الطريق الى ادب الأطفال من الإيداع الى الابداع – مصطفى عبد الفتاح

يعتبر ادب الطفل، العمود الفقري وحليب الام الثقافي الذي يجب ان ترضعه لأبنائنا، كي ينمو نموًا سليمًا، يغذي عقله وينمي فكره بالوعي والانتماء الى الشعب والوطن والإنسانية، وكي يقوم البناء الحضاري لمجتمعنا على أسس قوية متينة، ويستطيع الصمود والثبات أمام حالات التّطرف والانزلاق إلى هاوية الرذيلة والسقوط في وحل آفات المجتمع السيئة، فنحن بحاجة الى ادب أطفال يستطيع الصمود امام التحديات، وينجح في خلق جو ثقافي عام، نحن بحاجة إلى تحويل تراثنا الثقافي الغني الى إبداع ثقافي ومنجز أدبي يفتح ذهن الأبناء ويطور حضارتنا كشركاء في صنع حضارة هذا العالم وليس كضيوف عليه ننتظر إنجازات غيرنا.

تقول المربية فتحية عبد الفتاح في مقال لها بعنوان بقعةُ ضوء على قصة “دجاجة دندن” تنبع أهميّة ادب الأطفال كونه اللّبنة الأولى في تشكُّل وبناء شخصية الطّفل من طباع وميول ومعتقدات وأفكار قادرة على الخلق والابداع هذا الطفل الذي سيقود العالم في الغد القريب.

فكاتب ادب الطّفل تحكمه قضايا وحاجات الطفل وهي كثيرةً من تطور نفسي وعقلي وعاطفي والفئة العُمريَّة المستهدفة، القِيم الإنسانيَّة والتربويَّة والوطنيَّة التي يريدُ الكاتب ايصالها مِن خلال تقديم عملٍ فنيٍ متكامل قادر على مخاطبة وجدان الطّفل وزرع تلك القيم في وعيه. فالطّفل يميل إلى ما هو مُمتع ومُثير.

زد على ذلك التَّحديات الكبيرة الَّتي يواجهها الكاتب نتيجةً لانكشاف الطّفل في عالم مُتغير وسريع الإيقاع، على تقنيَّات اتصال متطورة وهواتف ذكية والعابٍ الكترونية وشبكةٍ عنكبوتية.

فلا خيار للكاتب امام كل هذه التَّحديات المُنافسة الَّا مواكبة التغير ليتناسب مع احتياجات الطفل، والتي هي أيضا تغيرت بكل صُورها من ثقافة وسلوك واخلاق وقيم كان يستقيها الطّفل من بيئته ومحيطه الّذي ترعرع فيه، هذه البيئة التي اتَّسعت دائرتها من الأسرة الصَّغيرة الى عالم تكنلوجي واسع مِن المُغريات، ولا سيطرة لنا عليه. فالطفل لم تعد تُغريه قصص السَّاحرات والاميرات والبطلة السَّاذجة التي تنتظر من سيأخذ بيدها.” كي نقوم بتنشئة اجتماعية حقيقية قريبة من بيئة الطفل وحياته اليومية، فتنشأ اجيالًا صحية معافاة اجتماعيًا، بشخصيات مستقلة، واعية، قادرة على تحمل المسؤولية، تستطيع ان تعيد مجدها وفخارها ومكانتها التي تستحقها بين الأمم والشعوب من خلال ابداعها واسهامها في تطور الحضارة الإنسانية، وتكون شريكًا حقيقيًا في الخلق والابداع وليس مجرد مستهلك يقف على ناصية الحضارة ينتظر الفتات من الشعوب الأخرى التي رسمت على علمها راية المجد والحرية والابتكار.

علينا أن ندرس ونذوِّت ونتعلم القواعد والاسس التي يُبنى عليها الابداع الادبي والعلمي والثقافي. يقول عبد الله المجيدل في كتابه سيكولوجيا الابداع ص 20-21 ” إنَّ الابداع يتأسّس في مرحلة الطفولة المُبكرة ولا سيَّما في الحضانة ورياض الأطفال، وأنَّ كل طفل هو مشروع إنسان مُبدع ولديه القدرة الهائلة على إكتساب المعلومات والمعارف وتكوينها وتمثلها، والجذوة اللاهبة للتعلم والابداع، وعلينا أن ننظر اليه على هذا الأساس. ومن هذه الزاوية فإنَّ تنشئة الأطفال على ثقافة الابداع وزرع التَّفكير الإبداعي لديهم كمنهج للتفكير وللتعامل مع مهارات الحياة يسهم إلى حدّ كبير في تفجير طاقاتهم الإبداعية وانعتاقها من مكامنها.”

ونحن في اتحاد الكتَّاب الفلسطينيين الكرمل 48، نقف أمام تحدّ كبير وعلينا تقع مسؤوليات جسام، وشعور عميق يُرافقنا بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا، فأدب الأطفال يسبح اليوم في فضاء رحب، وفي عالم مِن الفوضى الإعلامية والمعلوماتية، يختلط فيه الحابل بالنابل وأحيانًا تضيع البوصلة، وتتوه السفينة عَن مرساها.

أدب الأطفال بحاجة إلى ثقافة عالية ومعرفة عميقة في مجالات العلم كافة، وخاصّة علم النفس وعلم الاجتماع، والتاريخ والجغرافيا ومواضيع أخرى تساعد وتسهم في كتابته بوعي عميق، ومعرفة علمية متطورة، نرسم من خلالها خيوط المستقبل، يقول عبد الله المجيدل في كتابه سيكولوجيا الابداع ص 46 ” الابداع هو قدرة الطفل على التفكير الحر الذي يمكنه من اكتشاف المشكلات والمواقف الغامضة، ومن إعادة صياغة عناصر الخبرة في أنماط جديدة عن طريق تقديم أكبر عدد ممكن من البدائل لإعادة صياغة هذه الخبرة بأساليب متنوعة وملائمة للموقف الذي يواجه الطفل” ومن هنا تقع على عاتقنا ككتَّاب أدب أطفال وكاتحاد كتَّاب أن نبحث ونوجه إلى خلق أدب عميق صادق موجه وإبداعي.

علينا في هذا المؤتمر أن نحاول وأن نعمل على توجيه البوصلة وتحديد وجهة الادب الذي به نريد أن نرقى بأطفالنا وأبنائنا فلذات أكبادنا.

غني عن القول أنَّ أدب الأطفال بحاجة إلى جهد وتفكير ودقة، وفهم عميق وبحاجة إلى ثقافة عالية جدًا لدى الكاتب حتى يتمكَّن مِن كتابة نص يلائم جيلًا معيًنا، وأكاد أقول أنَّه بحاجة إلى كتَّاب متخصصين في هذا المجال، يجب التوقف عن الكتابة بصورة عشوائية تضر ولا تنفع.

ساحتنا الأدبية تشهد على كم هائل من كتب أدب الأطفال، وهذا امر جيد ومبارك، ويدل على رغبة في تطوير وازدهار ادبنا المحلي، ولكن علينا الحذر والانتباه، فقد يكون فيها الادب الجميل الراقي الذي يستحق المطالعة ويستحق القراءة وكاتبه يستحق الثناء، ولكن علينا ان لا ننسى أنَّ هناك أدبًا رديئًا، وقد يكون ضارًا، يجب أن نشير إليه، ويجب أن نقوّمه، وننتقده انتقادا بنَّاءً، لأننا حقيقة بحاجة إلى أدب موجه ومثقف بإمكانه أن يصوب ويعطي أملًا ببناء مُجتمع أكثر نضجًا ووعيًا وثقافة.

وبما أنَّ الأمر صعب ويكاد أن يكون معدوم فالحاجة تتطلب وبسرعة الى معالجة صحيحة ودقيقة بحيث تتضافر الجهود والرَّغبة الصّادقة بصناعة أدب أطفال راق، يستطيع أن يكون في المستوى المطلوب، فهناك حاجة ماسّة إلى إقامة طاقم أو جسم يضم كتاب ادب الأطفال ونقاد هذا الادب، ومتخصصين في علم الطفولة وعلم النفس وعلم الاجتماع حتى يتابعوا النصوص، ويقدموا النصائح والاستشارة والتوجيه الى النصوص الجميلة الدقيقة والتي تفي بالغرض وتخلق جيلا من الأطفال يحب القراءة ويبحث عن الكتاب ويكون جيلًا مبدعًا وقارئًا شغوفًا.

“كتب المقال على شرف مؤتمر ادب الأطفال الأول

لاتحاد الكتاب الفلسطينيين الكرمل 48”

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*