التقى منحوس المسعودي بصديقه متعب بن مرتاح، على أمل عقد حوار حول ما يشغل بالهما ويقض راحتهما. لكن هذه المرة فوجيء متعب بصديقه منحوس يطرح عليه مسألة غريبة نوعا ما أو غير مطروقة على الرأي العام، ولا ينتبه لها إلا قلة من الناس، رغم ما تعكسه من أزمة داخلية في المجتمع العربي خاصة والشعوب العربية عامة. وبادر منحوس صديقه متعب بالقول: – اتفق العرب على ألا يتفقوا..
فرد عليه متعب قائلا: هذه المقولة معروفة ومحفوظة في ذاكرتنا من جيل الى جيل.. ما هو الجديد؟
منحوس: الجديد أن قادة الفكر والأدب، من نتوخى منهم الصدق والاستقامة، الذين يمثلون ضمير الشعب، أصيبوا بلوثة الانشقاق والانقسام.
متعب: كيف يعني؟ ومن تقصد؟ وماذا حصل؟
منحوس: سأقص عليك الحكاية، لكن أرجو منك صبرا جميلا.
متعب: هات يا خيا منحوس روايتك، فكلي آذان صاغية.
منحوس: بعدما قام اتحاد عام موحد للكتاب الفلسطينيين في مناطق الـ 48، كان لا بد من اجراء انتخابات بعد فترة لانتخاب هيئات الاتحاد، ومن الطبيعي أن يكون تباين في الآراء ومطالبة بتغييرات دستورية وأن يكون أكثر من مرشح لنفس المنصب، فهذه من أسس الديمقراطية.
متعب: مفهوم.. وعلى الجميع احترام اللعبة الديمقراطية ونتائجها، وإلا لا حاجة لهم بالمشاركة في هذه اللعبة.
منحوس: صدقت يا صديقي، وكان أن انعقد المجلس العام للاتحاد وقام فريق يقترح تغييرات في الدستور، واعتلى ممثله المنصة وتحدث بإسهاب عارضا اقتراحاته وداعيا أعضاء المجلس التصويت الى جانبها، مقسما انه سيحترم قرارات المجلس مهما كانت. وتم التصويت على الاقتراحات فلم تحظ بأكثر من ثلث الأصوات.
متعب: كلام لا غبار عليه، وطبعا فهم هذا الفريق إلى أين تتجه الرياح، فهل تقبلوا النتيجة؟
منحوس: هكذا بدا الأمر، لكنهم لم يراجعوا أنفسهم، فدفعوا بممثلهم ليرشح نفسه لمنصب قيادة التنظيم، ومرة أخرى جاءت النتيجة على عكس ما رغبوا وفاز مرشحهم بثلث الأصوات مقابل ثلثين للمرشح المنافس.
متعب: طيب، هذه هي أصول الديمقراطية ومن حق كل فريق ترشيح مندوب من عنده، المهم ماذا حصل؟
منحوس: ما تقوله صحيح نظريا لكن عمليا هذا لا يمارس، وخاصة في مجتمعنا الذي يتحدث عن الديمقراطية كثيرا لكن لا يعمل بها إلا قليلا، هذا اذا عمل بها أصلا.
متعب: يعني الفريق الخاسر لم يقبل بالنتيجة.
منحوس: بداية قبلها وأظهر موافقته على النتيجة، بدليل أن مرشح الفريق الخاسر قام بمصافحة الفائز من الفريق الآخر وتهنئته علنا، وقام أعضاء المجلس بالتصفيق لهذا الجو الديمقراطي المثالي.
متعب: والله بدأت لا أفهم.. أين المشكلة اذن؟ وما هو وجه الخلاف، ولماذا حصل الانشقاق؟
منحوس: كما قلت لك بأن العرب أبَوا ان يتفقوا. لأنه بعد أيام جاء الوسواس الخناس يوسوس في صدر الخاسر، فما هي أيام إلا وجمع بعض مؤيديه وبعضهم يعادي المرشح الفائز كلّ لسببه، فتجمع كل أصحاب المصلحة وأعلنوا انسحابهم من الاتحاد وتشكيل إطار خاص بهم.
متعب: يعني عادت حليمة وعاد الانقسام والانشقاق، وأكيد أصدر الفريق المنشق بيانا يعلن فيه دعوته للوحدة وغيرته عليها.
منحوس: بالضبط، كما يفعل كل فصيل ينشق عن الفصيل الأم، وكل حزب يقوم من رحم حزب آخر، وكل جمعية جديدة تتكون بعد خلاف داخل الجمعية الأصل.. والله يكون بعون الوحدة كم يحبونها وكم يكرهون العمل بموجبها.
متعب: ماشي لقد تعودنا على ذلك.. خاصة وأنه تم إيجاد فتوى لتلك الانقسامات والشرذمات باسم التعددية. لكن لماذا يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الموضوع؟
منحوس: لأن بعض المتفذلكين والمدعين للحيادية، يظهرون لهفة حارقة على الوحدة، لكنها لهفة مشكوك فيها، فهي تتعامى عن الحقائق وتساوي بين الظالم والمظلوم، بين المنشق والمنشق عنه. ولنتصور مجازا أن اتفاقا تم وعاد الجسم الى وحدته كما كان، فهل هناك من يضمن ألا تقوم فئة أخرى وتنشق عن الجسم المستجد منادية بالوحدة من جديد وجديد؟!
متعب: لقد دوختني وأتعبتني بهذه القصة يا صديقي.. اذا كان كتاب وشعراء شعبنا على هذه الصورة – وأنا لا أعمم بل أقصد مجموعة أو فئة – فماذا تريد من الشعب البسيط؟
منحوس: بل ماذا أريد من الفصائل والأحزاب التي تنقسم وتختلف على مبادئ سياسية وعقائدية. لكن الكتاب والشعراء على ماذا يختلفون وعلى أي ثياب يقترعون؟!
متعب: مؤسف فعلا.. يلّلا..
منحوس: وين.. لحظة بعد بدي أحدثك عن الذي قفز عن الحمار..
متعب: يكفيني ما سمعته منك اليوم.. ودع قصة الحمار، قصدي اللي قفز عن الحمار للقاء القادم..