كوكب في 15.حزيران 2022
وداعًا يا رفيق
لن أبكيك يا رفيقي رغم قسوة الفُراق، لن أنعيك كما يفعل الآخرون، رغم تزاحم الكلمات والمشاعر التي تُحاول الخروج ولكنَّها تقف عند حدود الذكريات، لم ازرك كثيرًا يا رفيقي، رغم الشّوق والتَّوق إلى اللقاء، وفتح دفاتر الذكريات، لم أرغب يومًا في استبدال صورة ابي حسام المليئة بالحيوية والنَّشاط، صورة الانسان الذي يُحب الفرح ويبحث عنه، يُحب الحياة ويسعى اليها، يساعد الغير فيشعر بنشوة السعادة، يبكي مع الناس في احزانهم، ويرقص تحت خيمتهم في افراحهم ومناسباتهم السعيدة، انَّه الانسان الذي يحمل قلبًا يتسع لكل من حوله، دون أن يشكو، الانسان المُستعد أن يضحي من أجل سعادة الآخرين، فكيف لي أن التقيك في عجزك.
رغم الألم وفي كل مرَّة كنت التقيك، وأنت تقاوم المرض اللعين، كنت تستقبلني بضحكة الصمود والتَّحدي لألدّ الأعداء فتكًا، وكأنك تذكرني انَّنا هكذا نقاوم، هكذا يجب أن نستمر بالمقاومة، نعض على الجراح وننهض كالعنقاء من تحت الرَّماد، فكنت استمد منك قوة أكثر مما تستمد أنت مني قوة، وأن كلَّ ما قُمنا ونقوم به سيبدو قزمًا امام تحدّيك وصمودك الأسطوري في وجه الَدّ أعداء الإنسانيّة المرض الخبيث والموت اللئيم، وهما حليفان عدوّان تآمرا على خطفك من بين أيدينا ووقفنا نحن أمامهم عاجزين.
كنت تُتبِع ضحكتك الحائرة، بدمعة حزن مُرَّة تحمل عمق الهم، وتُحطم جدران القلب، كنت تترُكها تتطاير في العراء مع ذاكرة تقلِّبها على كل الأوجه، فلا ترى غير مستقبل قاتم ونهاية محتومة، في العينين كانت تدور دمعة حزينة حيرى تطرح كل الأسئلة الصعبة تبحث عن إجابات سهلة، فتذوب احزانك في دمعتك الحيرى وتسقط فوق الريح دون أن تجيبه على أي سؤال، اما انا فكنت اخرج من بيتك مثقل بالهموم والاحزان.
اعرف أنَّك تحرّرت اليوم من جسدك العاجز العليل، وأعرف حق المعرفة كم تتوق نفسك للحرية، للسلام للراحة للهدوء، لقد اتعبتك الأيام، وغدر بك الزمان، وهد جسدك المتعب غبار السنين، سيرقد جسدك هناك حيث سيكون الجميع، وستحلّق روحك في سمائنا، سماء الأبدية، وسيبقى ظل اعمالك ومبادئك ومواقفك الإنسانية ترافقنا في كل حين، لن تهدأ روحك ما دمنا متفرقين.
من هناك من عليائك من عالمك السرمدي، يا رفيقي ستدعونا إلى التكاتف والتعاضد والوحدة، وانت ترى مجتمعنا وقد اختلطت فيه المفاهيم، وماتت فيه القيم، وانعدمت الاخلاق، الى أي مصير يسير. ستقول لنا من هناك من عالمك الخفي، أما آن لكم أن تكونوا موحدين، اما آن لكم أن تعودوا إلى ما جُبلنا عليه من قيم واخلاق وعادات ومبادئ وأسس مجتمع وساحات نضال شريف، لترسموا خيوط الامل وطريق المستقبل بحبر نضالكم كما فعلنا معًا دائمًا، ربما يا رفيقي سيستجيب البعض وربما سيهز البعض كتفيه ويمضي، ولكن الحياة تمضي والسنين تمر والتاريخ لا يرحم. كن قرير العين والنفس، جذوة النضال لن تخمد، ما دامت ارواحنا في اجسادنا، وسنبقى شعب الجبارين حتى في أحلك الظروف.
من هناك من عالمك السرمدي، ستشكر زوجتك ورفيقة دربك التي استمدت قوتها وصلابة موقفها، من مبادئها واخلاقها الإنسانية التي نشأتما عليها، ليس مفهومًا ضمنًا هذه المواقف الثابتة وهذا التفاني ونكران الذات والصبر والوقوف سنين طوال الى جانب جسدك المعتل، صبرت وصمدت بقوة ارادتها وعزيمتها وبفعل المبادئ والأخلاق الكريمة فلها منك ومن رفاقها ألف تحية ولكل الأبناء والاسرة على وقفتهم العزيزة الصادقة الصامدة، لتعلّم الناس معنى العطاء، وصدق الوفاء في الساعات الحالكة، هكذا هم الرفاق، هكذا نبني مجتمع بل هذا هو مجتمعنا الحقيقي المتماسك.
هكذا انت، هكذا كنت، وهكذا ستبقى في الاذهان، الانسان الذي رسم خيوط مبادئه بحبر عطائه، وحفر حروف اسمه على جدران كوكب وساحات الوطن، هل سيذكرك الوطن ويرسم اسمك في ذاكرته، وهل ستذكرك كوكب بتخليد اسمك في سجلاتها، ربما باسم أحد شوارعها او مؤسساتها او مرافقها العامة، وتبقى عنوانًا ورمزًا للعطاء للتطوع للعمل الجماهيري وقبل كل شيء رمزًا للصدق والوفاء، وكوكب الجميلة الهادئة الساكنة لا تختلف عليك، ستكون أجمل هدية نقدمها لك، سنكتب على صفحتها ” من الوطن الى الرفيق محمد سليم الحاج ” أملى املك املنا نحن عشاق الحياة ان تتحقق.
شكرا لك أيها الرفيق الغائب جسدًا والحاضر روحًا على كل شيء
وداعا يا صديقي وداعا يا رفيقي،
ستبقى ذكراك خالدة.