قراءة في كتاب: “الجيد السيئ الأسوأ” لزياد شليوط.  – محمد علي سعيد

 

 

قبل القراءة:                                                                                                                    يوم أهداني صديقي الكاتب الصحفي: زياد شليوط، كتابه هذا، لفتت انتباهي عدة ملاحظات وذلك قبل أن أقرأه، ومنها: الحجم والعنوان والتظهير:                                                                                          – الحجم: صغير (تذكرنا بحجم كتب الجيب، وكان الهدف أن ترافق القارئ وهي مستقرة في جيبه، وقد يكون قد خطر هذا الخاطر في خاطر الكاتب: زياد)، يقع الكتاب الصادر عام 2020، والواقع في 84 صفحة.

– العنوان: وكل عنوان يتكوّن من عنوانين وهما: الكلامي والفني.                                                      العنوان الكلامي هو “الجيد السيئ الأسوأ”: وهو مستمد من فلسفة أو عقيدة التثليث القديمة، وهو مصطلح قديم يصح في كل شيء مادي أومعنوي، تقريبا، ففي الطبيعة: مرتفع ومنخفض ومستو، ونواة الاسرة: أب وأم وابن، وفي الصحة: سمين وهزيل ووسط، وفي التربية: التلميذ والمعلم والأهل، وفي الكتابة: حرف ومقطع وكلمة، كلمة وفقرة وموضوع، وفي الديانة المسيحية هو عقيدة: الآب والابن والروح القدس، وفي الديانة الإسلامية موجود ولكنه ليس عقيدة: الدال والدليل والمستدل به.                                                                                                       لاحظ أن همزة أل التعريف جاءت مشتركة للكلمات الثلاث، مما يدل على مجال واحد يجمعهما، وللدقة في الترقيم حبذا لو وضع ثلاث نقاط بدلا من نقطتين. وفي أسفل العنوان وضع تعريفا لجنس ما كتبه وهو مقالات.

– العنوان الفني: غاية في البساطة وفي عمق الدلالة، ثلاثة ألوان كما العنوان الكلامي، الأصفر والبني والأحمر، وكأن كل لون مع مساحته مرتبط بصفة من كلمات العنوان:                                                               الجيد هو الأصفر ويرمز الى نسبة الخير والصفات الحميدة في مجتمعنا،                                                   والبني هو نسبة الداعمين للشر وللعنف بالصمت وبسوء تربيتهم لأبنائهم وشعارهم “حايد عن ظهري بسيطة، وفخار يكسّر بعضه، وابعد عن الشر وغني له، و…”.                                                                                                             والأحمر هو الأسوأ، ويدل على نسبة الأشرار الفاعلين توجيها من وراء الكواليس والمنفذين عملا (الجنود) في مجتمعنا، وهي نسبة قليلة ولكنها الأبرز، تماما كحبة بندورة فاسدة في صندوق بندورة حباته سليمة، ولكن رائحة الحبة الفاسدة تسيئ الى كل الحبات، وتماما كما في المجتمع، بعض الزعران في عائلة ما تشوه سمعة العائلة الطيبة، ويكون التعميم الظالم ويذهب الصالح بين رِجلي الطالح.

زياد شليوط كاتب متواضع بدليل أنه كتب اسمه بخط صغير في أعلى الصفحة، وحبذا لو أثبته في الأسفل، وفي التظهير أثبت صورته بحجم صغير (شخصيا، أحبّذ أن يثبت الكاتب صورته من باب التعارف) واكتفي بذكر أسماء مؤلفاته، ولم يكتب عن مسيرته الأدبية والتربوية وما أشغله من مناصب، كما وقدم كتابه بنفسه، وكان بإمكانه أن يطلب من غيره كتابة التقديم، ووقع باسمه الشخصي وليس الثنائي أو الثلاثي وبدون تعريف.              وهو كاتب متفائل، بدليل مساحة الجيد (اللون الأصفر) تزيد عن مساحة السيئ والأسواء بضعفين وأكثر

 

بعد قراءة الكتاب:                                                                                                                قرأت الكتاب في جلسة واحدة، دلالة استمتاعي به ورغبتي في ملاحقة ما يستفزني في مضامينه التي تكاد تمثلني في أكثرها.

حافظ الكاتب عنوان واحد لجميع نصوصه رغم اختلاف مضامينها وأهدافها، وكذلك حافظ على مبنى واحد لجميع النصوص، يتكون من ثلاث فقرات تحمل كل فقرة الاسم الجامع للكتاب وللنصوص (الجيد والسيئ والأسوأ).

حاولت أن أحدد جنس نصوص الكتاب من خلال مبنى النص؛ لأنه الأكثر تحديدا لجنس النص (بدليل أن الكاتب يستطيع أن يعالج فكرة مضمون ما، فيكتبها: رواية أو قصة أو مسرحية أو مقالة أو…). حرت في أمري، فهي ليست قصة لانعدام درامية الحدث، وهي ليست مسرحية لانعدام الحوار، وعليه فهي مقالة (لأن الكاتب صرح بجنسها)، ولأنها تغطي مركبات/ أركانها: نص نثري يعالج فكرة واحدة بلغة ليست انزياحية بل بمفردات مألوفة وبأسلوب قريب من فهم القارئ الاعتيادي، ويعكس رأي وموقف الكاتب ومن يوافقه.  ومبنى المقالة التقليدي: مقدمة لماذا وما الداعي؟ فموضوع فبراهين توافق أو ترفض الفكرة، وأحيانا يتغير ترتيب الصدارة.

ولكن المبنى الواحد لجميع النصوص لم يشبه المبنى التقليدي للمقالة، بل بعيدا ومختلفا عنه، جاء جديدا جاء مبتكرا من اجتهاد الكاتب، وانسحب هذا المبنى (وهو للتذكير: الجيد والسيئ والأسوأ) باستثناء ستة نصوص (وهي ص: 15، 26، 35، 50، 78، 81) وحبذا لو لم يضف هذا البند.                                                يستحق كاتبنا على هذا تسجيل براءة، (كما هو الأمر في تسجيل براءة الاختراع والابتكار). فكل التقدير للكاتب على هذا التفكير الإبداعي والذي جاء من خارج الصندوق.

يصرح الكاتب في المقدمة التي كتبها بنفسه لنفسه، فيكتب: ” لأن الأحداث متسارعة ومتعددة ومتكاثرة، ولأن مقالا واحدا في الأسبوع لم يعد يفي بالغرض، ولأن الناس لم تعد تقرأ المقالات التحليلية الطويلة، ولأن الوقت بات في سرعة قصوى؛ ولدت هذه المقالات في كلمات….”.                                                             لقد صدق الكاتب ولاءم فكره لظاهرة السرعة المتسارعة التي يعيشها العالم، ناهيك عن رغبته في وصول رسالته بسرعة الى جمهورها المستهدف، وحسنا فعل، بالإضافة الى ردود فعل إيجابية جدا وداعمة لفكرته هذه والتي بدأ ينشرها في الصحافة (ولعلي كنت من أول الداعمين بحكم العلاقة المتواصلة بيننا)، فلم يتجاوز فضاء كل نص فضاء صفحته البيضاء بل كثيرا ما جاء أقل مساحة منها.

أن الكاتب الصحفي خاصة، يحمل أمانة في صدره تتلخص في إصلاح مجتمعه، ولأنه يهمه أن تصل الأمانة مباشرة وبدون ضبابية الى عنوانها (وهو المجتمع) يلجأ الى كتابة المقالة، ولهذا كتب الصحفي زياد مقالاته مختصرة. ومضامين مقالات الكتاب المرسلة الى المجتمع هي في الأصل مستمدة من المجتمع نفسه (من المجتمع والى المجتمع).

كاتبنا لا يعيش في برج عاجي، بل يعيش بين ظهراني شعبه ويتفاعل معه ويفرح لأفراحهم ويحزن لأحزانهم ويغضب لغضبهم، ولكنه عندما يجلس مع نفسه وليس وحيدا، يتأمل بتمهل وتبصر سلوك مجتمعه من عادات وتقاليد ومواقف اجتماعية وسياسية ودينية، يشعر بالحزن الشديد ويكاد يعلن البراءة منه، ولكنه الانتماء الصادق لمجتمعه وعمله بالمقولة ” لا تسأل عمّا قدمه مجتمعك لك، بل عمّا قدمته أنت لمجتمعك”. يمتشق قلمه ويتسلح بالتفاؤل ويكتب مقالاته وينشرها، لعلّ وعسى.

وتكاثرت أمامه السلبيات التي وصل اليها مجتمعه، هذه السلبيات الصادرة من نسبة قليلة في مجتمعنا ولكنها عالية الضجة وكأنها الجو السائد فيه، ناهيك عن دعم غير مباشر لهذا الجو الذي تقوم به وسائل الاعلام المحلية المرئية والمكتوبة وكذلك وسائل الاتصال الشنكبوتي.

يرى الكاتب بعينه الثاقبة سلوكا لا يرضيه ولا يخدم مصلحة المجتمع بسبب المبالغة مثلا (حفلات التخرج من المرحلة التعليمية، الأعراس والأفراح، الحزن والاتراح، النفاق السياسي، النفاق الاجتماعي، الذبذبة في المواقف، الفهم السيئ للديمقراطية، تفضيل مصلحة الأنا على النحن، الفرق الشاسع بين بلاغة الأقوال وفساد الأعمال، العزوف عن القراءة، المناكفات بين الأحزاب والأدباء، عدم الاعتماد على النفس بالعمل ويريدون نقودا سهلا، الانتخابات، أدب الأطفال، حرية المرأة، مواقع اللافتات التجارية، السلطات المحلية، السرعة في مباشرة العنف، انعدام الاحترام بين الأجيال، المجاملة حد النفاق في تعليقات الفيسبوكية، وغيرها…)

يعالج كاتبنا هذه المواضيع وأكثر بلغة مألوفة المفردات ومباشرة في دلالتها (وليست لغة أدبية انزياحية) وأسلوب مبَسّط، يقدم بهما النصيحة النصوحة والموعظة المفيدة والتوجيه الرشيد، وذلك انطلاقا من تفكيره العميق وانتمائه الوطني الصادق وتجربته الحياتية الواعية.

مبارك هذا الإنجاز الممتع والمفيد، لقد نجحت أن تقدم للمكتبة العربية كتابا يستحق القراءة، وخاصة في هذا الزمن الأدبي الرديء حيث يكثر الاسهال الأدبي في الإصدارات والنفاق التهريجي في الأمسيات وتوزيع الشهادات العليا من المنتديات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*