تعليم اللغة العربية في كفر كما – حوا بطواش

 

يهدف هذا البحث إلى فهم أهمية تعليم اللغة العربية في التعليم الشركسي في كفر كما من وجهة نظر الأهالي، صعوباته وتحدياته، في مجتمع شركسي القومية، مسلم الديانة، تُدرّس فيه اللغة العربية في المدرسة كلغة ثانية بعد العبرية، لغة التدريس، ويتحدّث فيه الأهالي لغتهم القومية الشركسية كلغة أم في البيت ومع بعضهم البعض.

اللغة العربية هي لغة الأم للسّكان العرب الذين يشكّلون خُمس مواطني الدولة، ولغة التراث لنصف اليهود فيها، كانت لغة رسمية في دولة إسرائيل حتى عام 2018، لكننا نرى أن الغالبية الساحقة من الناطقين باللغة العبرية ليست لديهم القدرة على التحدّث أو التواصل باللغة العربية بدرجة أساسية، واللغة العبرية هي لغة الاتّصال الوحيدة في المؤسّسات العامة وهي لغة اللافتات في الحيّز العام (אדריס ומזור, 2020). اللغة العربية هي ليست مجرد أداة اتصال، انما جسر للتعرّف على الثقافة، التاريخ والأبعاد العميقة من المجتمع العربي، هذه المعرفة ضرورية لتحسين العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل وللانخراط الناجح لإسرائيل في حيّزها الجغرافي في الشرق الأوسط (בליקוף, 2018).

وفي التعليم الشركسي في كفر كما كانت اللغة العربية لغة التدريس حتى عام 1978، حيث ألغيت وتغيّرت لغة التدريس إلى العبرية بعد قيام دولة إسرائيل والتحوّلات الاجتماعية والسياسية التي مرّ بها المجتمع الشركسي في كفر كما. تُدرّس اليوم اللغة العربية كلغة ثانية منذ الصف الأول، لكنها تحظى بأهمية أقل ومستواها تدهور في السنوات الأخيرة، ويتخرّج الطلاب دون أن يتقنوا اللغة العربية محادثة وكتابة.

هذا الموضوع يهمّني بشكل شخصي ويشغل خاطري منذ زمن، كوني بنت كفر كما، أحبّ اللغة والثقافة العربية، وكونه يؤثّر، برأيي، على العلاقات بين المجتمع الشركسي والمجتمع العربي الفلسطيني، ذلك لأن اللغة هي صلة الوصل الإنسانية والثقافية التي تربط الناس ببعضها البعض، وله تداعيات عديدة ذات أهمية كبيرة حتى على العلاقات مع الجاليات الشركسية الأخرى في أنحاء العالم، حيث أن كثيرين من أبنائها يتحدثون اللغة العربية كلغة أم. أهميته تكمن كذلك في فهم تصوّرات الأهالي حول أهمية تعليم اللغة العربية وأيضا في تمييز الصّعوبات والتحدّيات التي تواجه تعليم اللغة العربية وطرق مواجهتها، في ضوء التحوّلات الاجتماعية والسياسية للمجتمع العربي في إسرائيل وتداعياتها على اللغة العربية.

من هنا، سألتُ الأسئلة الرئيسية التالية:

  1. 1. ما هي أهمية تعليم اللغة العربية من وجهة نظر الاهاليوما هو دور هذه اللغة في حياة الطالب؟
  2. ما هي الصعوبات والتحديات القائمة في تعليم اللغة العربية؟
  3. كيف نفسّر الاهتمام من عدمه باللغة العربية في التعليم الشركسي على ضوء السيرورات المجتمعية والسياسية والدينية في المجتمع الشركسي وفي إسرائيلعموما؟

السياق التاريخي والاجتماعي للشركس في كفر كما

يبلغ عدد سكان كفر كما ما يقارب 3400 نسمة غالبيتهم الساحقة من الشركس الذين هُجّروا من وطنهم بعد احتلال روسيا القيصرية للقوقاز عام 1864 نُقلوا إلى منطقة روملي في الدولة العثمانية على الحدود البلقانية، حتى اضطرّوا للهجرة مرة أخرى بعد خسارة الدولة العثمانية في الحروب البلقانية فوصلوا إلى أرض فلسطين (אצ’מוז וחאתוקאי, 1991; שאבסו, 1994)، حيث استخدمت الدولة العثمانية الشركس في قمع حركات التحرّر العربية والاضطرابات الدرزية، نظرا لخبرتهم العسكرية الكبيرة، كما استخدمتهم في تأمين مناطق مثل هضبة الجولان وعمان، وكانت السياسة العثمانية تهدف إلى زيادة السكان المسلمين في الدولة العثمانية وتحقيق الثبات بواسطة الشركس في المناطق التي تكثر فيها المشاكل (Sunata, 2019). ويُعدّ الشركس من الشعوب القوقازية التي دخلت الإسلام في القرن الثامن عشر، سمّاهم الآخرون «شركس» ضمن الشعوب القوقازية الأخرى التي عاشت في شمال غرب القوقاز، لكنهم يسمّون أنفسهم «أديغة» ويعتبرون أصلهم الإثني من الحثيين القوقاز الذين كانوا من الشعوب القوقازية الأصلية. وعندما وصلوا إلى المكان الذي أقيمت فيه قرية كفر كما، لم يكن المكان إلا خربة وُجدت حولها عدة قرى صغيرة عربية، ساعدهم سكانها العرب في التأقلم في المنطقة، حيث استضافوهم في بيوتهم مدة عام حتى إتمام بناء بيوتهم وإقامة القرية عام 1878، وسرعان ما تأقلموا في المنطقة الجديدة حتى أصبحت القرية مع مرور السنوات مركزا تجاريا وزراعيا يخدم سكان المنطقة العرب واليهود لاحقا. وحرص الشركس على علاقات جيرة طيبة مع كل القرى العربية واليهودية، وفي ذات الوقت، حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم، وعلى عدم التمازج مع الشعوب الأخرى وحافظوا على خصوصيتهم الإثنية (אצ’מוס וחאתוקאי, 2000).

يعيش اليوم الشركس في دولة إسرائيل كجماعة أقلية صغيرة داخل المجتمع الإسرائيلي في قريتين هما: الريحانية في الجليل الأعلى وكفر كما في الجليل الأسفل، بعضهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي، يتحدّثون لغتهم الشركسية في البيت، في القرية ومع بعضهم البعض، ويتعلمون في المدرسة في الريحانية باللغة العربية كلغة تدريس، وفي كفر كما باللغة العبرية، فهم يتعلمون اللغة العربية لفهم دينهم وقراءة القرآن واللغة العبرية لكونها لغة الدولة واللغة الإنجليزية لأنها اللغة العالمية.

جهاز التربية والتعليم في كفر كما

منذ قيام دولة إسرائيل حدثت تحوّلات في أوضاع الشركس في كفر كما الاقتصادية والاجتماعية، كما طرأت تغيّرات كبيرة في أنماط حياتهم وتفكيرهم، حيث بدأوا بالتقرّب من الكيان الإسرائيلي الذي تشكّل من حولهم، وبدأ الشباب يخرجون من القرية للتعليم والعمل في القرى والمدن الإسرائيلية المجاورة، وبدأت الحاجة إلى اللغة العبرية إلى جانب اللغة العربية في جهاز التعليم في القرية بشكل تدريجي، فبعد أن كانت اللغة العربية هي لغة التدريس في زمن الحكم العثماني ومن ثم الانتداب البريطاني وحتى عام 1978، وبعد نقاشات طويلة، تغيّرت لغة التدريس إلى اللغة العبرية (רייכל ורבן, 2007)، وتعود الأسباب في ذلك إلى:

  1. الرغبة في تسهيل استيعاب الطلاب في المدارس العبرية المجاورة.
  2. عدم الرضا عن الإنجازات التعليمية ومستوى المعلمين وعند البعض أيضا الانتماء للوسط العربي.
  3. الحاجة لتعلّم اللغة العبرية بسبب الخدمة في الجيش والانخراط في سوق العمل والمجتمع الإسرائيلي بشكل عام.

ويضيف أشموز وحتوقاي (2000) سببا آخر هو كون اللغة العربية صعبة أكثر من اكتساب اللغة العبرية التي تُعتبر سهلة ومريحة أكثر مقارنة باللغة العربية (ص 265).

اللغة العربية في المجتمع الإسرائيلي

معرفة اللغة العربية، لغة خُمس مواطني الدولة، والقدرة على التواصل مع المواطنين العرب هي جزء من أساسيات الحياة المشتركة، فاللغة العربية ليست مجرد وسيلة تواصل، انما جسر لمعرفة الثقافة، التاريخ والأبعاد العميقة من المجتمع العربي. هذه المعرفة ضرورية لتحسين العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل وللاندماج الناجح لإسرائيل في حيّزها الجغرافي في الشرق الأوسط (בליקוף, 2018).

للغة العربية قيمة متدنيّة في سوق اللغات الإسرائيلية، ورغم الاعتراف بها كلغة رسمية حتى عام 2018 إلا أنها كانت فارغة بدرجة كبيرة من الدلالة العملية في الحياة العامة ولم تحظَ بمكانة عالية. مستوى حيوية اللغة العربية في إسرائيل منخفض حتى دون المتوسط (أمارة، 2020). اللغة العبرية هي لغة الحيّز العام الاجتماعي الحصرية، إنها اللغة السائدة في الحيّز العام، وهي المعتمدة في البيروقراطية الحكومية، وهي لغة مؤسسات التعليم العالي ولغة الأغلبية العظمى لوسائل الإعلام المكتوب والإلكتروني الحكومي وكذلك لغة سوق العمل بغالبيته العظمى (Saban & Amara, 2002).

إن تعليم اللغة مرتبط بميزان القوى في المجتمع وبقوة التمكين التي تمنحها اللغة لمتعلّميها. تدهور مكانة اللغة العربية في المجتمع الإسرائيلي مرتبط بشكل أساسي بالسياسات والممارسات اللغوية في إسرائيل والأيديولوجيا السائدة في الدولة، وذلك ينعكس في مواقف الناس من اللغة ومن أهمية تعلّمها.

من أجل فهم تصوّرات الأهالي عن أهمية تعليم اللغة العربية بشكل معمّق قمتُ بإجراء مقابلات فردية متعمّقة مع أربعة مشاركين: رجلين وإمرأتين، جميعهم من أهالي طلاب وطالبات مدرسة كفر كما. يتراوح أعمارهم بين 42-53 عاما، كلهم ولدوا في كفر كما، تربوا وتعلّموا في مدرستها وما زالوا يعيشون فيها إلى اليوم.

النتائج

تعليم اللغة العربية: بين الدافع الديني، الثقافي والفكري

المشاركون الأربعة يؤمنون بأهمية معرفة اللغة العربية، عبّروا عن رغبتهم بأن يعرف أبناؤهم اللغة العربية، وكانوا يودّون أن يعرفوا بأنفسهم اللغة العربية أكثر مما يعرفونها اليوم، وذلك لأسباب عدة، منها: الدين، التواصل والتطوّر. تحدّث (ش) (أب لولد في الصف الثاني، 47 عاما، سجان) عن السبب الديني، حيث يرى أن معرفة اللغة العربية ضرورية للإنسان المسلم كي يستطيع أن يفهم دينه، لأن اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي ولغة القرآن، حيث يقول:

أودّ أن يتعلم أولادي اللغتين العبرية والعربية بنفس الدرجة. مهم أن يعرفوا اللغتين لأنهم سيخالطون اليهود، واللغة العربية أيضا مهمة لفهم الدين. مهم أن تكون لديك درجة معينة من المعرفة باللغة العربية حتى تمارس الدين الإسلامي.

وكذلك يربط (س) (أب لولد في الصف التاسع، 53 عاما، مدير عمل) بين تعليم اللغة العربية والدين، حيث يقول:

معرفة اللغة العربية لن تجعلك متدينا، لكن إذا كنت متديّنا فمهم أن تعرف اللغة العربية لأنها أداة مهمة لفهم الدين.

لكن أهمية اللغة العربية ليست كامنة في السبب الديني فحسب، كما نلاحظ من أقوال (أ) (أم لولد في الصف التاسع، 45 عاما، ممرّضة)، التي ترى أهمية الموضوع من منظور التعرّف على الآخر والتواصل معه، فقد قالت:

برأيي مهم جدا أن يتعلم ابني اللغة العربية فهي ليست أقل أهمية من اللغة العبرية. أهميتها ليست لأسباب دينية بالضرورة، فأنا لست متديّنة، بل لأننا نعيش في إسرائيل مع العرب، وهم جزء من المجتمع ومهم أن نعرف لغتهم للتواصل معهم وللتعرف على ثقافة أخرى مختلفة التي نعيش معها جنبا إلى جنب.

ورغم موافقة (س) على أهمية السبب الديني، لكنه يرى أنه ليس كافيا، والسبب الأقوى بالنسبة له يكمن في دور تعلّم اللغة العربية في التطوّر الفكري:

أنا أهتمّ بتعليم أبنائي اللغة العربية ليس بسبب الدين بالذات، لا أربط بين الاثنين. طبعا هذا سبب مهم أيضا، لكن هناك مسلمون كثيرون من غير العرب لا يعرفون اللغة العربية، وهناك كثيرون من العرب المسلمين الذين يعرفون اللغة العربية ولكنهم ليسوا مسلمين أفضل من غيرهم. أهمية تعلّم اللغة العربية بالنسبة لي هي لكونها لغة ثريّة جدا.

يعتبر (ش) أن الفائدة من معرفة أولاده اللغة العربية تنحصر في موضوع الدين، أي لفهم دينهم والقدرة على قراءة القرآن، فمعرفة اللغة العربية مهمة ومفيدة، برأيه، لكونه مسلما. وبالمقابل، يرى أن الحاجة لمعرفة اللغة العربية غير ملحّة لأهداف أخرى مثل التحدّث مع العرب عند لقائهم في أماكن التعليم أو العمل، حيث قال:

معرفة اللغة العربية ستفيدهم (أي أولاده) من الناحية الدينية. اليوم، حتى لو دخلوا الجامعة لا يحتاجون العربية، ولا في المدرسة، حتى في سوق العمل أيضا لا يحتاجونها. مهم أن يعرفوا قراءة القرآن أن يعرفوا الحروف من أجل ذلك. أو إذا أرادوا أن يسمعوا شيئا بالعربية أن تكون لديهم القدرة على فهم المسموع.

وترى (ن) (أم لولد في الصف الثاني، 42 عاما، موظفة) أن معرفة اللغة العربية لها فائدة في القدرة على التواصل مع العرب، حيث تقول:

الأفضلية في معرفة اللغة العربية هي في القدرة على التحدّث مع العرب حين تلتقيهم. أن تستطيع الإجابة بصورة مقبولة حين يسألك أحدهم شيئا باللغة العربية.

نخلص إلى القول، بأن أهمية تعليم اللغة العربية كما يراها المشاركون تكمن في الدافع الديني، الثقافي والفكري، ودور اللغة العربية في حياة الطلاب مرتبط بشكل وثيق بتدنّي قيمة اللغة العربية ومستوى حيويتها في المجتمع في إسرائيل.

الصعوبات القائمة في تعليم اللغة العربية

الصعوبات التي تواجه الطلاب في تعليم اللغة العربية تتعلّق بشكل كبير في حقيقة عدم انكشافهم للغة العربية في حياتهم اليومية، ويتّضح من أجوبة المشاركين أن اللغة العربية تكاد تكون غائبة عنهم تماما، فهي ليست حاضرة لا سمعيا ولا شفهيا، لا مكتوبة ولا مقروءة، إلا في دروس اللغة العربية، رغم أن الانكشاف يمكن أن يكون بعدة طرق كما يذكرها المشاركون. أقوال (ن) و(ش) تجسّد ذلك بشكل واضح. تقول (ن):

ابني يستصعب القراءة وفهم المقروء ولا يحبّ درس العربية. السبب في ذلك أنه ليس مكشوفا للغة العربية. فهو لا يسمع اللغة العربية إلا في الدرس ولا يشاهد شيئا باللغة العربية في التلفزيون.

ويقول (ش) عن مشاهدة التلفزيون:

ابنتي لا تشاهد شيئا على التلفزيون باللغة العربية. فقط حين كانت طفلة كانت تسمع أغاني قناة طيور الجنة عند جدّتها. لكن منذ ذلك الوقت لم تعُد تسمع ولا تشاهد شيئا بالعربية.

وميّزت (أ) في حديثها علاقة التعليم العالي بالموضوع فتقول:

اليوم هناك طموح للتعليم العالي أكثر من الماضي. هناك إدراك بأهمية التعليم العالي، ولذلك لا حاجة للبجروت في اللغة العربية، ولا حاجة للغة العربية في الجامعة أو الكلية. التعليم هو باللغة العبرية.

هذا القول ينسجم مع البحث الذي أجراه أمارة وشركاه (2016) في الجامعات الإسرائيلية وأشار إلى التمييز في الحيّز الأكاديمي في إسرائيل الذي يميّز سلبا اللغة العربية. من بين 63 مؤسسة للتعليم العالي اليوم في إسرائيل فقط أربع منها تدرّس باللغة العربية، وفي الباقي لغة التدريس والبحث هي العبرية.

نخلص إلى القول، بأن الصعوبات القائمة في تعليم اللغة العربية مرتبطة بشكل كبير في عدم انكشاف الطلاب إلى اللغة العربية في حياتهم اليومية وتدنّي مستوى التعليم وهامشية اللغة العربية في المجتمع بشكل عام وفي التعليم العالي بشكل خاص.

المناقشة

نظرة الأهالي في كفر كما لأهمية تعليم اللغة العربية مرتبطة بكونها لغة دينهم الإسلام ولغة الجار. على عكس نتائج الأبحاث في المجتمع اليهودي (مندل وشركاه، 2020; בליקוף, 2018) التي بيّنت أن الطلاب اليهود يتعلّمون العربية من منطلقات ودوافع أمنية-عسكرية مرتبطة بمعادلة «السلام والأمن» المتّبعة في تعليم اللغة العربية في إسرائيل، تبيّن نتائج هذا البحث أهمية الدافعَين الديني والثقافي في تعليم اللغة العربية لدى الأهالي في كفر كما: الديني لتصوّرهم بضرورة معرفة اللغة العربية لفهم الدين وممارسة المعتقدات والطقوس الدينية، والثقافي للتواصل الإنساني والتعرّف على الثقافة الأخرى. نستدلّ من هذه النتائج أن مواقف الأهالي من تعليم اللغة العربية بعيدة عن المناخ السياسي السائد بين اليهود والعرب وهناك رغبة واستعداد لتعلّم اللغة العربية ولا يوجد أي مؤشر على تأثّر تعليم اللغة العربية من الصّراع اليهودي-العربي أو الإسرائيلي-الفلسطيني، بعكس الأبحاث التي أجريت على المجتمع اليهودي التي تظهر موقف الطلاب من اللغة العربية على أنها «لغة الصراع» وأن مكانتها في الحيّز الثقافي العالمي متدنّية والفائدة منها محدودة.

إن الدوافع والمحفّزات تشكّل أهمية كبيرة في نجاح المتعلّم أو فشله في العملية التعليمية للغة الثانية، فهل الدوافع الدينية، الثقافية والفكرية كافية لتعليم اللغة العربية؟ لا، ليست كافية أبدا، وهذا ما نراه على أرض الواقع، حيث تُدرّس اللغة العربية اليوم في مدرستي كفر كما الابتدائية والإعدادية كلغة ثانية، بعد اللغة العبرية لغة التدريس. يبدأ التعليم منذ الصف الأول، والبعض يكمل تعليم اللغة العربية في المرحلة الثانوية في مدرسة كدوري العبرية، ورغم ذلك، يتخرّج الطلاب دون أن تكون لديهم القدرة على القراءة، الكتابة والمحادثة، وهذا يتناسب مع نتائج البحث الذي قام به بليكوف (בליקוף, 2018) في المجتمع اليهودي حيث تبيّن تدنّي الكفاءة اللغوية لدى الطلاب خرّيجي مناهج تدريس العربية في المدارس العبرية في إسرائيل، والذين اجتازوا امتحان البجروت بمستوى خمس وحدات تعليمية والذين يمتلكون القدرة على القراءة وتحليل الأفعال غير متمكّنين من مهارات لغوية أساسية أخرى، مثل التحدّث والكتابة، فهم المسموع أو المقروء.

إن دور اللغة العربية في حياة الطلاب في كفر كما مرتبط ارتباطا وثيقا بتدنّي مكانة اللغة العربية في المجتمع الإسرائيلي وانخفاض مستوى حيويتها في المجتمع العربي، في ظل النظرة السّائدة إليها في إسرائيل على أنها “إشكالية”. اللغة العربية، ورغم أنها كانت لغة رسمية حتى عام 2018، إلا أن استخدامها المركزي هو في داخل المجتمع العربي فقط، عمليا هي لغة هامشية قياسا باللغة العبرية المسيطرة على الحيّز العام وعلى جميع مناحي الحياة (أمارة، 2020). من هنا، يواجه الطلاب في كفر كما صعوبات كثيرة في تعلّم اللغة العربية ترتبط بشكل كبير في عدم انكشافهم إلى اللغة العربية في حياتهم اليومية عن طريق الاختلاط بالمواطنين العرب، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، مثل: التلفزيون والإذاعة والشبكة العنكبوتية. اللغة العربية شبه غائبة عن حياتهم اليومية، ففي البيت حاضرة اللغة الشركسية، اللغة الأم، في المدرسة تحضر اللغة العبرية، لغة التدريس، أما اللغة العربية فهي حاضرة فقط في دروس اللغة العربية، إلا في بعض البيوت التي قد يهتمّ فيها الأهالي في حضور القنوات التلفزيونية باللغة العربية، أو الأغاني العربية، أو الكتب العربية.

الاهتمام باللغة العربية في التعليم الشركسي مرتبط بلا شك بحضور اللغة العربية في المشهد المدني عبر الحُقب الزمنية المختلفة. التحوّلات الكبيرة في أوضاع الشركس في كفر كما اقتصاديا واجتماعيا والتغيّرات في أنماط حياتهم بعد قيام دولة إسرائيل واستبدال اللغة العربية باللغة العبرية كلغة التدريس، لا شك تركت آثارها على المدى البعيد على واقع اللغة العربية في كفر كما. اللغة العربية كانت حاضرة في الماضي في المدرسة، في السوق، في العمل وفي القرية نفسها، خاصة قبل قيام دولة إسرائيل حين كانت القرية مركزا تجاريا واقتصاديا يستقطب أهالي القرى العربية الفلسطينية المحيطة بها، والحياة العامة كانت تتطلّب معرفة اللغة العربية. لكن بعد قيام الدولة تغيّرت الظروف الاجتماعية والسياسية بشكل كبير، واهتمّت الدولة بتعليم العبرية في القرية أكثر من العربية، ويتجلّى ذلك في محضر إحدى جلسات لجنة تعليم العرب من عام 1949 إذ يقول السيد بلوم:

«أهالي المكان يقولون إنهم كانوا يتعلّمون اللغة العربية بسبب البيئة المحيطة بهم، إلا أنهم يتحدّثون باللغة الشركسية مع بعضهم البعض، أما مهارة القراءة والكتابة باللغة الشركسية فلا يعرفونها. ما لهم وللغة العربية؟»

من المعروف أن القرى العربية التي كانت محيطة بقرية كفر كما لم يعُد لها وجود بعد قيام الدولة، وعليه فإن علاقات الشركس مع العرب تراخت مع مرور السنوات، لكن أن يسأل أحدهم: «ما لهم وللغة العربية» فهذا يعني اعتبار اللغة العربية غير مهمة لتعلّمها في هذه الدولة، وكذلك يعني تغاضي النظر عن حقيقة كونهم مسلمين ذوي ثقافة إسلامية إلى جانب الثقافة الشركسية المتجذّرة بهم. لكن رد السيد سلمون على هذه الأقوال يقترح تعليمهم اللغة الشركسية والعربية بواسطة معلم شركسي وإحضار معلّم يهودي لتعليمهم اللغة العبرية ومواضيع أخرى، ويُفهم من ذلك، أن السياسة اللغوية تركّز على تعليم اللغة العبرية باعتبارها لغة الأغلبية اليهودية المسيطرة، وكذلك تعترف بالحقوق اللغوية للشركس في تعلّم لغتهم الأم الشركسية واللغة العربية، لغة دينهم. لكن، في المقابل، تعليم اللغة العربية تدهور كثيرا في السنوات الأخيرة وقلّ الاهتمام به من قبل الأهالي، ففي ظلّ رغبة الشركس في كفر كما في الانخراط في المجتمع الإسرائيلي وفي سوق العمل الإسرائيلية وغياب العربية من المشهد المدني في المجتمع الإسرائيلي، قلّت الضرورة والحاجة إلى استعمال العربية في المجتمع الإسرائيلي، في سوق العمل، التعليم، وسائل الإعلام والتواصل وكل مجالات الحياة. هذا يؤكّد ادّعاء مندل وشركاه (2020) أن الحاجة إلى اللغة العربية غير ملموسة في الحياة اليومية في إسرائيل، لأن غالبية المواطنين العرب يتكلّمون بالعبرية ما يعني أن بالإمكان «تدبّر الأمر» دون معرفة اللغة العربية. تدنّي الاهتمام بتعليم اللغة العربية في كفر كما ما هو إلا دلالة على تأثّر مكانة اللغة بعلاقات القوة بين الجماعات المختلفة، وفي حالة الصراع القائمة بين اليهود والعرب، تُعتبر العربية «لغة مستضعفة» ولغة أقلية ذات مكانة أو قيمة متدنّية واللغة العبرية هي اللغة السائدة المرتبطة بالقوة.

اللغة العربية هي من أقدم لغات العالم، لغة القرآن والتراث الإسلامي، ولغة المواطنين العرب والسكان الأصلانيين في هذه البلاد الذين يشكّلون خُمس سكان الدولة، وكانت لغة رسمية حتى عام 2018 في إسرائيل، وهي إحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم. من هنا، أرى ضرورة بالغة في الاهتمام في تعليمها وتعلّمها. ينبغي تعزيز الدوافع المدنية لتعليم اللغة العربية ليس في المجتمع اليهودي فحسب، بل في المجتمع الشركسي أيضا. هناك حاجة إلى “مدننة” اللغة العربية (أمارة، 2020)، أي جعلها لغة مدنيّة، وذلك بتغيير الرؤية والمفاهيم وإعداد مناهج تدريس جديدة تسعى إلى إكساب مهارات الاتصال والتواصل باللغة العربية، وفي ذلك، كما يقول أمارة، فائدة كبيرة ستظهر في تعزيز التعددية اللغوية التي تقوّي القدرات الإدراكية.

تعليم اللغة العربية ليست إجبارية اليوم في المدارس، ومعرفة اللغة العربية ليست مطلوبة لإنهاء الصف الثاني عشر، وبإمكان مدراء المدارس تكريس ساعات التعليم لتعليم العربية حسب تقديرهم. من هنا، نرى وجود تأثير غير قليل لدافعية المدراء من أجل تعزيز وتشجيع تعليم العربية. يجب على وزارة التربية تعزيز موقفه من أهمية تعليم العربية والحثّ على دافعية والتزام مدراء المدارس إزاء الموضوع (אידריס ומזור, 2020).

ينبغي أن يكون الهدف المركزي من تعليم اللغة العربية إكساب مهارات الاتّصال والتواصل، انطلاقا من الرؤية التي تعتبر اللغة جسرا للتفاهم وللعلاقات بين بني البشر والثقافات. المنهج التعليمي الموجّه لتحقيق مهارات التحدّث من شأنه دفع وتطوير الاتصال بين مواطني الدولة المختلفين، خطوة من شأنها أن تدفع في اتجاه مجتمع مدني يكون أفراده قادرين على مخاطبة بعضهم البعض بلغاتهم (مندل وشركاه، 2020).

هناك ضرورة، برأيي، لكشف الطلاب في كفر كما إلى اللغة العربية من خلال التربية اللامنهجية وبطرق ترفيهية، إقامة فعاليات ثقافية باللغة العربية وتأهيل المعلمين لتعليم اللغة العربية بطرق إبداعية ومبتكرة تتّسم بالمتعة والترفيه من أجل تحبيب اللغة العربية على الطلاب، إثارة فضولهم وتقديرهم وشعورهم بالارتباط بالثقافة العربية الغنية وذلك بكشفهم للجوانب الثقافية من اللغة العربية، إثارة الفضول، التقدير والارتباط بالثقافة العربية الغنية والمنوعة.

……………………………………………………………………………………………

المصادر

أمارة، م. (2020). لغتي هويتي: نحو سياسة لغوية شمولية لمواجهة تحديات اللغة العربية في إسرائيل.

دار الهدى – ع. زحالقة.

مندل، ي. & عرو، م. & أبو راس، ث. & كرامارسكي، غ. (محررون). (2020). العرب، اليهود واللغة العربية:

تدريس اللغة العربية وتحدّياته (تقرير بحث). منشورات فان لير.

אדריס, ח. ומזור, י. (2020). הוראת הערבית כשפה שניה- נייר עמדה. עמותת סיכוי לקידום שוויון

אזרחי.

אצ’מוז, ש. וחאתוקאי, ר. (1991). הצ’רקסים. כפר כמא: המחברים.

אצ’מוז, ש. וחאתוקאי, ר. (2000). עולם הצ’רקסים. כפר כמא: המחברים.

בליקוף, מ. (2018). לימוד ערבית בחינוך העברי: מחסמים לסיכויים – מסמך מדיניות מס’ 6.

עמותת סיכוי לקידום שוויון אזרחי.

משרד החינוך, הועדה לחינוך הערבי, פרוטוקול ישיבה מס. 4, 20.7.1949

רייכל, נ. & רבן, א. (2007). מערכת החינוך והזהות הצ’רקסית בכפר-כמא. אופקים בגאוגרפיה,

202-223.

שאבסו, א. (1994). היסטוריה ומורשת צ’רקסית. הוצאת משרד החינוך והתרבות- הועדה לחינוך.

Saban, I. & Amara, M. (2002). The status of Arabic in Israel: Reflections on the

power Of law to produce social change. Israel Law Review 36 (2): 5-39.

Sunata, U. (2019). Transnational Solidarity of Circassians in-between Caucasus

and Middle East 1. In Conflict and Forced Migration Emerald Publishing

Limited.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*