متنفَّس عبرَ القضبان (67) حسن عبادي/ حيفا

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

عقّب الشاعر المغترب سامي البيتجالي: ” الأدب في حاجة ملحة إلى النقد القاسي وليس أصدق وأكثر موضوعية من الاسرى في تقييم ونقد الادب خارج القضبان. تحية إكبار وحرية لأسرانا في كل مكان”.

وعقّب نضال الخطيب (مجنون الطنطورة): ” ما أجمل روحك صديقي حسن الشاطر. الكتابات الادبية من الأسرى التي تمطر علينا من السماء مثل القمح من أعلى الى التراب. سيأتي بنا بغلال تكفينا لألاف السنين لتقول لنا من نحن فلاحي كنعان. حيت يتحرر الكلام ويقبض علبه (ويفيض) ليكون فيلم أو مسرحية أو رواية. تقول لنا من نحن.. طوبى للجنون”.

وعقّبت الكاتبة عائشة عودة: “مما كتبه الرائع احمد العارضة في كتاب؛ الكتابة على ضوء شمعة، يؤشر على مخزون هائل من الابداع والعمق. دامت همته التي تحرك الجبال.”.

 

حنظليّ متّقد

وصلتُ صباح الإثنين 24 تشرين أول 2022 سجن ريمون الصحراوي، يرافقني الصديق مصطفى نفاع، والتقيت حال وصولي بالأسير منذر خلف أحمد مفلح ترافقه ابتسامة سرمديّة أنستني مشقّة سفر أربع ساعات ونصف.

كان اللقاء حميميًّا كالعادة، سألني بدايةً عن صحة زوجتي سميرة وحفيدتي ليم وأوضاع البلد، وحدّثني بلهفة عن مركز حنظلة للأسرى والمحررين وآخر المستجدّات.

تحدّث عن برنامجه “الأدبي”؛ السجن في الحيز الاستعماري (بحث برفقة زميله وائل الجاغوب)، وجغرفة السجن والسجّان في الحيّز الفلسطيني… ومناصب الصيد.

أسرانا الكتّاب يفضّلون النقد القاسي، فمهما كان هو أقلّ قسوة من عذاب السجن القاسي، وبالنقد بإمكانهم التعلّم والنهوض بأدبهم وكتاباتهم للعالميّة، ينتظرون النقد الحقيقي والجريء والتوجيه، بعيدًا عن الطبطبة والأسطرة.

حدّثني عن الصديقة عائشة عودة؛ أم أدب الحركة الأسيرة، على حدّ قوله، ومنارة الأسرى.

وجّه رسالة حارقة للساحة الأدبيّة؛ “إنتوا بتسكروا والأسرى بخمّروا بميّة البحر، لا هي بتتخمّر ولا إحنا رايحين نسكر”.

والله صعبة يا شيبون!

سنلتقي حتمًا في حيفا المشتهاة… قريبًا.

“نظرة شموليّة ثاقبة”

بعيد لقائي بمنذر في غرفة المحامين، أطلّ الأسير أحمد سعدات عبد الرسول.

بعد تبادل التحايا، من وإلى، تناولنا المشهد الثقافي بما يتعلّق بأدب السجون، فهو مطّلع على ما يدور في الساحة الثقافيّة، وأسمعني كلمات دافئة حول المبادرة، الحراك حول كتاب “الكتابة على ضوء شمعة”، دور دار الفارابي اللبنانيّة، وضرورة وجود فريق عمل يواكب كتابات وإصدارات كتب الأسرى، مراجعة (ليس فقط لغويّة)، تحرير وتنقيح لتخرج بأحلى حلّة، والحاجة لحاضنة واسعة.

حدّثني عن ولادة رواية “العاصي” للأسير سائد سلامة، وأخبرته بدوري عن عرس الإطلاق في بتّير واحتضان العائلة له.

تحدّثنا عن صلاح أبو لاوي وأشعاره، وسماهر وصلاح، واللحمة مع الأهل في الشتات.

تناولنا المشهد السياسي المحلّي وانتخابات البرلمان الصهيوني والمناكفات الحزبية (بغنى عنها) ومحاولات العبث بعرب الداخل الفلسطيني وثمنه العالي، وأهميّة الهبّة الشعبيّة السياسيّة في الكلّ الفلسطيني، فقطعنا مرحلة محاولات التدجين البائسة ونقطة اللا عودة.

تحدّثنا عن ضرورة أنسنة الأسير الفلسطيني، ليمر الوقت مهرولاً بانتظار العارضة.

“خلل”

حين أنهيت لقائي بمنذر وأحمد سعدات أطلّ الصديق الأسير أحمد تيسير خليل العارضة بابتسامته الخجولة عبر ممرّ سجن ريمون الصحراويّ المقيت، ليحدّثني بداية عن زيارة منذر له واللمّة الصباحيّة مع نادر ورائد الشافعي والأصدقاء.

شاركني الفرحة بصدور “الكتابة على ضوء شمعة” ومتابعته وزملاء الأسر جولاته في الأردن وشتّى أرجاء الوطن وينتظر بشغف نسخته في الزيارة القادمة، فله في هذا المنجز نصيب.

تناولنا صدور ديوانه “خلل طفيف في السفرجل” عن دار الفارابي اللبنانيّة ولقائي به في معرض الكتاب الدولي في عمان وندوات إطلاق قريبة في الداخل الفلسطيني وحلمه أن تكون إحداها في يافا الحبيبة.

تناولنا مشروعه الشعريّ ووعدته بإيصال بعض أشعاره للأصدقاء صلاح أبو لاوي وكمال خليل لتسجيلها وتلحينها (هاي مقدور عليها) وكذلك للفنّانة لارا عليان.

أحمد يواكب كتابات زملاء الأسر، وينتظر بفارغ الصبر حفل إطلاق كتاب “رنين القيد” لزميل الأسر عنان الشلبي في مخيم عسكر، كيف لا وهو عرّابه!

لكم أعزاءي منذر وأحمد وأحمد كل التحايا، والحريّة القريبة لكُم ولجميع أسرى الحريّة.

حيفا/ تشرين أول 2022

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*