شاركت يوم السبت 13.08.2022 بإحياء ذكرى مجزرة تل الزعتر ال 46؛ لقاء نظّمه مركز يافا الثقافي في مخيم بلاطة وتم خلاله إطلاق كتاب “حكايتي مع تل الزعتر” للدكتور عبد العزيز اللبدي، بحضور تيسير نصر الله رئيس مركز يافا الثقافي، وعدد من الأدباء وممثلي المؤسسات الوطنية والمشاركين في مدرسة حق العودة.
كان لي شرف عرافة اللقاء وإدارته؛ وابتدأ الحفل بالوقوف على أنغام السلام الوطني الفلسطيني، وقراءة الفاتحة على أرواح شهداء تل الزعتر والشعب الفلسطيني.
وألقى نصر الله كلمة ترحيبية نيابة عن إدارة مركز يافا الثقافي وكافة العاملين فيه رحب فيها بالحضور، وتناول المجزرة وأحداثها وإطلاق اسم تل الزعتر على مخيم بلاطة تضامنًا مه أهله.
تبعه الناشط أحمد حسام خضر بكلمة ترحيبيّة باسم ناشطي مركز يافا الثقافي ودور المركز التثقيفي والتوعوي لجيل الشباب.
إنّهم يحاولون تشويه تاريخنا وطمس معالمنا لاعتقادهم بأنّ هذا كفيل لجعل شعبنا ينسى تاريخه فيغيب حاضره ومستقبله. يعتقدون أنّ التاريخ لهم وحدهم، ولا أحد غيرهم مرّ عبر بوابة التاريخ، ولأنّ إرادة الحياة هي ملك شعبنا، جاء الكتاب الوثيقة “حكايتي مع تَلّ الزّعتر” سلاحًا معرفيّا في وجه أعداء المعرفة والحضارة وإنسانيّة الشعوب وأرضيّة صلبة يقف عليها كلّ فلسطينيّ يعرف كي يتحدّى، ويتحدّى كي ينتصر. إنه سجلّ نضاليّ لبطولات وتضحيات شعبنا لاسترداد وطنه وتحقيق طموحاته في إقامة كيان مستقلّ. إنّه أداة نضاليّة من أجل الحرّيّة.
حقًا … صدق طلال سلمان حين قال: “الدم لا يتبخّر، بل يغوص في الأرض. يصير شاهدًا على الجريمة“.
“حكايتي مع تَلّ الزّعتر” للدكتور عبد العزيز اللبدي، الشاهد الذي رصد الجرائم ووثّق مذبحة المخيّم ودوّن تجربته والمآسي التي عصفت بالأهل بعد شهور من المجزرة كي لا تضيع الذاكرة.
صدرت الطبعة الثانية من الكتاب سنة 2017 في حيفا، في السنوية الواحدة بعد الأربعين للمجزرة، بعد أن توجّهت إلى كاتبه لبحث إمكانيّة مشاركته في أمسية تلّ الزعتر في حيفا، دون سابق معرفة، فوافق بحماس ودون تردّد وأضاف: “وأكون في غاية السرور إذا توفّرت طبعة جديدة من الكتاب عندكم، لأنّني أرى أنّ أهمّ جمهور أحبّ أن يطّلع على هذه التجربة، هم الأهل في فلسطين”، وفعلًا صدر الكتاب في حيفا وجاءت لوحة الغلاف للفنّان الفلسطينيّ الراحل إسماعيل شموط، بتصميم الفنّان الملتزم ظافر شوربجي عن “مجد” للتصميم والفنون في حيفاّ .
يسألوننا: “لماذا تلّ الزعتر”؟ للإجابة على هذا التساؤل كانت مداخلة شموليّة وقيّمة للدكتور يوسف شحادة (ابن ميعار وكابول الجليليّة) حول المجزرة وحيثيّاتها وأثرها وصمود أبناء المخيّم وحول ما كتبه أخواي يوسف عراقي في كتابه “يوميات طبيب في تل الزعتر” وعبد العزيز عفي كتابه “حكايتي مع تل الزعتر” عُنوانها: “تلّ الزعتر – حكاية الألم والأمل” (ستُنشر المداخلة قريبًا).
أشار د. اللبدي في إهدائه كتابه: “إلى أهالي تلّ الزعتر الذين علّموني الصبر والصمود والإبداع”. ويقول د. سمير أيّوب في مقدّمة الكتاب: “الكتاب في الواقع وثيقة تاريخيّة مهمّة…. لأنّها تعيد التأكيد على ضرورة ابتداع رؤيا جمعيّة للصراع وطبيعته مع كل مكوّنات معسكر الأعداء، وتحديد مفردات معسكر الأصدقاء، والحلفاء، وتحديد جَليّ واضح للأدوات والأولويّات والمواقيت، دون ذلك سيتكرّر اغتيال الحلم والأمل والتبريرات والاتّهامات، وسيبقى تحرير فلسطين بالتأكيد على الطريق غير الصحيح إلى حيفا”.
مجزرة تل الزعتر من أقسى وأبشع المجازر التي ارتكبت بحق شعبنا، وهي للأسف كثيرة، وكتب عنها شعرًا مظفر النواب، أحمد فؤاد نجم، محمود درويش، فاروق جويدة، نزار قباني، أمل دُنْقُل، معين بسيسو وغيرهم (أصدرت العام الماضي وصديقي الكاتب فراس حج محمد كتاب “لا تعجب…زعترنا أخضر” شمل قصائد قيلت في تل الزعتر):
تل الزعتر…
صار جدارك للشعراء جريدة
والقبلة بكفك، تنفجر قصيدة
وضفائر كل نساء الأرض
تتمنى أن تصبح علمًا لك
………
تل الزعتر…
يا جرحاً يتّسع ويصبح
هذا الوطن الأكبر
غنيت طويلاً “للدالية” على جبل الكرمل
وكتبت كثيراً للزيتونة في جبل القسطل
…….
اقطع كفي ارسله لتل الزعتر… برقية
هناك الكثير ممن استشهد في المجزرة وسُلِب حتى إكرام الدفن! حلم ذووهم بدفنهم، وعندما حملت أم وائل الأسعد جثمان زوجها، كأنها تحمل كنزًا ثمينًا، صرخت:” كم تألّمنا وذقنا المرّ منذ بدء مسلسل النكبة، هل يُعقل دفع مال للحصول على جثامين الأحباء وإعادة دفنها وقد قضوا بغير ذنبٍ اقترفوه”!!
أطفال المخيم ذاقوا الأمرّين في المخيم فترة الحصار، وهم المستضعفون الذين وجدوا أنفسهم تحت حصار مقيت، بلا مأكل ومشرب، في حالة خوف رهيب.
استشهد في تل الزعتر أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ ومعدم، معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين، ومنهم من مات عطشًا! وجوعًا! نتيجة لحصار المخيم. سقط المخيم بعد أن تعرّض أهله لويلات وشرعت جرافات الكتائب فورًا بتدمير المساكن المهدّمة وتسويتها بالأرض وتم تشريد ما تبقى من لاجئين.
شاركت المرأة بالمقاومة وكان لها دورًا بارزًا في الصمود الأسطوري لأهالي المخيّم.
شاركت الزعتريّة حمدة عراقي (أم طارق) بشهادة حيّة عن الحياة في المخيم والمجزرة (ممن نجَوا من براثن الموت وشغّلت اللاسلكي في المخيّم أثناء الحصار).
تم عرض فيلم قصير عن المجزرة وأحداثها وكان مؤثّرًا للغاية (جزيل الشكر للصديق د. يوسف عراقي الذي زوّدني بالفيلم”.
وخلال اللقاء اتصلت الأممية إيفا شتال/حمد (عملت كممرّضة متطوعّة في المخيم وفقدت زوجها يوسف حمد وجنينها وأصيبت بقذيفة مباشرة) هاتفيًا وحيّت الحضور وأثنت على المبادرة وهذه اللفتة المباركة.
تلتها وصلة دبكة من أشبال مركز يافا الثقافي بقيادة المرشدة مرح عرفات.
وفي الختام تم عرض كلمة الدكتور عبد العزيز اللبدي الذي شكر القيّمين على اللقاء وتحدّث عن تجربته في تل الزعتر ومعاناة أهله أثناء الحصار وعن المجزرة.
الدكتور عبد العزيز اللبدي من مواليد حيفا عام 1946، درس الطب في جامعة بون الألمانية وتخرج عام 1974 ليخدم طبيبًا في مخيم تل الزعتر برفقة الدكتور يوسف عراقي، وعاش المجزرة، تخصص في الجراحة العامة في برلين وحصل على شهادة الدكتوراه في الطب من أكاديمية الدراسات العليا عام 1984 في برلين، حامل رسالة تل الزعتر، ومن مؤلفاته: أوراق تل الزعتر، الهلال الأحمر الفلسطيني، تاريخ الجراحة عند العرب، القاموس الطبي العربي، رواية وردة كنعان، ورواية ذهب الرقيم، عكانا عكانا.. عكا الجزار ونابليون و”حيفا 2040″.
وشرّفني بإصدار الطبعة الثانية من وثيقته الدامغة “حكايتي مع تل الزعتر”.
لن ننسى، ولن نسامح أو نغفر لأحد، مهما تعددت سمات القاتل وتغيرت صورة الجلاد.
المجد والخلود لشهداء تل الزعتر الأبرار