عندما تستحوذ معايير الأخلاق على فكر ووجدان مبدع من المبدعين نجده يعتمر الموضوعية بعيدا عن النرجسية وحب الذات!
عندما يبني مبدع الحياة بإبداعاته نراه يتعرى من قيود (الأنا) ليلتزم بهموم الناس وخاصة ضحايا العسف والتعسف وقمع القامعين!!
جوزيه ساراماغو عظيم البرتغال رحل عن عالمنا هذا قبل أعوام.. لم يعرف بكتاباته وإطلالاته التهادن مع الظالمين! لقد آمن قبل وبعد نيله جائزة نوبل للآداب أنه عندما تتفاقم الشدة فلا أقل من أن يتكتل الناس في مواجهتها!!
عندما أتانا زائرا استقبله الإسرائيليون في زهرة المدائن أما الراحل أبو عمار فاستقبله في رام الله. في زيارته تلك أكد محبته وتضامنه مع المظلومين من كلّ لون وعرق في كل زمان ومكان!! لقد أدان الجرائم البشرية وعلى رأسها همجية وبربرية النازيين ضد اليهود وغير اليهود!! وندد بالهمجيات العنصرية في كل بقعة من بقاع وأصقاع هذا العالم!! لم يرتعش لغضب الإسرائيليين عندما عرى ممارساتهم في الضفة والقطاع كما لم يرتعش فيما سبق لغضب الكنيسة الكاثوليكية التي اعتبرته شيوعيا ملحدا ناكرا لوجود الله!!
يعتقد الاديب والروائي ساراماغو أن كتاب التوراة مرتع لقصص سيئة يجب تغييبها عن الأطفال وفي يقينه أن الله خرج للتقاعد بعد أيام التكوين الستة!!
هذا الاعتقاد مماثل لما قاله ارسطو.. والسؤال: هل تقمص المبدع البرتغالي بعضا من إرث أرسطو معلم الاسكندر المقدوني؟!!
عندما انهار الاستبداد عام 1974 كان قد مضى على البرتغاليين نحو ما يزيد على الأربعين عاما من القمع والتنكيل والمعاناة!! من رحم المعاناة أطل علينا جوزيه البرتغالي الذي رأى في الاشتراكية حلا لمشاكل العالم!! وهو الذي أطل علينا ليعلمنا أن عدالة السيف ليست عدالة وعدالة السكين عدالة فاسدة كاذبة وأن البرتغال بلاد صغيرة بجلاديها أمثال الطغاة سالازار وكاتيانو ولكنها كبيرة كبيرة بفاسكو دي غاما وماجلان وساراماغو.