عمان – «القدس العربي»: قد لا يفيد امتناع الحكومة الأردنية تماماً عن التعليق على النبأ الذي أحاط بأوساط المثقفين والمتعلق بمنع الأمين العام لاتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل سعيد نفاع، من زيارة الأردن بعد دعوة تلقاها من معرض الكتاب السنوي في العاصمة عمان.
لسبب مفهوم، تمتنع حكومة الأردن عن التعليق على قرار المنع بالرغم من الضجيج الذي أثاره خصوصاً على منصات التواصل، وحصرياً المرتبطة بعرب فلسطين المحتلة لعام 1948 حيث أصدر نفاع نفسه بياناً شرح فيه ملابسات وتفاصيل قرار منعه من زيارة الأردن تلبـية للدعــوة.
وبالتالي، ووفقاً للشروحات التي صدرت في بيان نفاع، قام بكل الإجراءات وختم جواز سفره وهم بالمغادرة، لكن موظفاً أمنياً طلب منه العودة، وهو إجراء عبر نفاع عن استهجانه الشديد بسببه واعتبره غير مبرر. بالنسبة لنفاع، فإن منعه من زيارة الأردن والمشاركة بفعالية ثقافية فيه أبعاد سياسية.
والسبب المرجح له هو أن قرار المنع مرتبط بزيارة أثارت الجدل قام بها نفاع إلى سوريا عندما كان عضواً بالكنيست الإسرائيلي، وبالتالي تم سجنه، وعليه فهو مصنف باعتباره أسيراً محرراً. وهذه الشريحة، حسب مصادر أردنية سياسية ورسمية، تخضع لنوع من المراقبة عند العبور عن الجسور والمعابر.
بعد قرار منع دخول الأمين العام لاتحاد الكتاب الفلسطينيين
الأهم أن السلطات الأردنية لم تبرر قرارها خصوصاً أن الضيف الفلسطيني الممنوع هنا يحمل الوثائق اللازمة، بما فيها دعوة خاصة لمؤتمر افتتح تحت رعاية وزيرة الثقافة الأردنية الدكتورة هيفاء النجار، التي بدورها لم تتحرك بالمقابل لتأمين عودة نفاع إلى إتمام هذه الزيارة، وهي زيارة أحاط قرار منعها بأجواء ومناخ فعالية يفترض أن تكون ثقافية محضة وعابرة للحسابات السياسية والبيروقراطية.
لكن الأهم بكل حال، هو أن قرار منع نفاع من دخول الأراضي الأردنية وفي اللحظات الأخيرة يظهر مجدداً بأن سياسة الانفتاح على المجتمع العربي في إسرائيل المحتلة عام 1948 لا تزال في إطار العقيدة البيروقراطية القديمة نفسها، وفيها الكثير من المحظورات، والأهم أن هذه السياسة في الانفتاح لا يبدو أن جميع مؤسسات الدولة اتفقت أو تتوافق عليها حتى الآن.
عملياً، هذا القرار قد يكون له مبرراته ومسوغاته الأمنية، لكنه سياسياً في الاتجاه المعاكس لما ذكره نخبة من كبار المسؤولين الأردنيين مؤخراً عن ضرورة إعادة التشبيك وبناء الروابط بين الأردن وشرائح ومكونات المجتمع الفلسطيني في الداخل؛ لارتباط ذلك البناء مع مصالح الأردن الإقليمية العليا والدولية الآن، وفقاً للنظرية التي ذكرها الباحث الأكاديمي البارز الدكتور وليد عبد الحي، وهو يحذر بحضور «القدس العربي» وعلناً من أن مصالح الأردن العليا اليوم تتطلب تجاوز كل الحساسيات السابقة مع الشعب الفلسطيني والتطلع للمستقبل على أساس أن أدبيات ونصوص وتقارير واستراتيجيات اليمين الإسرائيلي الآن واضحة الملامح.
مصالح الأردن تطلبت مقاربة مختلفة، وهذا ما شعرت به «القدس العربي» في مقر رئاسة الوزراء أيضاً على أكثر من مسار، خصوصاً أن ما حصل في مطار رامون الإسرائيلي بدّل وغيّر في معطيات ملف الجسور والمعابر.
في كل حال، قرار منع نفاع يثبت مجدداً بأن الأداء والقرارات بالنسبة للمؤسسات البيروقراطية الأردنية لا تتخذ بعد بطريقة هرمونية ولا تعني الكثير، خصوصاً أن معيقات كثيرة برزت مع خطة كانت قد بدأت للتفاعل أردنياً مع مجتمع فلسطين المحتلة عام 1948 وعلى أساس البحث في كثير من تفاصيل وحيثيات المصالح المشتركة، خصوصاً أن عودة بنيامين نتنياهو خصم الأردن الأول والأبرز لا يزال شبحها يطل عبر النوافذ والأبواب الإقليمية.
مثل هذا القرار اتخذ ميدانياً على الجسور والمعابر وبعد ما كانت تلك الجسور الأردنية تحت وطأة تسليط الأضواء المهمة إعلامياً أو إقليمياً وعربياً ومحلياً خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. ويظهر الإجراء بأن العمل الجماعي أو التنسيقي لا يزال في المشهد السياسي الأردني يحتاج إلى كثير من النضج قبل اتخاذ قرارات على مستوى مؤسسات تنفيذية تنسجم مع السياسة الاستراتيجية العامة.
وبالتالي، ظهرت ملامح تناقض أو ازدواجية عندما تعلق الأمر بقرارات تمنع شخصيات معتدلة جداً من وزن عضو الكنيست السابق والكاتب الفلسطيني المعروف نفاع، فيما كانت قد تقررت أصلاً أجواء الانفتاح على المكونات الفلسطينية في ظل الاحتلال في إطار خطة كانت طموحة.
لكن يبدو أنها تقلصت مؤخراً بعد سلسلة تحذيرات أو رسائل تنطوي على مضايقات وتلويح بتهديدات من اليمين الإسرائيلي المتشدد والتلمودي المحسوب على بنيامين نتنياهو ومجموعته.
بكل حال، ضبطت الحكومة الأردنية متلبسة بازدواجية المعايير هنا، فيما تتسرب تلك التفاصيل عن تجميد حالة تفاعل واشتباك إيجابي مع المجتمعات الفلسطينية في العمق الإسرائيلي بسبب اعتراضات هنا أو هناك.
وهو أمر يحتاج في كل الأحوال إلى حسم في ترسيم الاستراتيجيات من طراز مختلف، لأن خبراء أساسيين من بينهم الدكتور عبد الحي، وآخرون ينصحون اليوم بمقاربة تتجاوز الحساسيات القديمة وتؤطر لمنهجية مختلفة في الانفتاح على مؤسسات الفلسطينيين في الداخل خصوصاً الذي يعتبر الأردن، حسب ما سمعت «القدس العربي» من عضو الكنيست سامي أبو شحادة، مفصلاً جوهرياً وأساساً متيناً ومؤثراً يحترمه المكون الفلسطيني ويريد دوماً البقاء معه وبقربه اســتراتيجياً.