استيقظ العالم فجر يوم الإثنين الماضي، السادس من فبراير الجاري، على خبر وقوع هزة أرضية في شمال سوريا وجنوب تركيا، شدتها 7.7 درجة وهي تعتبر درجة عليا في مقاييس الزلازل والهزات الأرضية، وأثناء نومنا في فراشنا الدافىء، تحولت حياة آلاف من السوريين والأتراك إلى محنة وكارثة، بل أن عددا كبيرا منهم فقد حياته في لحظات قليلة.
مشاهد مأساوية تلقفناها مع صباح ذاك اليوم المشؤوم، وأخبار صعبة وصادمة سمعناها مع ساعات الصباح الأولى، عن مئات الضحايا، عائلات بكاملها لقت مصرعها في الزلزال، أطفال وأهال شبان، أطباء وعاملين، أناس لم ينعموا بالهدوء والعيش الطبيعي، بعد سنوات الحرب والتشريد الطويلة. وكلما طال الوقت كلما ارتفع عدد الضحايا، وكم القلق على مصير العالقين بين الأنقاض، وكأن الزلزال لم يكن كافيا فأضيف إليه المطر الشديد والبرد القارس، وبالتالي وردت مشاهد جديدة تدمي القوب وتحرق الأعصاب، فهذه طفلة تنادي على أمها بعدما تم انقاذها ولا مجيب، وتلك طفلة تحنو على شقيقها تطل بعينيها من بين الأنقاض مستنجدة بالمنقذين أن يخرجوها وجدّة تنتظر أبناءها وأحفادها أن يطلوا عليها من بين الركام ليطفئوا حرارة قلبها، ومتطوع يجلس بجانب ركام ينتحب بعدما لم تعد أعصابه تحتمل المناظر التي عاينها عن قرب.
وسرعان ما نقف على واقع مؤلم بل وحشي، لا نشهد مثيله إلا في الغابات حيث لا شريعة ولا قانون ولا أعراف. واقع يحمل تمييزا لا يمكن وصفه بكلمات موزونة، وأقل ما يقال فيه أنه تمييز وحشي، بربري، همجي، يتمثل في السماح بتقديم الدعم الإنساني والمعونات والاسعاف لضحايا ومنكوبي زلزال تركيا، أما منكوبي زلزال سوريا فيحرمون من ذلك، لأن زعيمة “العالم الحر” المنافحة عن “حقوق الانسان” ولايات الكذب الأمريكية تحظر دخول الطائرات الى سماء سوريا بقوة التزوير القانوني المسمى “قانون قيصر”، ولا تصل المساعدات للشعب السوري المنكوب الذي يستحق الموت بموجب “العدل” الأمريكي، ويخرج علينا المارق نتنياهو بكذبة لا يجيد مثلها إلا مخرجو أفلام “هوليوود” الأمريكية، زاعما بكل صلافة وحقارة بأن سوريا طلبت مساعدته، وتلقف بعض ضعاف النفوس والمتصيدين في المياه العكرة تلك الكذبة الرخيصة، ووجدوها فرصة لمناكفة النظام السوري في الوقت الذي تنشغل فيه الدولة السورية بمؤسساتها وهيئاتها وجيشها وحكومتها وقيادتها بالمأساة الإنسانية التي حلت بها وبأبنائها الأبرياء، فالأخلاق لم تعد من شيم بعض العرب في هذا الزمن الصهيو – أمريكي.
ربما تكون الحرب أرحم، فهي تتيح بعض الوقت لمن يود مغادرة المكان لمكان آمن أكثر، ربما تتمكن بعض العائلات تجميع أفرادها والاحتماء في مغارة أو ظل شجرة.. لكن الزلزال لا يمهل أحدا للهرب أو حتى فتح عيونه وهو في عزّ نومه، يقلب الأرض ظهرا على عقب، يهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، يجهز على عائلات بأكملها.. الزلزال يأتي بغتة ويتوقف فجأة، يستمر ثوان أو دقائق معدودات لكنه يخلف دمارا غير مسبوق وخسائر غير مرتقبة، ويولّد قصصا إنسانية، واقعية، تجعل الحجر يشعر ويحس ويبكي لهولها، لكنها لا تحرك شعرة لدى “حماة” حقوق الانسان، ولا تهزّ ضمير “رعاة” البقر في البيت الأبيض الملوّث بسواد أفكار ساكنيه، ولا تثير سوى أفكارا غيبية لدى الغارقين في خيالات وهمية.
ورغم كل الدمار والحصار، يبقى بصيص أمل في قادة ودول شقّت عصا الطاعة، وتمردت على أوامر “القيصر” بشجاعة وأرسلت طائراتها محملة بالمساعدات الإنسانية والمواد الطبية والغذائية إلى سوريا المحاصرة والجريحة، أفلا يأتي زلزال بشري بعد الزلزال الطبيعي؟!