النّص الموازي والمتن في “أعيشُكِ عكّا” لوسام دلال خلايلة –  د. نبيل طنّوس

 

النّصّ الموازي والمتن مركّبان أساسيّان يشملهما كتاب “أعيشك عكّا” من الغلاف إلى الغلاف. سوف نحاول في هذه المقالة معالجتهما، وكشف العلاقة بينهما. تحاول هذه المقالة الإجابة عن الأسئلة التّالية:

ما النّصّ الموازي أو النّصّ المرافق؟

ما المتن؟

ما العلاقة بينهما؟

ما الدّور الذي يجب أن يقوم به النّصّ الموازي؟

النّصوص الموازية/المرافقة Paratext:

النّصّ الموازي هو أحد المصطلحات النّقديّة التي تعامل بها الأدب الغربيّ، وقد كان جيرار جنيت (Gérard Genette) كما أشار إلى ذلك د. عبد الفتاح الحجمريّ (1996) أوّل من طرح هذا المصطلح، فما يهمّه ليس النّصّ وحده، إنّما التفاعلات الموجودة بين النّصوص، وقد عرّف جنيت النّصّ الموازي بأنّه عبارة عن ملحقات نصّيّة وعتبات نعبرها قبل ولوج أيّ فضاء داخلّي، كالعتبة بالنّسبة إلى الباب، أو كما يقول المثل المغربيّ: أخبار الدّار على باب الدّار، أو كما قال جنيت نفسه في شكل حكمة: اِحذروا العتبات!

يقول معجب العدوانيّ (2002): “لكلّ بناء مدخل، ولكلّ مدخل عتبة، ولكلّ عتبة هيئة، والعتبات همسات البداية”، فهكذا أيضًا النّصوص الأدبيّة كالبناء، فلها نصوص موازية ولها المتن.

أمثلة على النّصوص الموازية:

  • الغلاف وجميع محتوياته: اِسم الكاتب، عنوان الكتاب، الصّورة ومحتوياتها، أشكال، ألوان، كلمات خطوط، النّاشر وغيرها.
  • الغلاف الخلفيّ ومحتوياته من أشكال وصور وكلمات وألوان وغيرها.
  • الغلاف الدّاخليّ.
  • المقدّمة/ التّوطئة.
  • شعارات (Motto)
  • الإهداء.
  • فهرست.
  • إصدارات للمؤلّف.

بخصوص كتاب “أعيشكِ عكّا” لوسام دلال خلايلة نجد ما يلي:

الغلاف الأماميّ في الكتاب:

  1. اِسم الكاتبة الثّلاثيّ: وسام دلال خلايلة. يحتوي على الاسم الشخصيّ والعائلة الأصليّة العكّيّة (العكّاويّة) واسم العائلة بعد الزواج بالعربيّة والإنجليزيّة، هذا يشير إلى الانتماء الأصليّ العكّيّ وإلى الانتماء الحاليّ. هي تريد الاثنين. أمّا الاسم باللاتينيّة فيشير إلى الرغبة بالخروج من المحلّيّة ككاتبة.
  2. صورة أسوار عكّا والبحر والبيوت والسّماء الصّافية.
  3. اِسم الكتاب/ العنوان: العنوان هو عتبة النّصّ/الكتاب أعيشُكِ عكّا: اِهتمّت الكاتبة بوضع الحركات للدّلالة على أهمّيّتها وخاصة الشدّة على “ك ” عكا.

العنوان (Title): تقول عايدة فحماوي (2013): “العنوان للكتاب كالاسم للشّيء. به يُعرف وبفضله يُتداول ويُشار به إليه ويدلّ به عليه” ومن البديهيّ أن يكون أمر اختياره من قبل المؤلّف، وقد يتدخّل بعض المقرّبين المهتمّين بشأن الإبداع ليطرحوا وجهات النّظر فيما يرون من دلالات العنوان. فالمؤًلف غالبًا ما ينظر إلى العنوان بوصفه مجموعة من الدّوال، بحيث ينظر له من ناحية التّركيب والدّلالة على أنّه إحدى العتبات الأولى لمتن النّصّ. لذلك، يحاول المؤلّف أن يعنون إنتاجه باسم له مسحة فنّيّة تبعده عن السّطحيّة بقدر الإمكان سواء من خلال الصّورة الذّهنيّة، أو من خلال متخيّله الذهنيّ، لذلك قد يأخذك العنوان إلى جوانب داخل النّصّ ضمن مجموعة من السّياقات أو بعضها، كالحدث أو الوصف أو التّركيب اللّغويّ أو الدلاليّ فكريًّا أو حياتيًّا، وهذا يعني أنّ العنوان يدخلك في أجواء عديدة في هيكل العمـل وجسده بشكل مباشر أو غير مباشر، لذا يقول رولان بارت ضمن فحماوي وتد، 2013: “العنوان هو نظام دلاليّ سيميولوجيّ، يحمل في طيّاته قيمًا أخلاقية واجتماعية وأيديولوجية “.

ولأنّ العنوان ذو دلالات وعلامات ترمز للنّصّ أو لجزء منه، لهذا يطرح الدّارس على نفسه الكثير من التّساؤلات تجاه العنوان، مثل: هل العنوان مفتاح النّصّ؟  هل هو مأخوذ من المادة النّصّيّة؟ هل جاء صدفة من المؤلّف؟ ما نوع الدّلالات الّتي يحملها العنوان؟ كيف تتمّ عمليّة تأويله؟ ممَّ يتكوّن؟ أهو جملة اسميّة أم فعليّة؟ أهو عنوان بارز على الصّفحـة؟ (طنّوس، 2017)

للتّسمية سمات ودلالات، فالكاتب يختار الأسماء عن قصد، بحيث تشير إلى دلالة معيّنة يوحي بها الاسم بعد أن تتّضح صورته في ذهن المتلقّي.

 

أعيشك عكّا:

أعيشكِ: عبارة عن جملة فعليّة مكوّنة من:

الفعل المضارعُ “أعيشُ”.

الفاعل ضمير مستتر تقديره “أنا”.

كِ: ضمير متّصل مبنيّ على الكسرة في محلّ نصب مفعول به.

الفعل المضارع هو الفعل الذي يدلّ على حدث أو واقعة في الزّمن الحاليّ والمستقبل خلال زمن المتكلّم.

هذا العنوان يدلّ على علاقة الكاتبة بالمكان “عكّا” نقول: “عاش الشّخص، كان ذا حياة، والعيش هي الحياة (لسان العرب والقاموس المحيط). كأنّ الكاتبة تقول لعكّا أنت حياتي. تقول مثلًا:

  • لم أعرف مدى حبّي لمدينتي إلّا بعد خروجي منها للانتقال إلى عش الزّوجيّة في قرية جبليّة. (ص7).
  • أنتظر الخميس ظهرًا…ألملم أغراضي وأهرول إلى بيت ستّي داخل الأسوار. ومن لهفتي أنسى التّزوّد بملابس النوم فأرتدي قميصَ نوم جدتي. (ص 49)
  • للمكان ذكريات تنبضُ…نتأمّل البحر ومع أمواجه تتقاذف آمالنا وأحلامنا الورديّة بين إعجاب وحبٍّ عذريّ. (ص71)
  • في كلّ تنهيدةٍ شوقٌ وحنين، هواك في عروقي يسري، أسيرة روحي بقلاعك (ص 130)

الغلاف الخلفيّ هو تتمّة للغلاف الأماميّ، ويحتوي أيضًا على صورة الكاتبة ومقطوعة وضعتها الكاتبة تظهيرًا للكتاب وتوقيعه ب “أعيشك عكّا” للتّوكيد على علاقة الكاتبة بالمكان “عكّا” وتعلّقها به. يحتوي التّظهير على كلمات مثل: الصّيّادين، زاروب بين أغصان شجرة، تنكة زيت زُرع فيها نعنع وميرميّة، شاطئ، أسوار وبحر، وبهذا التّظهير تلخّص كتابها وتنهيه.

مقدّمة الكتاب:

تؤكّد الكاتبة فيه على انتمائها للمكان وعلاقتها به، وتؤكّد أنّه ليس عبثًا ما قال محمود درويش في “الجداريّة“:

“قد أُضيفُ إلى الحكاية وَصْفَ عكّا

أقدمِ المدنِ الجميلةِ

أَجملِ المدن القديمةِ”

وتتقدّم بالشكر لكلّ من شجّعها وحثّها لإصدار الكتاب، ولمن راجع الكتاب ودقّقه لغويًّا، ولمصمّم الغلاف، وهذه أمور ضروريّة.

 

شعارات (Motto)

الشّعار في الكتب أو المقالات هو قول يظهر في الصّفحة الأولى للكتاب، أو يسبق فصلًا في الكتاب أو في رأس المقال، وهو قول يعبّر عن مبدأ أو فكرة يقصد فيها الكاتب توجيه النّظر إلى المضمون في الكتاب أو الفصل أو المقال.

الشّعار الرّئيسيّ في الكتاب هو: قصّتي أبطالها: سورٌ، بحرٌ وشمسٌ، وهذا الشّعار يعتبر عتبة رئيسيّة لكلّ الكتاب، ونجد بعد هذا الشّعار الرّئيسيّ شعارات أخرى قبل كلّ نصّ (37 شعارًا). يجب أن يكون النّصّ قصيرًا من بعض الكلمات لأنّ الشعار إذا كان طويلًا يفقد من قوّة تأثيره.

الإهداء إلى أفراد العائلة وإلى عشّاق عكّا، ممّا يدلّ على أنّ الكاتبة تريد إبراز التّماسك العائليّ.

المتن: (Main text)

متن الكتاب: الأصل الّذي يُشرح وتضاف إليه الحواشي.

متن اللّغة: أُصولها ومفرداتها وألفاظها (طنّوس، 2014).

تدور مواضيع المتن حول أمور رئيسيّة كلّها حول مدينة عكّا: النّاس، الجماعات (قوميّة، دينيّة، حزبيّة، جماعات أصدقاء وغيرها)، العلاقات بين الأفراد وبين الجماعات على مختلف انتماءاتها، الحوانيت، السّوق، البحر، السّور، الشّمس وغيرها.

يحتوي متن الكتاب على 41 نصًّا لمضامين وحالات واقعيّة: البيت، الخبز وأنواعه، الحيّ، الشّارع، الحانوت، الجيران، العرب واليهود، الأصدقاء، العلاقات بين الجماعات المتغايرة، العادات والأنماط السّلوكيّة المتشابهة والمتغايرة، الأطعمة العكّيّة المميّزة مثل الحمّص والفول والفلافل، القفزة من فوق السّور إلى البحر وأهمّيّتها لأبناء وبنات الشّبيبة، مدرسة تيراسنطة، يوم السّبت خارج الأسوار، الشّارع الغربيّ، الجامع، الانتقال إلى القرية بعد الزّواج (6 نصوص) ونهاية الكتاب بنصّ شعريّ “أعشقك عكّا” لتوكيد العلاقة بينها وبين المكان/ عكّا. هذه النّصوص ال 41 ترتبط فيما بينها بـ 37 شعارًا وكأنّها قلادة تحتوي على 40 لؤلؤة ترتبط فيما بينها بخيط الشّعارات الـ 37 ويربط القلادة النّصّ الأخير “أعشقك عكًا”.

بعض الاقتباسات من الكتاب:

  • نجتمع أنا وصديقتي كريستين الّتي تشبهني بالقوميّة وتختلف بالدّيانة، وأخرى من بنات الحيّ “ياعيل” المختلفة عنّا دينًا وقوميًّة. (ص 27)
  • نمشي…. خطواتنا بين جامع أحمد باشا الجزّار وكنيسة الرّوم، وهنا نصادف الإمام وبعده نصادف الخوري. صديقتي تُلقي التّحيّة على الإمام “مرحبا شيخنا” وأنا ألقي التّحيّة على الخوري “صباح الخير أبونا”. (ص33)
  • فطور جدّي فول من السّوق (ص42)
  • قفزة فوق السُّور: يقف المتسابق على حافة السورِ يعدّ: واحد-اثنان-ثلاثة ويقفز…. (ص 53)

وأخيرًا:

قمنا في هذه المداخلة بدراسة كتاب “أعيشك عكّا” من ناحيتين: النّصوص الموازية/ المرافقة والمتن ووجدنا تناسقًا بين النّاحيتين في الكتاب ممّا يشير إلى جودة الإنتاج، ويجعله متماسكًا مضمونًا وشكلًا. عكّا هي المركز في النّصوص الموازية وفي المتن، كأنّها تتواصل فكريًّا مع راشد حسين إذ يقول:

“يا حلوة البسمات يا عكّا! رويدك يا طهورة!

البحر قبل راحتيك، وجاء يسألك المشورة

فهو الأمير أتاك يخطب ودّ قلبك يا أميرة

رفقًا به وبقلبه! لا تجرحي أبدًا شعوره!” (عكّا والبحر”.  من كتاب “مع الفجر” 1957)

ومع سميح القاسم إذ يقول:

“ملَّت شباكُ الصّيد الانتظار

يا حارس الفنار

والقارب المهجور

غطّت رمالُ الشطِّ دفّته

وجنبهُ المكسور

وكاد أن يورق-

مجذافُهُ المطمور!

يا حارس الفنار

أنقذ حبال الجار

من قسوة الأمواج والأمطار

تهرّأتْ يا صاحبي… تهرّأتْ

والجار

غدًا يعود ضاحكًا…

للصّيد والفنار!!

(قصيدة “إلى حارس فنار عكّا” من كتاب “دمعي على كفّي” 1967)

 

المصادر

بنكراد، سعيد. (1994). مدخل إلى السّيميائيّات السّرديّة. مراكش: تنمل للطّباعة والنّشر.

الحجمريّ، عبد الفتّاح. (1996) . عتبات النّصّ. الدّار البيضاء: منشورات الرّابطة.

العدوانيّ، معجب. (2002).  تشكيل المكان وظلال العتبات. جدّة: النّادي الأدبيّ الثّقافيّ.

طنّوس، نبيل. (2014). “أوركسترا السُّكون”/كمال إبراهيم، دراسة النّصّ الموازي والمتن. الاتّحاد، الملحق الأدبيّ، 10.10.2014، ص 15-14، حيفا.

طنّوس نبيل. (2017). سيميائيّة القصيدة في شعر فؤاد عزّام. مجلّة شذى الكرمل، من إصدار اتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين، العدد الثّالث/السّنة الثّالثة، أيلول 2017، حيفا، ص 76-86.

فحماوي وتد، عايدة. (2013). في حضرة غيابه، تحوّلات “قصيدة الهويّة” في شعر محمود درويش. مجمع القاسميّ للّغة العربيّة، أكاديميّة القاسميّ ومكتبة كلّ شيء، حيفا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*