قراءة في رواية الحافيات لدينا سليم حنحن – مصطفى لغتيري – كاتب من المغرب

تمتلك المرأة الكاتبة ميزة خاصة، تتسم كتابتها بميسم خاص و بارز يميزها عن كتابة زميلها الرجل، فالتجربة الحياتية الخاصة للمرأة وطبيعة تكوينها الجسدي والنفسي، توقظان في أعماقها أحاسيس  وانفعالات لا يتأتى للرجل ملامستها، إلا عبر الخيال والذاكرة والمقروء، وتصبح هذه الأحاسيس أكثر تأججا وعنفوانا إذا ما كانت الكاتبة تنتمي إلى مجتمع منغلق ومتخلف، يحجر على المرأة و يمنعها من تحقيق كينونتها الإنسانية المستقلة، بما يعني ذلك حرية الاختيار والجرأة في التعبير المكشوف عن آلامها وأحلامها وطموحاتها دون رقابة داخلية أو خارجية تحولان – بلا ريب – دون أن تحقق غايتها في التعبير، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالجسد، فكتابة المرأة عن جسدها لا يزال محاطا بكثير من التوجس والشك المريب، حتى أن الكثيرين لا يتورعون عن الربط المباشر بين الكاتبة التي هي من لحم ودم والساردة التي هي مجرد تقنية سردية متخيلة، بمعنى أنها كائن من ورق أو من كلمات إن صح التعبير، فمجتمعاتنا الذكورية تأبى إلا أن تتعامل مع المرأة بمكيالين، ففي الوقت الذي يشتهي فيه رجالها الأنثى ويسعون بكل ما يملكون من وسائل للظفر بجسدها، فإنهم في الوقت ذاته يتشبثون بطهرانية مرضية منافقة، لم تعد أحابيلها تنطلي على أحد.

تداعت في خاطري هذه الأفكار وأنا أتصفح كتاب الأديبة العربية المقيمة في المهجر دينا سليم، الموسوم بـ “الحافيات “، والكتاب عبارة عن رواية تتكون من جزأين، يحمل كل منهما عنوانا منفصلا، أصرّت الكاتبة في التفاتة موحية أن تسميهما بأسماء نساء ” وفاء” و “فضيلة” ولا يخفى على القارئ الدلالة العميقة للاسمين في مجتمع تعد المرأة فيه متهمة حتى يثبت العكس، و قلما تستطيع إثباته.

تزخر الرواية بعدد كبير من الشخوص أغلبهم نساء، لكنها لا تعدم شخوصا رجالا كذلك، بيد أنهم شخوص مفعول بهم على الدوام يدورون في فلك النساء، و يتحدد مصيرهم بمصيرهن.

و مما يثير الانتباه في هذا الأثر الجميل ، الذي وظفت فيه الكاتبة لغة جميلة وسلسة تتاخم لغة الشعر في بعض الأحيان، أن الشخصيات النسائية في المتن السردي فاعلات، لهن أصواتهن الخاصة وأحلامهن وطموحاتهن، يتخذن قراراتهن بأنفسهن، و إن سايرن متطلبات المجتمع وإكراهاته لبعض الوقت، فإنهن سرعان ما يثرن وينتفضن معبرات عن ذلك بشتى الوسائل المتاحة، حتى تلك التي لا يمكن توقعها، وقد تمضي المرأة بعيدا في احتجاجها إلى درجة أن تتخذ الشخصية من جسدها العاري وسيلة احتجاجية فعالة، تقول الساردة ” داعبتني فكرة جريئة وخبيثة، نزعت قميصي، و بقيت في الصدرية ، نظرت إلى جسدي الأبيض، و جدته جميلا وناصعا كالثلج، ابتسمت أمام المشهد واستمررت في طريقي…اعتلت أصوات الزمامير، واحتشدت السيارات في المسارات بجانبي، تنبهت إلى نظرات الجميع المشدوهة من حولي يرحبون بفكرة التعري هذه..كم أنا جريئة، جريئة و فخورة بنفسي .. سأدعهم ينظرون إلى امرأة لأول مرة تتعرى لأنها تريد ذلك، لأنها اختارت أن تكون عارية “.

و تمضي الرواية في نفس النهج، كاشفة عن هموم المرأة الشرقية وانشغالاتها، جاعلة من الرجال لعبتها من خلال التجائها – مثلا- للحمل من ” بنك الحيوانات المنوية” مما يعني، في أحد مستويات التأويل، أنها لم تعد في حاجة للرجل الشرقي المنفصم الشخصية، و حين تسوء حالة هذا الرجل ” تقوده إلى الحمام، تزيل أسماله عنه، فيبدو هيكلا بلا روح، تقوده حتى الحوض، تدخله كالطفل إلى المياه الدافئة، تدعه يسترخي بين يديها ” لكن ذلك لا ينفع فتيلا، فتدرك الحقيقة قائلة ” لا يستطيع لمسها، إنه معها بجسده فقط وروحه حائمة، يختلي بنفسه، ينحدر إلى أسفل العالم، مقموعا، مهتابا، منزوع القوى”.

و تبقى في الأخير رواية ” الحافيات ” للأديبة دينا سليم حنحن نصا أدبيا يمنح القارئ فرصة التعرف عن كثب، عن نظرة المرأة العربية لنفسها وللرجل الذي يفرض وصايته عليها، إنها ببساطة، صرخة احتجاج ضد الواقع المهين، الذي تحيا بين براثنه المرأة العربية والرجل العربي معا.

 

دينا سليم- الحافيات – دار أزمنة الأردن الطبعة الأولى 2008

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*