“لا بد للخير أن ينتصر”.. حسن عبادي| حيفا

النار هي بطلة الرواية؛

جاء عنوان الرواية “أفاعي النار”-حكاية العاشق علي بن محمود القصّاد، للروائي جلال برجس، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت) من كابوس رآه الروائي خاطر بعد أن احترق بيته وروايته. “أصبحت مستباحاً من قبل كابوس مرعب، أرى فيه ألسنة النار استحالت أفاعيَ مخيفة، بت أخشى النوم جراءها، وهي تأكل جسدي، ولا تترك له بقايا سوى الرماد، وأنا أصرخ، وأستغيث السماء أن ترسل أمطارها لتطفئ النيران، فتهرب تلك الأفاعي.” (ص25). وبقي الكابوس يلاحقه ليل نهار إلى حين لقائه بالحكاءة.

الحريق هو سيد الموقف بغض النظر عن مصدره؛ أكان إثر سيجارة نسيها مشتعلة، وغفل عنها بفعل نشوة الانتهاء من الرواية، وخمرة الحب التي تذوقها بعد أن انشغل عنها من قبل بكتابة الرواية، أو كان إثر كابوس تسببت به الضغوط النفسية الكبيرة التي يرزح تحتها خاطر، وتأنيب الضمير، وفداحة الخسارة. أو إثر ما رأته الحكاءة في المنام ومن وحي خيالها، أو إثر تحريض إخوة بارعة من قريبهم سليم وإقرار من أبيهم، بأنّ القراءة والكتابة لوثت عقلها وجعلتها تكتب عن الحب وعن الله، وتتحدث عن تحرير المرأة، وتقرأ الروايات وتناقشها بتشجيع من ابن القصاد.

أو إثر تجرؤ ابن القصاد على خطبة بارعة ورفض طلبه، ليرى غرفته تحترق وهو يراقبها مختبئاً على سطحها، فغادر إلى فرنسا مبتعداً لإكمال دراسته، أبعدت النار ابن القصاد عن وطنه وأهله وبارعة التي يحب، وليصير في فرنسا مثقّفًا معروفًا له حضوره. نعم، لا نبيّ في بلده وبين قومه.

يتناول الكاتب دور الإسلام السياسي، إن صحّ التعبير، والتيار الظلامي المتعصّب والمتطرّف الذي لا يمت للدين الإسلامي بصلة، بل استغلّ الدين لأغراض في نفس يعقوب، ويمتد إلى باريس بتشجيع من الغرب والغريب، كما ويتناول ازدواجية المعايير ويكشف بجرأة عري المجتمع الفرنسي الذي نبذ ابن القصاد الغريب، فليس “كل شي فرنجي برنجي”، وكذلك أهل عمان في وطنه.

يعيد الكاتب بطله إلى قريته التي تعاني من الإهمال الرسمي، مرتع الخرافات، والجهل فبات غريبًا بين أهله وأنكره الجميع، إلا قلة. حاول محاربة الجهل ونشر الوعي، وتحرير الناس من الخرافات والخزعبلات، ولكن محمد القميحي الظلامي المتطرف كان له بالمرصاد، يشكك في كل ما يعمل، ويحرض الناس ضده ويدعوهم للابتعاد عنه.

الكاتب متفائل ويريد لنار الحب أن تهدي وتنير الطريق للأجيال القادمة، وتهزم نار التطرف الكريهة لينتصر الخير على الشر. حاول جلال برجس الإضاءة على بعض القضايا بطريقة توجيهية ذكية ومهضومة مع إضاءات لافتة وكأنّي به يوقفنا أمام إشارة مرور ضوئية، في الضوء الأصفر منبّهًا:

  1. دور المرأة ومكانتها في مجتمع شرقي ذكوري من خلال التحريض على بارعة من قريبها المتزمّت والرافض لحقّ النساء في التعلّم، واستطاع إقناع إخوتها بإحراق كتبها وأوراقها وكتاباتها بحجّة الدين الذي استعمله كشمّاعة.
  2. الفهم الخاطئ للدين واللجوء للتخويف والشعوذة وسيطرة ثقافة الغول.
  3. تفشّي ظاهرة الإشاعات المغرّضة ودورها الهادم.
  4. الإرهاب؛ محاربة كتابه عن “العيب والحرام” من الجماعات المتطرّفة التي نادت بتصفيته، وتشويهه جسديًا.
  5. استغلال الفتن والدين لأغراض شخصيّة (يوسف النداح ينتقم من ابن القصاد باسم الدين كون زوجته لا زالت على حب ابن القصاد ولا تزال تهذي باسمه).
  6. الجماعات الإرهابية في العالم العربي ومصادر تمويلها وحقيقة أهدافها وتشويه الإسلام الحقيقي وشيطنته.
  7. التطرف الديني: الجماعات التكفيريّة الغيبيّة وتحريض الشعب بحجّة الدين المشوّه ليحاول السيطرة على الجميع.

جاء أسلوب الرواية سلسا ومشوّقاً، لغتها جميلة وبعيدة عن المحسّنات اللفظيّة وشدّ العضلات.

الوهم هو سيّد الموقف، التجهيل هو سبب التطرّف.

رواية موفّقة تحمل روّية ورؤيا، حاول من خلالها أن يضيء لنا شمعة بدل أن نستمر في لعن الظلام،

نعم؛ أوافق الكاتب أنّه “مع كل هذه الكتب، ونرى رؤوساً تُجزّ بكل هذه الوحشية! ثمة خلل إذن، خلل كبير”.

نعم؛ لا بد للخير أن ينتصر.

 

***مشاركتي عبر الزووم في ندوة مجموعة “أكثر من قراءة”-عمان يوم الأحد 07.08.2022

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*