شُعيب\ يثرون (ع) وزيارة المقام في حطّين وعيد الفطر – سعيد نفّاع

 

شُعيب\ يثرون (ع) وزيارة المقام في حطّين وعيد الفطر

وقفات على المفارق

 

الوقفة الأولىوالسؤال المطروح                    

السؤال الأكثر من شرعيّ المطروح كثيرًا على الدروز ممّن حولهم وبالأساس من الناس العاديّين، هو عن العلاقة بين مذهبهم الذي انطلق من رحم الدولة الفاطميّة منذ قرابة ألفيّة، وبين شعيب\ يثرون والذي سبق ذكره ذلك بقرابة ألفيّتين ونصف. والجواب ودون أن أتعبك عزيزي القارئ انتظارًا: إنّ الأمر يعود لإيمان الدروز بتقمّص الأرواح، فالروح أزليّة أبديّة وما الأجساد إلّا قمصانًا تبدّلها، فروح حمزة بن عليّ (قميصها) مُطلِق المذهب وداعيته الأساس أيّام الحاكم بأمر الله الفاطميّ (أواخر القرن ال-10 أوائل ال-11)، هي نفس روح شُعيب\ يثرون (قميصها) (القرن ال-15ق. م.)

بالمناسبة مرجعيّاتهم في هذا الإيمان كثيرة عقائديّا واجتهاديّا، وأهمها الآية القرآنيّة 28 من سورة البقرة!

جدير بالذّكر أن باني المقام؛ المبنى الأوّل حول القبر (الضريح) والقبّة فوقه هو صلاح الدين الأيّوبيّ بعد معركة حطّين 1187م، وحسب الرواية فعلها كُرمى لفرقة في صفوف جيشه حاربت بشراسة لفتت نظره، وحين عرف السرّ كافأها ببناء المقام واقتطاع مساحة حوله وقفًا للمقام.

الوقفة الثانيةوشُعيب\ يثرون (ع)   

النبي شعيب كما جاء في القرآن أو رعوئيل كما جاء في التوراة، ويقال له بالسريانية يثرون، هو نبي عربي عُرف بخطيب الأنبياء لحكمته وفصاحته. يقال إنّ جدته أو أمّه هي ابنة لوط، والثابت في نسبه أنّه من سلالة إبراهيم واختلفت الأقوال حول أسماء وتسلسل أبائه إلى إبراهيم. أُرسِل شعيب إلى قوم مِدْيَن أو ما عُرف عند المفسرين بأصحاب الأيكة، كانت ديارهم تمتدّ ما بين الأطراف الشمالية للحجاز إلى الأطراف الجنوبية للشام. يُعتقد أن النبي شعيبًا عاش ما يقارب 242 سنة.

العهد القديم (التوراة) يذكر أنّ شعيبًا\ يثرون (بالإنجليزية: Jethro)‏ هو كاهن مِدْيَن، ويذكر أنّه هو حمو موسى، والذي كان لجأ إليه عندما هرب من فرعون ملك مصر، فعاش عنده مدّة وتزوَّج ابنته صفّورة.

المذهب الدرزيّ يذكر أنّه نبي ذو مكانه فريدة في دين/ مذهب الدروز، ويُعتبر من أسلاف الدروز، حيث يُقدّس الموحدون الدروز شعيبًا أحد أنبياء العرب، ويؤمنون به كالمؤسس الروحي (الإمام) والنبيّ الرئيسيّ في مذهب التوحيد. وصفّورة (تسيبورا) حسب المذهب التوحيديّ التي زوّجها لموسى هي خادمة عند شُعيب وليست ابنته، إذ أنّ شُعيبًا وطبقًا للمذهب الدرزيّ معصومٌ لا يتزوّج.

الوقفة الثالثةوالدروز مذهبًا

الدروز اليوم ويسمّون أنفسَهم الموحّدين هم إثنية عربية تعود للقبائل العربيّة التي تركت الجزيرة وقطنت الهلال الخصيب أو تواجدت فيه، وحين امتدّت سلطة الدولة الفاطميّة إليه قبلت مذهب التوحيد. وهو، أيّ المذهب، حسب اجتهادهم مذهب إسلاميّ يتبنّى تعاليم باطنية تفسيرًا لآيات القرأن الكريم، وتعود أصوله إلى الإسماعيلية في الدولة الفاطمية بالقرن العاشر. والمذهب التوحيدي قائم على تعاليم الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله وحمزة بن علي بن أحمد الزوزني والفلاسفة اليونانيين القدماء مثل أفلاطون وأرسطو وفيثاغورس وزينون الرواقي.

الطائفة الدرزية (المذهب) تأسست إذًا في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي (411هـ/1020م) ومن دعاة المذهب كان حمزة بن علي بن محمد الزَّوزَني ومحمّد بن إسماعيل الدَّرَزِي. ارتدّ الدَّرَزِي عن المذهب وهاجر إلى بلاد الشام، وقد وقع بين الاثنين صدامٌ دامٍ كانت الغلبة فيه لحمزة (الحدّ الأول) ومن والاه، وفي مقدّمتهم أخوته (مجازًا) الحدود الأربعة؛ أبو إبراهيم بن محمّد بن حامد التميميّ، أبو عبد الله محمّد بن وهب القرشيّ، أبو الخير سلامة بن عبد الوعّاب السامريّ وأبو الحسن بهاء الدين السموقيّ الطائي، ويعد بهاء الدين الطائيّ (الحدّ الخامس) من تولّى الدعوة بعد غياب (اخوته) وهو من اقفل باب الاجتهاد والدعوة في المذهب. ومع هذا اشتهرت الطائفة باسم الدرزي، لكن الدروز يعتبرون هذه التسمية نكاية من لدن أعدائهم وخصومهم، ويقولون إنّها لا توجد في تاريخهم أو كتبهم المقدسة.

الوقفة الرابعةوعيد الفطر وزيارة المقام في حطّين وأوليفانت لورانس

عيد الفطر (العيد الصغير) حسب المذهب الدرزيّ أكثر أهميّة من عيد الأضحى (العيد الكبير)، ومع هذا في أواسط الخمسينيّات وحتّى أواخر الستينيّات أطلقت المؤسّسة الإسرائيليّة وأعوانها\ أزلامها من بين الدروز، كما هو معلوم، مخطّط فصل دروز فلسطين عن فضائهم العربيّ الفلسطينيّ، وكان العيد هدفًا ضمن المخطّط. ابتدأت المؤسّسة بالتجنيد الإجباري عام 1956 ولاحقًا 1966-1967 “ألغت” بدعم أزلامها الاعتراف بعيد الفطر عيدًا للدروز واستحدثت مكانه “عيد النبيّ شعيب” محوّلة زيارة تقليديّة مذهبيّة إلى عيد رسميّ.

وقد بلغ التطاول على “شعيب” أن حضّرت وزارة “المعارف” عام 1964 كرّاسًا خاصّا لتعليم النشء الدرزيّ الرواية التوراتيّة عن شعيب والتي تمسّ في الصميم أحد أهمّ أركان الإيمان التوحيديّ (عصمة الإمام- شعيب)، وفقط تحت وطأة احتجاج عارم “جُمِع” الكرّاس من المدارس وكُنِز. (نسخة عنه موجودة بين أوراقي- س. ن.)

أمّا عن الزيارة في 25 نيسان من كلّ عام، هذه الزيارة هي لقاء واحد من أربعة لقاءات سنويّة كان الدروز كطائفة دينيّة صغيرة ينتشر أبناؤها في مناطق متباعدة في سوريّا الكبرى، يعقدونها للتواصل والصلاة المشتركة والتداول في شؤونهم العامّة؛ أوائل الشتاء في خلوات البيّاضة في حاصبيّا – لبنان، وأوائل الربيع في مقام النبي شعيب (ع) حطّين- فلسطين، وأوائل الصيف في مقام النبي أيّوب (ع) في الشوف- لبنان، وأوائل الخريف في مقام النبي هابيل (ع) في قاسيون- سوريّا (وهي الزيارة التي حاكمت المؤسّسة الإسرائيليّة الموقع أدناه وسجنته إذ كان قاد إليها وفدًا منهم عام 2007).

أوليفانت لورانس الصهيونيّ البريطانيّ ومبعوث حكومة الجلالة البريطانيّة يقضي سنوات في البلاد مستقصيًا، ليخرج بكتابٍ عنوانه: “حيفا – تقارير من أرض إسرائيل”، يجيء فيه على هذه الزيارة عام 1882م ويكتب ما ترجمته: (علامات التعجّب في النصّ من عندي- س. ن.)

“تكشّفت أمام ناظريّ صورة زاهية مبهرة ساعة دخلت هذا الوادي وادي حطّين، الذي كان في هذا الوقت مكان تجمع قادة وكبار الأمّة (!) الدرزية. ففي هذا الموعد من كلّ سنة كانت جموع هذا الشعب (!) تحجّ إلى قبر أهمّ القديسين عندهم. ولحسن حظي حظيت بحق المجيء لأشارك في هذه التظاهرة، وحق كهذا على قدر معرفتي، لم يعط لغريب قبلي.”

وعمّن هو هذا القديس يكتب الكاتب:

“لم أستطع أن اكتشف من هو القدّيس صاحب القبر رغم المجهود الذي بذلته، عدا أنّ البناء مُقام على قبر رجل مقدس اسمه: شعيب. المسلمون يدّعون أنه يثرون حمو موسى. لكنّي عندما سألت الدروز إذا كان موسى قد تزوج ابنة شعيب أجابوا أن هذا اختلاق. أحد يهود البلاد الذي عرف الدروز جيدا قال: الاعتقاد أنّ شعيبًا هذا هو بلعام، وقد رفض الدروز أن يصادقوا على ذلك، لكنّهم يقولون إنّ شعيبًا قد عبر البحر الأحمر مع موسى وبعد موت الأخير أمره الله أن يدفنه وفعل. وبعد ذلك حارب شعيب ملك أدير وتغلب عليه، وكانت نهايته أن قُبر هنا، وهو أبو كل الأنبياء مصطفى الله ولا أكبر منه ولا أقدس.”

ويتابع لورانس:

“كثيرون من الدروز، رجال ونساء، أصحاب شعور بنية، وعيون زرقاء وبشرة فاتحة تمامًا مثلنا، وفيهم غير قليل من الجميلين الأخّاذين”.

ويستطرد واصفًا زوجة شيخهم:

“كانت عقيلته المرأة الأجمل والأكثر أصالة من اللواتي رأيت من النساء الدرزيات. كانت في الرابعة والعشرين، بيضاء الوجه، بارقة العينين ناعمة الجسم، وكلّ تصرفاتها تنمّ عن أصالة طبيعية. الحقيقة تُقال لو أنّها كانت تلبس حسب “الموضة” الأخيرة الباريسية، لبرزت بجمالها الأخّاذ في كلّ مجتمع غربي كان، وبفضل قسمات وجهها ولون بشرتها لا يمكن أن تميّزها عن أيّة امرأة أميركيّة جميلة “.

بغضّ النظر عن أقواله المغرضة هذه وما وراءها وما هي أهدافها (من يريد أن يستزيد فيستطيع مراجعة كتابي: العرب الدروز والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة حتى ال-48 المتوفّر في المكتبات العامّة)، فإنّ الحقيقة التاريخيّة هي أنّ هذه الزيارة لقاء مذهبيّ اجتماعيّ، ولعلّ مشاركة النساء فيها الدليل الأكبر على كنهها، وقد حُوّلت إلى “عيد” في سياق فصل الدروز الفلسطينيّين عن فضائهم الدينيّ والوطنيّ والقوميّ “تعويضًا” عن عيد الفطر.

الوقفة الخامسةوالهبّة الشعبيّة

أذكر جيّدًا وقد كنّا تلاميذ في المدرسة الابتدائيّة، الهبّة الشعبيّة التي انفجرت ضدّ هذه الخطوة السافرة، ولكّنها كما سابقاتها وبدءًا بالهبّة ضدّ التجنيد الإجباري، احتُويت ب-“التي هي أحسن” حسب قاموس المؤسّسة الإسرائيليّة، وليس قبل أن تلقى المؤسّسة الدعم من “قيادات” بين ظهراني الدروز.

بقيت وما زالت بعض القرى العربيّة الدرزيّة وفي المقدّمة “البقيعة” محافظة على العيد بكلّ جوانبه رغم موقف المؤسّسة المعارض وخصوصًا التعليميّة. وبقيت قطاعات ليست قليلة في بقيّة القرى متمسّكة بالعيد تمارس شعائره.

الحقيقة المؤلمة أنّ غالبيّة في الطائفة خضعت للمؤسّسة وغيّب العيد المصطنع تدريجيًّا العيد الأصلانيّ؛ الفطر. وأكثر من ذلك تحوّلت “الزيارة” بتسميتها المستحدثة “العيد” إلى مهرجان سياسيّ لممثلّي السلطة وأزلامها إلى أن بلغ الأمر أن تُشارك فيه فرقة الأقليّات بعرضٍ عسكريّ. بقي ذلك إلى أنّ قاد المرحومان؛ الشيخ فرهود فرهود وعاصم الخطيب (رئيس وسكرتير لجنة المبادرة) الشباب الوطنيّ عام 1974 في مواجهة شرسة في باحة المقام مع المؤسّسة وأزلامها طاردين ممثّلها وزير العمل حينها يتحساك رابين فأوقفت هذه المواجهة المهرجانات السياسيّة. وعام 2014 أفشلت الحركة الوطنيّة للتواصل (لجنة التواصل المعروفيّة وميثاق المعروفيّين الأحرار) زيارة رئيس الدولة حينها؛ شمعون بيرس، على خلفيّة محاكمة المشايخ على زيارتهم إلى سوريّا ومقام النبي هابيل عام 2007.

الوقفة السادسةوالتراجع

الحقيقة المؤلمة الأخرى هو التراجع، فمن راقب الزيارة في السنوات التي خلت وهذه السنة رأى “الحجيج” المؤسّساتي السياسيّ إلى الزيارة تحت حجّة “المعايدة”، ويجيء ممثلّو المؤسّسة “يرفلون” بكلّ المظالم والموبقات التي ارتكبوها في حقّ العرب عامّة والدروز خاصّة وآخرها قانون القوميّة ودون حياء هذا إذا وُجِد أصلًا. ورغم ذلك استُقبِلوا ويُستقبلون بحفاوة شرقيّة عناقًا وتقبيلًا، “بوس لحا” ورغم بواقي الكورونا (!).

القيادات الوطنيّة القوميّة العربيّة الدرزيّة قاطعت هذه الكرنفالات اللهم إلّا أيّام التصدّي حين كان يبلغ السيل الزبى، غير أنّ حتّى هذه المقاطعة بدأت تهتز، وأكثر من ذلك رُحتَ ترى على مواقع التواصل تهانيًا باسم بعض القوى بال-“عيد” وكان أحد كتّابها النشيطين قد لامني كتابيّا علنيّا حين كنت نائبًا في الكنيست لأنّي كنت أقاطع(!). الغريب أنّ قيادات عربيّة وطنيّة راحت تحذو حذو ممثّلي المؤسّسة في السنوات الأخيرة مشاركة الحضور غافلة عن الأبعاد الوطنيّة لمثل هكذا خطوة، غير مدركة ما الأبعاد المترتّبة على هكذا مشاركة على العمل الوطنيّ بين العرب الدروز.

الوقفة السابعةوخلاصة القول  

القضيّة ليست دينيّة طائفية تتعلّق بإيمان هذا أو ذاك أو بنبيّ هذا أو ذاك أو مكان ذاك المقدّس ومكان ذاك، في هذا السياق “كلْ مِن على دينُهْ الله يعينُهْ”، وليبنِ كلّ علاقته السماويّة أو الماورائيّة كيفما يشاء. التهاني بين الطوائف شيء جميل ومكان تقديمها هو خيار، ولكن القضيّة في سياقنا وطنيّة بامتياز ومن هذا الباب، الوطنيّ، يجب على القوى الوطنيّة العربيّة عامّة والعربيّة الدرزيّة خاصّة أن تسلك في كلّ ما يتعلّق بهذا “العيد” الذي تُوُلِّد قيصريّا وعلى أنقاض عيد الفطر.

 

سعيد نفّاع

أوائل أيّار 2022

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*