بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق محمد جرادات: “راتب الملاك الابيض الذي خدم الأسرى المرضى في مستشفى مسلخ الرملة ..انسان يستحق كل محبة وتقدير…واستاذنا حسن انت هواء الأسرى ونافذتهم”.
وعقّب الناقد رائد محمد الحواري: “يعطيك العافية حسن. خير وسيلة تواصل واتصال للأسرى”.
“كرّهونا بالعصافير”
غادرت حيفا السادسة صباح يوم الخميس 28.04.2022 في طريقي إلى النقب، وصلت سجن نفحة الصحراويّ بعد سفر طويل شاق، وحين وصلت غرفة المحامين أطلّ عليّ الأسير راتب عبد اللطيف عبد الكريم حريبات شامخًا، التقيته للمرّة الأولى، وبدأنا حديثًا طويلًا وكأنّنا معارف طفولة.
ناقشنا مشروع دراسة الدكتوراه خلف القضبان ولهجته الخليليّة التي تلاشت عبر السنين وذابت في الكلّ الفلسطينيّ (معتقل منذ 27.07.2002)، و”حقّق” معي حول ندوة “أسرى يكتبون” بالتعاون مع رابطة الكتّاب الأردنيّين، ومشاركة “لماذا لا أرى الأبيض” في “وتر النصر” مع الإعلاميّة قمر عبد الرحمن، وعبّر عن غبطته وسعادته للاهتمام به وبكتابه.
تناولنا مشروعه الأدبيّ؛ كان في صغره يعشق العصافير وصيدها في البراري، وحين تعرّف على عصافير آدميّة بات يكرهها، وخاصّة بعد تعرّفه على عصافير عوفر ومجيدو، نفس الخطأ يتكرّر، الوقوع مع العصافير، ولم يأخذ شبابنا العبرة ممّا كتبه الصديق وليد الهودلي في “ستائر العتمة”، وستكون محور عمل أدبيّ قادم.
حدّثني عن مخطوطة الجزء الثاني من تصوير تجربته في مسلخ الرملة، وتشمل حكايات جديدة لأماني وإسراء والإهمال الطبّي المتعمّد لأسرانا، وطلب إيصال سلاماته لصديقنا الحيفاوي “أبو هند”.
بتر زامور الإعلان عن طقوس إحياء ذكرى الكارثة والبطولة لقاءنا في أوجه؛ لأنّ الوقت مرّ مسرعًا..
“ آلاف مرّوا من قُدّامي “
بعد لقائي براتب في سجن نفحة الصحراويّ، وبعد ساعة من الانتظار عقب إحياء ذكرى الكارثة والبطولة، أطلّ الأسير ضياء زكريا شاكر الفالوجي (الآغا) بنظرة طفوليّة خجولة، التقيته للمرّة الأولى، ليستفسر عن سبب الزيارة. أخبرته عن مشاركة والدته في ندوة يوم الأسير التي نظمناها ضمن نشاطات التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، وكلماتها أبكت المشاركين، ودمعة ميسّر الندوة، الصديق د. خالد حمد، أدّت بمبادرة زوجتي سميرة لترتيب اللقاء، فانفتحت أساريره ليحدّثني عن ساعة الاعتقال وما سبقها، طفل وعمره 16 عامًا. معتقل منذ 10.09.1992، (أقدم أسير من غزّة)، خُذل في دفعات التبادل.
أصرّ على التعلّم داخل الأسر ليحصل على التوجيهي بعد المحاولة التاسعة، وإصراره جعله في المرحلة النهائية لدراسة الماجستير، اقتصاد وعلوم سياسيّة.
حدّثني بحرقة عن صفقات التبادل التي استثنته “آلاف مرّوا من قُدّامي في السجن وطلعوا”، وها هو يقضي ثلثا عمره في الأسر آملًا بحريّة قريبة.
أخبرته عن نشاط الصديق الغزّاوي هاني مصبح، وحراك التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، و”تضامن” المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى التي أطلقت مشروع “لمسة وفاء لأسرانا الأبطال”، وتقوم بزيارة عائلات الأسرى في قطاع غزة، وقاموا بزيارة والدته وسلّموها درعًا وعليه اسمه فانفعل جدًا.
حدّثني عن الحياة عبر القضبان، ولقاء غزّة والقدس والضفة الغربيّة والداخل في غرفة واحدة، ما زال يذكر بالخير علي عمرية وسمير سرساوي وصالح أبو مخ، طالبًا منّي وصف حفل العرس، وباغتني بالحديث عن عمليّة جراحيّة مرّ بها صديقي أبو جولان، زميله في الزنزانة، وطلبت منه إيصال سلاماتي له.
طلب منّي إيصال رسالة شكر وتحيّة للتحالف ولكلّ من يهتم بقضايا أسرانا.
لكم أعزاءي راتب وضياء كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكم ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا نيسان 2022
___________________
الهوامش
[1] الأسير راتب حريبات، اعتقل يوم 27 تموز 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن 22 عام. [2] الأسير ضياء الآغا، اعتقل يوم 10 أيلول 1992، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد مدى الحياة.