قراءة في رواية حارس الفنار لنافذ الرفاعي – حسن عبادي

ما العمل؟

 

جاءت الرواية التاريخيّة لتُعبّر عن واقع تاريخيّ في خيال الروائي ليتّخذ من أحداث الماضي رافعة لإيصال رسالته بنصّ أدبيّ بعيدًا عن سرد الوقائع التاريخيّة التي تبقى مرجعيّته ويسرح بخياله ليبني عالمًا روائيًا آخر بعيدًا عن جفاف التاريخ.

 

قرأت رواية “حارس الفنار” للروائي نافذ الرفاعي (214 صفحة، مراجعة وتدقيق لغوي: الكاتبة نزهة أبو غوش، تصميم: شربل إلياس، إصدار: مكتبة كل شيء الحيفاويّة لصاحبها صالح عباسي، صدر له: قيثارة الرمل، امرأة عائدة من الموت، الخنفشاوي، الأم اللاجيوس- حكاية فاطمة) للمرّة الثانية حين بعثت لي الصديقة ديمة السمان دعوة لندوة مقدسيّة لمناقشة الرواية فجاءت القراءة مغايرة.

 

نجح الكاتب بتوظيف التاريخ والجغرافيا وخارطة الوطن في توليفة جميلة، سلسة وجذّابة، رغم أنّها ليست برواية تاريخيّة أبدًا.

 

تناول الكاتب زمن البراءة، أيام الزمن الجميل للثورة قبل السطو عليها وتدجينها من قِبل “الأنجزة”، فصارت ال  NGO`S سيدة الموقف، حوّلت الثائر حامل البندقيّة إلى حارس مول، وتناول الوهم الأوسلويّ ومهزلته وموبقاته، حين تحوّلت الثورة من مشروع تحرّر وطني إلى مشروع نهب نفعيّ، ولمست ذلك حين التقيت أسرى الزمن الجميل ممن تواصلت معهم خلف القضبان وبعد التحرّر قال لي أحدهم بحسرة، بعد عدّة لقاءات في الأسر، “سقى الله أيام أنصار ونفحة، وما أصعب تحطّم الحلم!”.

 

فاجأني أسلوب الكاتب بإسترجاعاته وخلط الأوراق من جديد، وفي بداية بعض الفصول تساءلت “خربطنا نبلّش؟” ممّا يحفّز على التركيز، وكأني أشاهد فيلما سينمائيا هوليووديا وليس هنديا أو تركيا، حيث الحبكة جميلة، وتزداد جمالًا حين تفكيكها.

 

راق لي حضور الكلّ الفلسطيني عبر صفحات الرواية، بتقاليده وعاداته ولغته المحكيّة (جاءت موفّقة). جاءت الرواية شموليّة أفقيّة، ثلاثيّة الأبعاد، وليست عاموديّة بمسار واحد (إن صحّ التعبير)، تدّل على دراية صاحبها بالتاريخ، بالزمان والمكان، وقراءة المشهد بصورة متّقدة.

 

تناول المد الثوري لطلاب الجامعة، كشكول متنوّع وحماس الشباب وثوريّته النضاليّة وتحطّم حلمهم. فالمحتل حاضر يستعمل كلّ الأساليب لإسقاط ا0لشباب واختراق الثورة والمقاومة بأبخس الأثمان، ونجح في ذلك لأبعد الحدود، ويزيد الطين بلّة اختراقه لعالم الأسر، وليس عصافيره فقط، بل أبناء العائلة الواحدة، يتذكّر الثوري لينين وكتابه الشهير “ما العمل؟” لتصير الخيانة، على أنواعها، وجهة نظر. تناولها الكاتب بجرأة يُحسد عليها، كما وجدتها عند أسرى يكتبون؛ حسام شاهين في “زغرودة الفنجان”، هيثم جابر في “الشهيدة”، معتز الهيموني في “سراج عشق خالد”، عمار الزبن في “ملائكة على بوابة جهنم” (مخطوطة تحت الطباعة) وغيرها.

 

تناول الكاتب حالة الأسر والأسرى بحرفيّة في بلد المليون أسير، حالة الأسير بعد الإفراج عنه دون تأهيل أو غيره، احتفالات ومهرجانات وفزعات عرب موسميّة ساعة التحرّر وبعدها الإهمال والإقصاء في غالبيّة الأحيان، مُراقَب من أجهزة أمن العدو بين تهديد ووعيد، والأهل يبتعدون عنه خوفًا من العدو فيصير عبئًا على العائلة وأهل البلد بعد أن كان بطلًا أسطوريًا في الأسر، ويتحوّل التحرّر من منحة إلى محنة، وتناول وظاهرة التخوين بسبب أو دون سبب، ع الطالع والنازل.

الشتات والمنافي حاضرة في الرواية، وتفريق الأحبّة وأبناء العائلة الواحدة، فالنكبة، والنكسة من بعدها، بترت الكثير من العائلات، فالأب/الابن من منفى لآخر، من الكويت إلى لندن ليموت مغتربًا، البنت الأخت في الضفة الغربيّة وأختها في صقيع السويد، الأم في الكويت ولبنان، والقاء عبر الرسائل والصليب الأحمر.

 

تفرّق أبطال الكتيبة الطلابيّة، كغيرهم، عبر المنافي والشتات وهذه حال شعبنا فيصير ساعي البريد (قبل عهد الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي) الصديق الصدوق.

 

جاءت النهاية مشرقة؛ مظاهرات ضد العولمة، الحركة الكونيّة المناهضة للظلم وحركة المقاطعة للاحتلال. هل من هناك سيأتي الفرج؟

 

أسلوب الرواية حداثيّ بامتياز، تتشابك الأدوار والشخصيّات، وجاء ترتيب الأدوار وتشغيلها كأنّها ماريونيتات في مسرح دمى، وكأنّي بالكاتب يتناول قصّة أناس حقيقيّين يعرفهم عزّ المعرفة ويوثّق ما مرّوا به.

 

حبذّا لو حاول الكاتب التبئير وتسليط الضوء على مواضيع أقلّ ليعطي كلّ منها حقّه ونصيبه.

 

يبقى سؤال لينين عالقًا: “ما العمل؟”،

 

ويبقى نهج أطفال الحجارة هو البوصلة نحو التحرير.

 

***مداخلتي في ندوة مناقشة الرواية يوم الخميس 22.09.2022 في ندوة اليوم السابع المقدسيّة بالتعاون مع نادي الموظفين بالقدس

.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*