“رحلة في متاهات الأسر” للكاتب الأسير رأفت البوريني – ديمة جمعة السمان

صوت الأسير إلى العالم

                                                        

كلما أبحرنا أكثر في كتابات أسرى الحرية زاد شعورنا بمدى تقصيرنا تجاههم.

فكل الاحترام لكل من ساهم في إخراج هذا الكتاب الى النور. وإلى كل من يساهم في انتشار هذا الكتاب والتعريف به من خلال اللقاءات والندوات المختلفة وجاهيا أو افتراضيا… يتم نقاش الكتاب والتعريف به وتحليل ما ورد فيه، لنغوص أكثر في تفاصيل حياة الأسرى ودواخلهم. فهم الأوفياء الأنقياء الذين دفعوا حرياتهم ثمنا لتحرير الوطن.

قبل أن أتحدث عن كتاب الأسير أود أن أرسل له تحية عطرة من القدس العاصمة الأبدية للفلسطينيين أينما كانوا، وأطمئنه، فعلى الرغم من أنها تجربته الأولى الجدية في مجال الكتابة -كما ذكر في الخاتمة-وهو يأمل ان يكون قد وفّق في الوصول لهدفه عندما قرر الكتابة، أقول له بصراحة ودون مجاملات أنه نجح في الوصول إلى هدفه، وقد استطاع تسليط الضوء على قضية أسري الحرية، وهذا بالتأكيد يسهم في تفعيل التضامن والمساندة لهم.

هذه المذكرات التي جمعها في كتابه: ” رحلة في متاهات الأسر” تشعر القارئ بصدقها وموضوعيتها دون مبالغة ولا تهويل… تحرّك المشاعر، وتضع كل من يقرأ الكتاب أمام مسؤولياته تجاه الحركة الأسيرة.  

طبعا… أنا أدري تماما حالة الكاتب حين يستحضر الماضي ويبحر في دهاليز الذاكرة، كم تكون حالة الكاتب صعبة، تتصارع في داخله كل المشاعر الإنسانية من حزن وفرح وغضب وألم وراحة وحب وكره وهدوء وجنون… فتتفاعل هذه الأحاسيس مجتمعة لتشكل حالة من الصعب تفسيرها. وقد خاضها الكاتب ونجح في أن يتغلب عليها، فخرجت لوحة معبرة جمعت كل الألوان، دون تشتيت، بل رتّبها ونسّقها بلغته البسيطة القوية غير المعقدة، فتضمنت العديد من الرسائل التي لم تكن عفوية، كان منها المباشرة وغير المباشرة، وُجهت الرسائل بذكاء لعدة فئات: منها الأسرى وأهالي الأسرى، القوى الوطنية، والمجتمع بشكل عام… كما أجابت على العديد من التساؤلات، ووصفت حالة الأسير النفسية والجسدية وعبرت عن آماله وأحلامه، فمن حق الأسير على مجتمعه أن يشاركهم مشاعره… ويطلعهم على واقعه الصعب. فلم يحصل الأسرى على حقوقهم أو جزء من حقوقهم الإنسانية مجانا، بل ناضلوا بشتى الوسائل: منها الاضراب عن الطعام، والارباك الليلي، والتهديد بحل الهيئات التنظيمية لمختلف الفصائل، والاعتداء على السجانين، واتباع أساليب مختلفة للضغط على السجان مما كان يعرضهم للخطر والضرب المبرح وشتى أنواع العقاب والحرمان… ورغم ذلك… كانوا بعض الأحيان ينتزعون حقوقهم ويحققون نجاحات… وأحيانا أخرى يتعرضون للخذلان.

الحركة الاسيرة قدمت ولا زالت تقدم دروسا في التضحية والفداء، وتقدم الغالي والنفيس لأجل الكرامة والحرية. هي رحلة شاقة مع السجان… ذاق الأسرى الأمرّين، فهو العدو الخبيث وناكث للعهود غير الملتزم بالاتفاقيات… فلا أمان له…

أهمّ الرسائل التي قرأتها في الكتاب:

  • رسالة صريحة موجهة للأسرى بأن لا يأمنوا جانب السّجان بل عليهم توخّي الحذر واستشارة قانونيين لضمان تنفيذ اتفاقياتهم.
  • أهمية استغلال الفترة داخل المعتقل لتثقيف الذات والدراسة للحصول على الشهادات الجامعية.
  • دور الأهل في التخفيف عن المعتقل وضبط ردة الفعل عند النطق بالحكم… اذ يشعر الأسير بعذاب الضمير انه تسبب لعائلته الحزن، إن ظهر ضعفهم أمامه.

كما تشكل زيارات الأهل الدورية لهم قيمة إنسانية ومعنوية لا يضاهيها شيء سوى لحظة الحرية.

  • أهمية الرسائل في حياتهم، وتواصلهم مع المجتمع خارج المعتقلات.
  • أهمية الوحدة الوطنية، والتوافق بالقرارات، خاصة فيما يتعلق بحقوق الأسرى كي لا يشعر الأسرى بالانتكاسة والخذلان.
  • أهمية الاتفاق الجماهيري وفعالياتهم ونشاطاتهم دعما للأسرى ومدى تأثيرها على نفسياتهم وصمودهم.
  • الانتباه والحذر من بعض المحامين الذين يتاجرون بأعمار الأسرى، لتحقيق مصالح شخصية.
  • ارتباط فتاة بشاب اسير محكوم لفترة طويلة يعتبر حالة نضالية حقيقية تقدمها العائلات الفلسطينية المناضلة، وهو جزء من النضال العام وشكل من أشكال الكفاح، يساعدهم على الصمود من خلال الامل الذي يتم زرعه في نفس المعتقل، فمن حقه أن يحب ويتزوج ويبني اسرة.

تحية لنجود المناضلة أخت المناضل وخطيبة المناضل على موقفها الإنساني الوطني الشجاع.

  • غياب الأمل يعرض الأسير للتحطيم والانكسار المعنوي.

كما أرسل الكاتب رسالة ذكية لكل من هم خارج المعتقل، قال فيها: الوطن ليس مكانا على الأرض فقط، بل فكرة في الذهن، نُسجن ونُشرد ونموت من أجل الفكرة التي لا تموت حتى بعد موتنا.

كما أشار إلى ضرورة احترام تضحيات الأسرى، وأكد على أنه يخجل أمام عظمة من يقبعون خلف القضبان منذ الثمانينات والتسعينات، الذين اعتقلوا قبل اختراع فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي.

قد لا يتقنون فن التعامل مع هذه التكنولوجيا الحديثة، ولكن هؤلاء هم الابطال الحقيقيون الذين ما زالوا يقبضون على جمر التحدي ولا يعرفون اليأس والخنوع.

وكأنه أراد أن يقول ان عدم معرفتهم التعامل مع التكنولوجيا الحديثة لا ولن يقلل من احترامهم.

كتاب لخص واقع الأسرى المرير في المعتقلات… ولكنني كان الأمل يطل برأسه بين الكلمات، يذكر بنفسه، إذ أن لحظة الفجر والحرية تبقى دوما قريبة من عيوننا وعقولنا وقلوبنا… وان عملية البحث عن فسحة أمل في وسط الظلام لن تتوقف، طالما أن القلب لا زال ينبض.

لا شك أن هذا الكتاب يعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية.

وأود الإشارة هنا انني تصفحت موقع الكاتب على فيسبوك الذي أنشأه له الأهل، وعلمت ان رأفت سيتحرر هو وابن عمه ناظم في 22 كانون الثاني، أي بعد عشرة أيام من الآن.

مبارك لهما، ومبارك لنجود خطيبة رأفت. التمام على خير ان شاء الله.

 

***مداخلة في ندوة “أسرى يكتبون” يوم الاثنين 12.12.2022 في رابطة الكتاب الأردنيين

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*