يدخل رَجُلٌ إلى مَركز شرطةِ المدينة، ليقدِّمَ شكوى عن أحدِ السّائقين الّذي صدم سيّارته وهرب (حادثة ضرب وهرب) وتَسَبَّب لها بأضرار ليست قليلة. حيث نزل سائق عربيد في بداية العقدِ الثّاني من عمره منَ السّيّارة الّتي ضربته، وبكلّ وقاحة سأله عنِ اسمه ومكانِ سكناه.
– أنا من هنا من “نوف هجليل”.
قال له. وأردف:
– انظر إلى الأضرار الّتي سبّبتها لسيّارتي. أعطني ما يلزم من أوراق لأُصَلِّحها على حسابِ تأمينك.
عاينهُ الشّاب من رأسه حتّى أخمص قدميْه، نفخ صدره وقال مزدهيًا بنفسه بنوع منَ التّرهيب:
– أنا من دار فلان!
– ماذا تقصد؟! أعطني ما طلبته منك.
وبدل أنْ يُقدِّم ما هو مطلوب حسبَ القانون، ركب سيّارته وفرّ منَ المكان. لكنَّ الرَّجُلَ استطاع التقاط صورة للسيّارة ولرقمها بهاتفهِ الخليوي قبل أنْ تختفي عنِ الأنظار. وها هو الآن في مركزِ الشّرطة ليقدِّم شكوى، وهو مطمئن كلَّ الاطمئنان بأنّه سيحصل على حقّه، وسيعاقَب الجاني، خصوصًا أنَّ المكانَ الّذي وقع فيه الحادث مليء بكاميراتِ المراقبة، الّتي يعتبرها رئيسُ البلديّة من أهمِّ إنجازاته، لأنَّها تُعطي الأمنَ والأمان لسكّانِ المدينة كما يقول.
الشّرطيّة الّتي تستقبلُ الجمهور، جالسة وراء مكتبها تردُّ على المحادثاتِ متجاهلَة إيّاه. وبينَ اتّصال وآخر تُكَلِّمُ شرطيًّا يحتسي القهوة بجانبها. أخيرًا تنظر إليه بلا مبالاة وتسأله عمّا يريد. يجيبها بأنَّه جاء ليقدّم شكوى عن حادثة “ضرب وهرب”. تشير له إلى أحد المقاعد، قائلة بلهجة آمرة:
– اِجلس هناك وانتظر.
ثم تعود لتُكْمِلَ حديثها معَ الشُّرطي.
بعد ربع ساعة منَ الانتظار يأتي المُحَقِّقُ المسؤول عن حوادثِ السّير، ولم يَكُنْ سوى ذلك الشّرطي الّذي كان يحتسي القهوة معَ الشُّرطيّة! وقبل أنْ يبدأ بشرح ما جرى له، يطلب منه المحقِّق أنْ يعود إلى الشُّرطيَّة، ويأخذ منها استمارة يكتبُ فيها كلَّ تفاصيلِ الحادث ويقدّمها لها. وهم سيعالجون الأمر خلالَ أيّام قليلة كما قال.
امتعضَ الرّجل من هذهِ المعاملة الجلفة، لكنّه كَتَمَ غضبه وبدأ بتعبئةِ الاستمارة. وهل له خيار آخر؟! وقد اضطرّ إلى الخروج من مركزِ الشّرطة لإرفاق الاستمارة ببعضِ الصّوَر كما هو مطلوب، الأمر الّذي أدى إلى خسارته يوم عمل كامل، ناهيك عنِ التّعبِ الجسديِّ والنّفسيِّ.
مرَّ شهر كامل ولمْ يتلقَّ أيَّ جواب منَ الشّرطة! فقرّر أنْ يراجعهم. جلس أكثر من ساعة ينتظرُ المحقّق. وعندما جاء وسأله عمّا فعلوه بالنّسبة لشكواه، أجابه بعصبيَّة:
– نحن نعالجُ الكثير منَ القضايا، أتعتقد أنَّ لا عمل لنا غيرك؟!
خرج من مركزِ الشّرطة مُتَغَضِّنَ الوجه غاضبًا مزمعًا ألّا يعود إليه مرّة أخرى.
عندَ خروجه شاهد جمهرة منَ النّاس، وامرأة تشكو من أنَّ سيّارة ضربت سيّارتها الرّاكنة بجانب مقرِّ الشّرطة وهربت. وعندما أرادتِ المرأة أن تدخلَ إلى مركزِ الشّرطة لتقديم شكوى، وقف سادًا المدخل للحيلولة دونَ دخولها قائلًا لها:
– لا تضيّعي وقتك. لا فائدة من تقديم شكوى للشّرطة.
رَدَّت عليه وقد تولَّتها الدّهشة:
– ألا ترى الكاميراتِ المنصوبة هنا؟! سيصلون إلى المخالِف حالًا. اتركني… مَن أنتَ لتمنعني؟!
أجابها بلهجة ساخرة:
– هذهِ الكاميرات يستخدمونها لمصلحتهم ولأهدافهم وليس لمصلحةِ المواطنين. لن يجدوا المخالِف أبدًا.
وتقدَّم رجل من بينَ الجموع قائلًا موجّهًا كلامه للمرأة:
– ألم أقل لكِ ذلك؟!
…وقفتِ المرأة عند باب مركزِ شرطةِ المدينة والحيرة تسكنها، ناظرة بغضب إلى سيّارتها المضروبة، بعد أنْ تفرّقَ المتجمهرون وتركوها وحيدة.