن أعاملهم بسوءٍ
القصة مثال لخلق روح الإبداع والتعاون والعمل وبعث الشعور بدور الطفل في بناء مجتمع صالح.

لقد نجحت القصة في نقل القيم التربوية وتنمية اتجاهات مختلفة، لعل الكاتب قام باختيارها قصدًا وبعناية فائقة، وقام بالتركيز على أنماط سلوكية بحيث يجد فيها الطفل القدوة والمثل.
نذكر على سبيل المثال زيارة الحيوانات للأسد في بيته وتمني الشفاء له، بات من يقرأ القصة يشعر وكأن الكاتب ينقل لنا واقعًا إنسانيًّا.

نستطيع القول: إنّ قصة الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا تسهم في تزويد الأطفال بحصيلة لغوية وتزيد من خبراتهم وتنمي معارفهم العامة، وخيالهم وقوة ملاحظتهم وتشبع الجانب الاجتماعي مما يسهم في تكيّف الفرد مع بيئته وتوسع نظرته للحياة وتساعده في تكوين علاقات اجتماعية سوية، وهذا ليس بالغريب عن الأديب سهيل عيساوي وهو من المبدعين البارزين في البلاد والذي يشهد له الجميع بجودة وغزارة نتاجه للأطفال.
بوركت جهود الأديب سهيل عيساوي وهنيئًا للطفل العربي بهذه القصة .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*