مداخلة الكاتب حسن عبادي في ندوة “أكثر من قراءة”-عمان في رواية كي لا تبقى وحيدًا لحسن حميد

 

إذا كان لديك ماض لا يرضيك انسه الآن… لقد مضى… وتخيّل قصة جديدة. غيّر حياتك وآمن بها (باولو كويلوا)

وها هو الكاتب حسن حميد في روايته “كي لا تبقى وحيدًا” يروي قصة الحرب والحياة في سوريا المكلومة؛ على أمل تغيير حيوات أبطاله.

عنوان الرواية يوحي إلى الماضي، فذاكرة الإنسان تحمل الكثير وما فيها من أهل وأصدقاء وأحبّة ووطن وفقد وغربة وتهجير وأخريات، وعبر الماضي تتطرق الرواية إلى الحرب المقيتة على سوريا، وكأنّها قدر، حيث أن القدر كما قال (راندي بوش) “القدر من يوزع الأوراق، لكن نحن من يلعبها”.

حين بعث لي الصديق وائل النابلسي الرواية وقرأتها للمرّة الأولى جاءتني مقولة شهيد الكلمة – الروائي الجزائري التقدمي الطاهر جاووت الذي اغتيل بالرصاص عام 1993 إثر كتابته مقالة بعنوان “العائلة التي تتقدم، العائلة التي تتأخر” – “إذا تكلمت تموت وإذا سكت تموت، إذن تكلّم ومُت.”

وها هم أبطال الرواية أناس عاديون، يكتبون الحرب بحروف الإنسانيّة، يكتبون ويموتون، فلكلّ من أبطالها قصّة وحكاية، عائلة وأحبّة… وحياة، بعيدة عن أسطرة الجندي الذي لا يُقهر!

الحرب خسارة بخسارة ولا رابح فيها غير الغريب البعيد اللعين الذي يحاول التحكّم بحيوات الآخرين عبر الريموت كونترول، وكأّن أبناء شرقنا ماريونيتات يحرّكها بموجب مصالحه وحسب نزواته الآنيّة.

أعترف بأنّي أمقت الحروب، على أشكالها، وها هو كاتبنا يصدمني برواية حول الحرب وخباياها الدفينة، يتمركز في منطقة تدمر، وكأنّي به يقول: التاريخ يعيد نفسه، الشعوب تحارب وتضحّي وتخسر وأبطالها مصيرهم النسيان ومزبلة التاريخ وتبقى تدمر و”حجارتها” راسخة في الذاكرة.

بطله مجنّد أصيب في الحرب وتوفي بعد معاناة، ونيشانه جنازة مهيبة… وترِكته وإرثه أوراق تركها أمانة بين يدي أمه، لتصير كتابًا يُفرح أمّه “أُخبرت أم نزار باشقة، فهرّت دموعها مثل حبات توت مترادفة”.

بالمناسبة، من خلال تواصلي مع أسرى يكتبون، ألمس فرحة الأهالي حين يصدر كتاب لابنهم الأسير، وأمّه ترقص بالكتاب وكأنّه سدر الحنّا، وكذلك أهل الأسير الشهيد زهير لبادة وفرحتهم بصدور كتابه “آهات من سجن الرملة”.

تتناول الرواية أخوّة السلاح، والحميميّة التي تجمعهم، وشعارهم حب الوطن بين رفاق سُذّج أبرياء لبّوا النداء للدفاع عن الوطن، بعيدًا عن الانتهازية والمصلحة، يشكّل الواحد درعًا وقائيًا للآخر، لا يفرّقهم سوى الموت.

يتناول قضيّة السقوط الأمني لبعض الانتهازيين المنتفعين الذين يمقتهم، ينتظرون عبر الجدار لجني الثمار.

راق لي عشق شاهين رابوبة للزراعة والورود، رغم الصحراء القاحلة، فهو يمثل من يعشق الحياة ويستحقّها رغم أنّ هناك من يقف له بالمرصاد محاولًا سحقها، الحرب على الأبواب ورغم ذلك يهتم بوروده ومزروعاته حول الخندق! فهو يؤمن “ما دامت هذه الخضرة حولنا فلن تعرف أرواحنا الجفاف واليباس أبداً ” (ص20).

يصوّر الكاتب بمجهريّة بشاعة الحرب؛ والظروف القاسية التي عاشها الجنود الذين حُرموا من أبسط الأمور، وحتى الموت بكرامة، وأحيانًا يحرمون من جنازة ودفن بجوار العائلة.

يؤمن ميلاد إلياس بأن ما يقوم به هو أقلّ الواجب تجاه الوطن؛ عند وصوله يقول: “إن مت، لا تبكوا عليّ، فلي ستة إخوة… فأنا ضريبة العائلة”.

وهذا ما أسمعه من الأسرى الذين التقيهم في سجون الاحتلال؛ غالبيّتهم أسرى الزمن الجميل، أسرى الانتفاضة، وكلّهم يقولون: سنوات سجننا الطويلة هي ضريبة للوطن، وهذا أقل الواجب في درب الحريّة.

جنود في ريعان الشباب، يعانون من البعد والجفاف ليواجهوا الموت من أجل سوريا وتاريخها؛ يواجهون الإرهاب والوحشيّة من قبل عناصر غربيّة وغريبة دخيلة شعارها ونهجها التنكيل والقتل والحرق بأبشع الصور، قطع الرؤوس بالسكاكين الطويلة أو السيوف، وتعليقها في الساحات العامة، وكلّه باسم الدين، والدين الحنيف منهم براءة!

يصوّر الكاتب حكايات حبّ وعشق وحياة، ونعيم رجوان مثال الجندي الشاب المحبّ الذي يعشق الحياة ولكنه حُرم من عناق حوريّته نتاج لغم إرهابيّ في قاع الخندق، ورشدان الذي يتوق لحبيبته سلوى القلقة.

الفقد والغياب هو سيّد الموقف ويطغى على الرواية وشخصيّاتها، على أحداثها وقصصها وقضاياها المتداخلة، المتشعبّة والمتشابكة.

إنّها حرب داعشيّة ضروس ضد الحضارة والتاريخ، تدمير حمص وتدمر وغيرها وهدفها محو ماضٍ عريق وخلق حاضر جديد يخدم المستعمر.

يبثّ الكاتب الأمل حين يصوّر عمليّة الأخذ بثأر رفيق الدرب شاهين رابوبة، “ينجز رفاق السلاح عملية متقنة تفاجئ الإرهابيين وهم يتناولون طعامهم، ولا يستيقظون إلا والبنادق مسددة إلى رؤوسهم. ويتم نقلهم بهدوء بعيداً عن كمينهم، وهكذا لا يضيع دمه”.

يعوّل الكاتب على تكاتف القوى؛ الجيش العربي السوري وحزب الله ولواء القدس الفلسطيني ووحدات من جيش التحرير الفلسطيني، ليصوّر لنا نهاية جميلة “happy end”؛ تحرير مدينة زنوبيا على أرض تدمر، وينتصر الخير على الشر، ليُدحر الإرهاب وتجّاره.

ملاحظة لا بدّ منها؛

ذكر الكاتب أسماء أبطاله بتكرار محبط ولو جاء ذكرها مرّة واحدة فقط لكان وقعها وأثرها أكبر بكثير، وكذلك شخوصهم وحكاياهم.

“صارت بيوت المقابر أكثر من بيوت القرى” (ص118) والله خسارة يا حسن!

***مداخلتي في ندوة “أكثر من قراءة”-عمان مساء الأحد 04 أيلول 2022

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*