يجمع هذا الكتاب، أربعة وخمسين قراءة نقدية حول كتب مختلفة، نشرها الأديب الوطني الملتزم، والفنان المبدع زياد جيوسي في السنوات الماضية، بالإضافة إلى مقالة حول(المرأة في الرواية العربية) ، ويتضح من مضامين هذه القراءات وما اشتملت عليه من آراء نقدية متميزة، موهبة الناقد وخبرته وتجربته النقدية الطويلة، وسعة مطالعاته وقدرته على الغوص في أعماق النصوص المنقودة وتحليلها وتقييمها وتقويمها.
ومثلما يوجد في الصحة “طبيب عام”، فإن أ.الجيوسي في النقد(ناقد عام)، فهو ينقد كتبا في مختلف الأجناس الأدبية، ولي أن أزعم: أن هذا الكتاب، لكثرة ما فيه من نقد لكتب أديبات عربيات، أن مؤلفه(ناقد نسونجي)، وقد سبقه إلى هذا اللقب بجدارة أ.نزيه أبو نضال في كتابه(تمرّد الأنثى).
يرى أ.زياد الجيوسي أن كل الكتب بحاجة إلى نقد، لأنها من إبداع البشر، ويقول عند أ.فدوى جريس(كل عمل إنساني ليس كتابا مقدسا)، ويرى أن قراءة الكتاب، هي التي تحدد المواقف النقدية التي سيكتبها الناقد، يقول عند أ.عز الدين الجوهري: (وخلال تجوالنا في الديوان نلمس…)، ويرى لدى توقفه عند أ.محمد خضير، أن بعض الكتب تفرض على قارئها إما نقدها (ومنها كتاب خضير رجع الكلام)، أو وضعها على رفوف المكتبات.
كان أ.الجيوسي يبدأ مقالاته النقدية، بالحديث عن العتبات النصية للكتاب، من العنوان، إلى الغلاف، وحتى الإهداء، فيقول عند أ.عاطف القيسي: (اعتدت في قراءتي للآداب أن أركز على الإهداء لأنه يحمل بعض ملامح الكاتب).
أحيانا يغلق أ.الجيوسي باب النقد عند حد معين، ولا يستمر فيه، يقول مثلا عند أ.عبد الله المكسور: (لن أدخل في تفاصيل ما يرويه بطل الرواية)، ويضيف في موقع آخر: (لست بصدد الإشارة لكل ما تناولته جمرات القاص شوقي يونس فهذا يحتاج إلى مساحة كبيرة من الكتاب).
ويعترف أ.الجيوسي أن العلاقة بين الناقد والمبدع تفرض ظلالها على الكتابة النقدية، فيقول: (لن أتحدث عن الكاتبة دعاء الزعبي ولا عن كتابها فشهادتي ستبقى مجروحة لصلة القرابة التي تربطنا)، وأحيانا يطرح أسئلة حول الآراء النقدية التي يتوقع الوصول إليها قبل قراءة الكتاب، يقول عند أ.ميرنا حتقوة:(هل سيكون الكتاب بحلاوة السكر كما هو العنوان، أم سيكون حافلا بمشاعر أخرى)، وأحيانا يطرح أسئلته المشروعة بعد الانتهاء من مطالعة رواية أ.ميسون الأسدي (هل كانت القصة كلها بعضا من جنون امرأة لا غير؟)، ويسأل: (بماذا يمكن تصنيف كتاب فراس حاج محمد الممتلئ بالحروف المجنونة؟).
ومن قراءاته النقدية، يتضح المكان الذي يقرأ وينقد فيه، وآلية الكتابة، فيقول عندأ.سليم صابر(كنت في طريقي إلى رام الله أحتضن الرواية بين يدي وأقرأ وأسجل الملاحظات طوال الطريق)، وتتضح أيضا نظرته العميقة في النصوص، ودور الكتب التي ينقدها في إلهامه النقدي، وتنمية علمه ومعرفته، وتوسيع افقه النقدي، فيقول: (إن من يقرأ ثريا وقاص عليه أن لا يقرأ الشذرات كما هي مرسومة بالكلمات، بل أن يقرأ الروح خلف الكلمات)، بينما يقول في قراءة أخرى: (إن التجوال في نصوص هشام خاطر يتطلب من القارئ التركيز في ثنايا النصوص وطياتها)، ويضيف: (من يقرأ لفراس حاج محمد عليه أن يقفز عما تقرأ عيناه وينحّي فراس جانبا كي يخترق مسافات الحكايات الأخرى)، وعند ديوان د.هناء البواب يقول: (أعتقد انه بحاجة لأكثر من قراءة تتناول كافة جوانبه)، وعن أ.جليلة الجشي يقول إنها: (أعطت المساحة للقارئ الناقد ليتعامل مع النصوص بروحها وليس بالأدوات النقدية الجامدة).
وأحيانا يشعر الجيوسي قراءه أن مبدعي الكتب التي يتناولها، تركوا أمر استجلاء ما ورائيات نصوصهم لقرائهم، فــ (رائدة شلالفة تترك المجال للقارئ لأن تجول روحه قبل عينيه في أروقة النص)، ويتضح أيضا في كل مقالة نقدية كتبها أ.زياد الجيوسي عدد المرات التي قرأ فيها الكتاب، يقول عند أ.غصون رحال: (حين قرأت الرواية القراءة الأولى)، وعن جودة بلغيث يقول: (ورغم أني قرأت الديوان منذ عدة أعوام، إلا أنني عدت إليه أكثر من مرة للقراءة، وفي كل مرة أشعر أني أقرؤه لأول مرة)، ويضيف: (رغم اطلاعي على الأعمال الكاملة لفايز محمود سابقا، إلا أنني وجدت نفسي أقف بدهشة الإنسان البدائي حين اكتشف النار أول مرة).
كانت تأخذه الحالة، ويندغم في نصوصه المنقودة، ويدفعه الانسجام معها، لعدم التوقف عن الكتابة، فتمر عدة صفحات دونما فقرات تفصل بين أسطر الصفحة(تفاحة سابا، الصفحتان192-193مثلا).
انشغل أ.الجيوسي كثيرا بتجنيس بعض الأعمال التي نقدها، فرأى أن نصوص أ.جليلة الجشي عابرة للتجنيس، وأن أشعار أميمة يوسف ورفعة يونس تصنف ضمن النثيرة المعاصرة، وأن أ.رفعة يونس مبدعة في مجال القصة الشعرية، بينما أ.سميح محسن مبدع في مجال الرواية الشعرية.
وكثيرا ما أشار إلى أهمية الكتاب الأول وما يتطلبه من مبدعه، تم ذلك عند حديثه عن الرواية الأولى لـ أ.تفاحة بطارسة، وعند أ.فاديا الحريرات قال: (المولود الأول من مسيرة الكتابة والتأليف يحتاج إلى اهتمام كبير فهو الأساس الذي يتم البناء عليه).
أحيانا لا يتفق أ.الجيوسي مع الأدباء الذين ينقد كتبهم في آرائهم ومواقفهم الوطنية والفكرية، فيقول عند أ.محمد سعيد: (قد يختلف القارئ حسب توجهاته وأفكاره مع الكثير من أفكار الكاتب، لكنه بالتأكيد لا يمتلك إلا أن يحترم الفكرة والأسلوب، ويقف باحترام أمام قدرات الكاتب وموهبته) وعند أ.سليم دبور قال: (أترك الخاتمة للقارئ ليقدّر صواب رأي الكاتب أم لا)، وأضاف عند أ.عبد الله المكسور: (إن من واجب المبدع أن لا يقف صامتا أمام مأساة يعيشها شعبه).
وتتبدى ثقافة الناقد الموسوعية عندما يتحدث في الأبعاد الميثولوجية والأسطورية للنصوص المنقودة (تفاحة بطارسة وغصون رحال مثلا)، وثمة حديث عن أسطورة أفروديت في شعر أحمد ايوب، كما تبدو ثقافته الموسوعية عندما يجري مقارنة بين الأدب العربي وغيره من الآداب الأجنبية، فيقول عن رواية ميسون الأسدي (إنها قريبة من الأدب الروسي)، وعندما كان يربط بين الهم الوطني المشترك بين اسماء أبو عياش ووالدها عبد الغني ناصر، وبين غيرها من المبدعين والمبدعات(شهلا الكيالي، تمام الأكحل، مثال القمبرجي، الفرد طوباسي، أنور السقا، سامي أبوعجوة)، وعندما كان يقتبس آراء نقاد وشعراء غيره حول ما كتب وكتب غيره من المبدعين، فعند أ.عامر طهبوب يقتبس قولا لـ أ. موسى حوامدة، وأيضا للجيوسي أحكام عامة، فيقول عن أ.ردينة آسيا (إنها شاعرة في مرحلة كثرة الشعر وقلة الشعراء)، وعن أ.رشا سلامة يقول (إنها من القلة الذين علقوا الجرس وبدأوا الدق على جدران الخزان)، وعند أ.رفعة يونس يقول : (إن الأحلام في النصوص الشعرية ليست مجرد خيال كاتب أو غيّ شاعر، بل هي أفكار)، وعند أ.محمد رمضان الجبور يقول: (كم واحد منا شخـّـص مشكلات المجتمع العربي وأحالها إلى نصوص أدبية تدفع إلى التغيير)، وعند أ.نضال الألفي قال: هذه القصة يجب أن توزع على المدارس ليعرف الطلبة بعضا من حكايات الآباء والأجداد، ولقد أكثر من الحديث عن انثيال الذاكرة، ولكنه قال عند مسرحية أ.عواد علي : (إن فيها إسقاط للتاريخ البعيد والقريب على الواقع المعاصر).
وعدا عن تمكنه من اللغة العربية وبلاغتها وعروضها، فإنه أبدى معرفة بعلم الصرف حين قال عن عنوان كتاب أميمة يوسف (ابتهال)، إن هذه الكلمة على وزن(افتعال)، وفي الوقت الذي تحدث فيه عن استخدام أ.عامر طهبوب للهجة الخليلية، ولاستخدام أ.عبد الرحمن منيف اللهجة العراقية، فإنه رفض استخدام أحد أساتذة الجامعات المصطلحات الأجنبية والعبارات المكتوبة باللغة الإنجليزية، كما كان جريئا وهو يذكر لكل كاتب أخطاءه النحوية والمطبعية.
كانت بعض الكتب التي ينقدها أ.الجيوسي تثير شجونه، وتجعله مجبرا على التحدث عن نفسه، فيقول (شدتني رواية أ.هاشم غرايبة، لأنني وجدت نفسي فيها)، وعند الرواية نفسها يتحدث عن ردود الفعل إزاء رسمه لوحة زيتية، وعند أ.اسماء أبوعياش يتحدث عن وصية جده له، ويقفز في أثناء نقده لرواية ميسون الأسدي ليستذكر سبعينات القرن الماضي عندما كان يسكن وأهله عند أطراف حي الأرمن قرب الأشرفية في عمان، وأحيانا يغادر الدراسة النقدية ليتحدث عن اهتمامات المبدعين الأخرى، ففي أثناء نقده لرواية أ.قمر عبد الرحمن، نجده يغادر النقد مؤقتا ليتحدث عن برنامجها الإذاعي”وتر النصر” .
ومن أجمل الملاحظات النقدية في هذا الكتاب قول مؤلفه: (رغم توجه الكثير من الكتاب للشعر النثري بشكل كبير حيث رأينا شعراء كثر وقلة في الشعر، وبعدها اتجه معظمهم للرواية بحيث لم نعد نستطيع متابعة هذا النهر الجارف من الأعمال الروائية التي تتفاوت بمستوياتها وقدرات من يكتبون عنها، ورغم ابتعاد الكثير من الكتاب عن فن القصة.. بحيث ظن كثيرون أن فن القصة مات.. إلا أن فن القصة ما زال متألقا ويلعب دوره وله قراءه ومتابعيه).
أ.زياد الجيوسي صاحب طاقة نقدية ووطنية غير عادية، وقارئ وكاتب من طراز رفيع، غزير النشر، مهتم بأدق التفاصيل، يعتمد المنهج التكاملي في النقد في معظم كتاباته.