أغنيـــة فــي صــدري – دينا سليم حنحن

قصة قصيرة

 

أحبها حتى الجنون، لكنها آثرت الإدمان على المخدرات على أن تبادله الحب، حتى وصل بها الحال إلى أدنى مستوى يمكن أن يصل بامرأة تحمل بين ضلوعها خمسة وأربعين عاما.

 فمن الحياة المرفهة، والسعيدة بعد زواجها من رجل عشقها بجنون، انحرفت ووصلت إلى الحضيض.

ارتكبت جناية وحكم عليها بالسجن، انتظرها زوجها حتى خرجت وأخذها إلى البيت وبدأ يعوضها عن السنوات القاسية.

لكنها عادت إلى تعاطي السموم، هربت منه خجلا ، وعاشت في الأزقة.

في يوم ما، وجدت نفسها في سرير المشفى محاطة بالرعاية الكاملة، خصصت لها الدولة مسكنا تقيم فيه، وراتبا شهريا، وادرجت ضمن لائحة المدمنين الذين لا مجال لشفائهم، وحصلت على المخدر بصورة قانونية، روشيتة موقعة من طبيبها يصرفها لها زوجها.

اقتصرت حياتها على تعاطي المخدرات، وانتظرت الوجبة التي تُؤمن لها، اشترطت على زوجها ألا يدخل بيتها، وألا يقترب منها نهائيا، لكن عشقه لها يفوق كل الاحتمالات، قرر أن يدعها وشأنها على أن يأتي لزيارتها حتى لو بقي بعيدًا.

كل صباح، حمل زاده، وكتاب للقراءة، ومظلة، وكرسيا، جلس في حديقة بيتها مباشرة خلف نافذتها، يقرأ وينتظرها حتى تستيقظ، يضع المخدر في كفها ثم يعود ليجلس في كرسيه، لا يبارح مكانه إلا عند حلول الظلام، حينها يحمل كرسيه، ومظلته، وأغراضه، ويذهب إلى بيته مطأطئ الرأس، يقيم داخل زقاق ضيق في شارع خلفي مع رفيقه المتشرد.

 مرت  سنوات وهو على الحال ذاته، لا شيء يتغير،  ينتظر وهي تعاقبه على انتظاره المُمل، تشتمه، وتصرخ في وجهه، وتلعنه، يصمت، يبكي، الكارثة عندما تهب العاصفة، المظلة الواسعة لا تقيه من البلل، وينتظر!

مر اليوم أمامي بالصدفة، أنضجت تلك اللحظة داخلي ودعتني إلى كتابة هذه القصة الحقيقية، رأيت الشيخوخة تتسرب إلى ملامح الرجل الخمسيني، والمنسي تماما، ظهر وكأنه في السبعين من العمر.

سألته لماذا ضحى من أجلها بكل شيء، أجابني مبتسما:

  • صوتها الرخيم، عندما تبدأ بالغناء يعيد لي الذاكرة الحلوة، فأعيش الماضي بتفاصيله، عندما لحنت لها أول أغنية، والوحيدة، ضربت السوق في حينه، أسمعها كل يوم وهي تغني، بعد تناولها وجبتها المخدرة، أنتظر طوال النهار وأحيانا حتى منتصف الليل، المهم عندي هو، أن تبقى تغني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*