متنفَّس عبرَ القضبان (70) حسن عبادي/ حيفا

 

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

عقّب مفيد الشرباتي: “عاش نفسك الحر والمثابر صديقنا وفيلقنا وتحية محبة وتقدير لكل اهالينا في الداخل يلي ما نسيوا اسرانا وقضاياهم وعافاهم الله من فيروس  الاهمال الوطني وقبلة على جبين جنرال الصبر ياسر ابو المجد ومحبتي للرفيق مصطفى ويا رب الحرية قريبة لأسرانا البواسل”

 

وعقّب إبراهيم الخطيب أبو وسيم: ” ولك طول العمر لجهودك الدؤوبة لإظهار ما يتمتع به اسرانا من ثبات على العهد وفضح لسلطة التآمر المخزي بحق أشرف ابناء شعبنا. سواء اكانوا شهداء ام أسري الحرية.”

 

وعقب أحمد خطيب: “كل عام وانت بخير صديقي حسن عبادي يا من ادخلت الفرحة الى العديد من الاسرى في السجون الإسرائيلية. فكل عام وانت بخير وامل لك سنه جديده فيها الصحة والسعادة وكثير من النشاط والتواصل مع الاسرى الفلسطينيين”

 

 

أوسلو بعيون الأسرى

غادرت حيفا السادسة صباح الأربعاء 28 كانون أول 2022 متجّهًا إلى سجن ريمون الصحراوي، يرافقني الصديق مصطفى نفاع، للقاء أسرى يكتبون، والتقيت حال وصولي بالأسير ياسر نبيل عمران الشرباتي [1]، وابتسامته أنستني الأزمة المروريّة ومشقّة سفر أربع ساعات ونصف.

أوصلته سلامات مفيد وأمجد لكسر جليد لقاء غرباء للمرّة الأولى فانفرجت أساريره لأنّه عرف حينها من أكون، فالسجان لم يعلمه هويّة المحامي الذي ينتظره.

حدّثني عن “الإهمال الوطني”، مصطلح جديد لما متعارف عليه بالإهمال الطبي، فهو يعاني من مرض السكّري، وكثير من زملاء الأسر يعانون الأمراض دون علاج جدّي غير المسكّنات، ليخبرني أنّهم قرّروا المطالبة ب”دوبير” لقسم الثلاجات. يا لها من سخرية سوداويّة قاتلة!

حدّثني عن مشروعه البحثيّ؛ دراسة ميدانيّة حول “أوسلو في عيون الأسرى” تشمل أسرى عايشوا الانتفاضتين. رغم أنّه كُتب الكثير حول أوسلو، لكن الأسرى جُنّبوا وما زالوا يدفعون الثمن. كتاب غير تقليدي، على حدّ قوله. الجامعات تُخرّج موظّفين وفي السجن قدرات بحثيّة خارقة لفائض الوقت.

 

لم نصل القدس بعد!

بعد لقائي بياسر أطلّ الأسير عبد العظيم عبد الحق موسى حسن [2]، حاملًا أوراقه، وحين اقترب منّي رمى الأوراق جانبًا وصاح (رغم عطل السمّاعات): “الأستاذ حسن؟ فكّرت محامي الهيئة!” فأجبته: مزبوط يا أبو سارة وقصصت عليه قصّتي مع “الأبوات” وتبادلنا سلامات الأصدقاء إسماعيل وفراس وحسام.

دار بيننا عصف ذهني وفكريّ مشوّق، تناولنا وضع الحركة الأسيرة، فالأسير إنسان بعيدًا عن البطولة، قصور التنظيمات والسلطة التي ابتلعتها، ما زلنا على الطريق، لم نصل القدس بعد. تركنا وطن يرزح تحت نير الاحتلال، والانقسام أمرّ من الاحتلال والنكبة، على حدّ قوله.

حدّثني مطوّلًا عن مقولته عن الدين والعلمانية، بناء على بحث علمي، و”المتديّنين” أبعد ما يكون عن الدين و”العلمانيين” أبعد ما يكون عن العلمانية، فالعلماني لا ديني وليس ضد الدين. أخبرني عن كتابه “ماهية العلاقة بين الدين والعلمانية وآثارها على المجتمعات العربية والإسلامية” الصادر عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة.

قال لي “إذا أفكاري طلعت برّا كأنّني تحرّرت”.

وصف لي شعور الصديق أحمد عارضة حين أشهرنا ديوانه “خلل طفيف في السفرجل”، طار عم الأرض من الفرحة!

وللحديث بقيّة.

 

لكم أعزاءي ياسر وعبد العظيم كل التحايا، والحريّة القريبة لكُم ولجميع أسرى الحريّة.

 

حيفا/ كانون أول 2022

 

الهوامش

[1] الأسير ياسر الشرباتي من الخليل، اعتقل عام 2003، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد مكرّر ثلاث مرات.

[2] الأسير عبد العظيم عبد الحق من قصرة/نابلس، أُعتقل عام 2000، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيلية   بالسجن 33 عام.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*