قصة قصيرة
جمع ملك الشر كبار أعوانه ومستشاريه للتَّداول في أمور المملكة من مخاطر كانت تهدد أمنها، من قبل مملكة معادية لها قال الملك:
- إنَّ هذه المملكة المعادية لنا تتعاظم وتزدهر يومًا بعد يوم وهي تُشكّل تهديدًا سافرًا لنا، لذلك يترتَّب علينا، أخذ الحيطة والحذر والعمل على إيجاد السبل للسيطرة عليها واخضاعها.
كان النقاش يدور عاصفًا فيما بينهم حول سُبل السيطرة عليها، فمنهم من طلب فرض حصارً خانق وآخر فضَّل استعمال سلاح حديث متطور، كلُّ هذا والملك يُنصِت لهم بكلّ هدوء وثبات، قبل أن يلفِت نظره أحد الاعوان إذ كان ينصت للحديث بصمت دون أن بنبسَّ بكلمة واحدة وكان هذا الرَّجل يُعرف بخبثه ولؤمه الشديدين إلى جانب رجاحة عقله وتدبيره
إلتفت إليه الملك وأشار له أن يُقدِّم ما عنده من إستراتيجية مفيدة تساعد في المعركة ضد العدو
رد الرجل وقال:
- أرجو أن تُمهلني أيُّها الملك بعضًا من الوقت حتى أتمكَّن من وضع خطة تمكّننا مِن التَّغلب على عدوّنا وإضعافه بأقل ما يمكن من سفك دماء وقتل.
وافق الملك في الحال على طلبه واتفقا أن يلتقيا بعد أسبوع ليجيء حاملًا معه الخطة لعرضها على الملك.
في ذلك الأسبوع كان صوت التاجر المتجوّل يصدح في حارات وشوارع مملكة العدو مناديا بأعلى صوته:
- أيها النَّاس، نشتري ضمائر، نشتري أدمغةً، نشتري شرفاً.
سمع أحد المعلمين الصوت وخرج يستطلع الأمر، أعجبته الفكرة، إذ كانت بالنسبة له المُنقذ، نادى زوجته وأخبرها أنَّه سيبيع ضميره. دُهشت الزَّوجة مما سمعت، وراحت تلوم زوجها على هذا قائلة:
- لا بدَّ أنَّك جُننت، كيف تبيع ضميرك أيُّها المُعلم!
بلع المُعلِّم ريقه وقال:
- أبيعه لمرة واحده أسدد ديوننا وأنت تعرفين أنَّ راتبي قد أشرف على النَّفاذ ولا يكفي لإكمال الشهر.
لكنَّها رفضت الفكرة بغضب قائلة له:
من يبيع ضميره مرَّة يبيعه مرَّات ومرَّات.
لكنَّه خرج غير آبه لغضبها، بدأ النَّاس بالتَّجمهر حول التَّاجر، تقدَّم رجل سياسةٍ، وطلب ثمن شرفه قال التَّاجر:
- أشتريه ب خمسة جنيهات
ثم تقدَّم المهندس طالبا ثمن دماغه قال التاجر:
- أشتريه بخمسين جنيها.
جاء دور أحد المسؤولين، وطلب ثمن شرفه، فأعطاه التَّاجر خمسة جنيهات.
تقدَّم المُعلّم طالبًا ثمن ضميره أعطاه التاجر مائةً من الجُنيهات عندما سمع المُهندس السِّعر أحتجَّ قائلا:
- أنا مهندس كيف تدفع سعرًا لضمير مُعلم أكثر من ثمن دماغ مهندس.
- أنا أفهمك السبب، يجب أن تعرف أيُّها المُهندس أنَّه لولا هذا المُعلم لما كُنت أنت وأمثالك، من عُلماء، وأطباء، وأدباء، مفكرين، وهذا هو سبب غلائه إنَّ ضمير المعلم عملة نادره يا أخي.
تشجع رجل السياسة محتجًا على تدنّي سعره، رد التاجر قائلًا:
- إن ضمائركم رخيصة جدًا، أحيانًا كثيرة تكون غائبة ولدينا الكثير منها
أخيرا جاء احتجاج المسؤول قال التاجر:
- شرفكم رخيص جدًا، تبيعونه مرات ومرات وتقيضون الثمن.
حمل التَّاجر بضاعته وقبل أن تنتهي المُهلة المحدَّدة، كان يعرض بضاعته أمام الملك، وما أن رأى الملك البضاعة جُن جنونه وراح يلوم التّاجر قائلًا:
يا لك من أحمق أهذا ما وعدتني به! أو تُسمّي هذا سلاحًا
قال التاجر:
- أنا أشرح لك، هذا الأمر في غاية البساطة، أيها الملك، أريدك فقط أن تتخيَّل ماذا سيحدث عندما يبيع المعلم ضميره، والمسؤول شرفه، وتهاجر أدمغة العلماء والمفكرين، وينخر الفساد رجال السياسة والمسؤولين، فماذا سيبقى من كيانهم! قل لي بربك. هذا يا سيدي كفيل بتدمير شعوب وأمم وممالك، وحتى أعتى الإمبراطوريات هلكت واندثرت بهذا السلاح.
حدق به الملك وقال:
- يا لك من داهية، من الآن وصاعدًا ستكون إلى جانبي وستصبح ساعدي الأيمن.