مشهدنا الثقافي واختلاط الحابل بالنابل – زياد شليوط – شفاعمرو – الجليل

كثيرة هي الأمسيات الأدبية التي تقام في الآونة الأخيرة في عدد من بلداتنا، ويتم فيها على الغالب اشهار كتاب لأحد الكتاب أو الشعراء، بحضور عدد من الأصدقاء ومتذوقي الأدب يكاد لا يتجاوز العشرات، وفي الغالب تجدهم أنفسهم في كل أمسية.

وتلك مناسبة لأن نطرح فيها ومن خلالها بعض الأفكار حول المشهد الثقافي في بلادنا بايجابياته وسلبياته، وغالبا ما تكون الإيجابيات والسلبيات متداخلة بعضها في بعض، حتى يصعب على المتابع التمييز بين الأمرين، حيث لا يبدو منها إلا ما يقع تحت ناظريه.

نبدأ أولا بالأمسيات الأدبية والتي باتت تثقل على جمهورنا لكثرتها، حيث تحولت من أمسيات لالتقاط معلومات جديدة أو طرح أفكار وآراء تحتاج إلى بحث ونقاش يتخللها القراءات النقدية، الى أمسيات للمديح والثناء والمجاملة وأحيانا الرّياء والنفاق، أمسيات تقيِّم وتقيَّم بالكَم وليس بالكيف، بالمظهر وليس بالجوهر، بالشكل لا بالمضمون.

ونمضي نحو الاسهال في اصدار الكتب، فكلّ من خطّ خواطر وأبيات شعر في صفحته على الفيسبوك، حَسِبَ أنها باتت جاهزة لتشكل كتابا لا مثيل له بناظريه، وذهب إلى دار نشر بهدف إصداره بسرعة صاروخية، دون حاجة لمراجعة تنقيحية أو عملية تدقيق لغوية، مستعجلا الشهرة والانتشار بعيدا عن العمق الثقافي.

ويتبع ذلك كثرة “الفراطيش الأدبية” من منتديات ومنصات ومنغّصات. وان كانت تلك الأطر ظاهرة مباركة في وجودها، ويرى فيها البعض إيجابية محمودة وتعددية مطلوبة، ومع أنها جميعها تنادي بالوحدة وتعمل لنفس الهدف وتسير في نفس النشاط، كما تعلن، إذن هي الحاجة للتعدد في هذه الحالة يا ترى؟ ألا تتحول تلك المجموعات إلى ظاهرة تشرذمية وانقسامية وانشطارية، منطلقها ودافعها واحد وهو “الأنا”، ذاك الضمير الملعون الذي أدّى ويؤدي إلى عداوات وحروب “لا تُبقي ولا تَذَرُ”. وإلاّ لماذا ينسلخ فريق عن المنتخب ولماذا ينقسم فصيل عن التنظيم ولماذا تخرج فروع عن الأصول، أليس بدافع طلب المركز والجاه وإثبات الأنوية؟ والأنكى من ذلك أنهم جميعهم يعبدون الديمقراطية ويقدسونها طالما تخدم أهدافهم، وإذا ما خانتهم بلعبتها ومعادلاتها خرجوا يصرخون “ديكتاتورية”. أي مشهد عبثي يسيطر على مسرح مشهدنا الثقافي؟!

وامتدادا لمشهد الأنوية والنرجسية، تكاد لا تعثر على شاعر أو كاتب يرضى بنقد نتاجه نقدا موضوعيا علميا أكاديميا، وإذا ما أشاح عنه النقاد أقلامهم صرخ بأعلى صوته: أين النقد، أين النقاد؟ وأطلق حكما أن لا نقد لدينا. قاصدا بالنقد كتابة المديح والاطراء وهادفا بالنقاد المدّاحين والمطبّلين والمزمّرين، وكثيرا ما وقع النقاد في حيرة من أمرهم، إزاء ردود الفعل الغاضبة على تقريظهم لهذا الديوان أو تلك الرواية.

هكذا نحن معشر الكتاب والشعراء، لا نختلف عن السياسيين في ميولنا وأهوائنا، ونسير خلفها كالقطيع. نجيد الكتابة والنظم نثرا وشعرا ونطعّمها بتمجيد القيم والمباديء والمثل العليا، ونحن ما نكون أبعد عنها. نتظاهر من أجل الديمقراطية ونمارس القمع والدكتاتورية. نطالب بالعدل والمساواة والحرية ونخضع للتمييز والعبودية. نرفع علم الثورة ونغرق في التقليد. ننادي بالتسامح والمغفرة والمحبة، وننساق وراء التعصب والغضب والكراهية. ندعو لعالم من الفرح والأمل والسعادة، ونغرق في مستنقع الظلم والتخلف والسوداوية.

وأمام هذا المشهد المقيت، يبرز “الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48″، بوجوده وحضوره في المشهد الثقافي، بتركيبته وتأطيره للكتاب والشعراء من مختلف الانتماءات والمشارب، سواء كانت عقائدية أو دينية أو اجتماعية أو جنسية. بنشاطه المميز والمنتشر في مختلف مدن وقرى وطننا، في عقد المؤتمرات الأدبية من المؤتمر الثقافي العام إلى أدب الطفل، إلى أدب المرأة، ومن مهرجان آذار إلى مهرجان أيار للقراءات، ومن أمسيات أدبية إلى مجلة فصلية، ومن لقاءات الكل الفلسطيني إلى تعزيز وتمكين اللغة العربية، في لقاءات ونشاطات مع طلابنا في مدارسهم. هذا هو الاتحاد الذي ينشط ويعمل على مدار العام، وما أوقفت عجلاته عن السير قدما، محاولاتٌ شيطانيةٌ لوضع العصي فيها، وحافظ على وحدته كما تحافظ الأم على أولادها رغم عقوق بعض أبنائه الذين سلكوا مسلك “الابن الشاطر”، ولن يكون لهم بد من العودة إلى بيت الوالد نادمين آسفين.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*