“الفيلم رد فعل طبيعي لما يجري من إسقاطات وعلينا تقبّله، لا يمكن لوم المُخرج والهجوم عليه، وإذا كانت الحقيقة جارحة لهذا الحد يجب علينا أن لا نبقى تحت ابتزازات ورصاص الاحتلال، ما جرى طبيعي وواقعي وهذا أكبر دليل لإحراج الاحتلال. لنحرّر عقولنا قبل واقعنا ولنحرّر كلامنا من الهجوم الجارح.” هذا ما كتبه الصديق الأسير باسم خندقجي حول الزوبعة التي هبّت حول فيلم “صالون هدى” (تأليف وإخراج: هاني أبو أسعد، بطولة: منال عوض – أدّت دور “هدى”، وميساء عبد الهادي – أدّت دور “ريم”، وعلي سليمان، وكامل الباشا، وعمر أبو عامر، وسامر بشارات).
واكبت الحملة العنكبوتيّة الشرسة ضد القائمين على الفيلم، وكلّي قناعة بأنّ غالبيّتهم الساحقة لم يشاهدوا الفيلم بتاتًا، ومن متابعتي وصلت لنتيجة مفادها أنّه تمّ اجتزاء مشهدًا أو اثنين يتضمّنان مشهد عري وتعميمهما على أنّهما يمثّلان الفيلم، لحاجة في نفس يعقوب وجعلتني أتساءل: من يقف وراء الحرب الشعواء ضدّه وما مصلحته؟
شاهدت الفيلم وقرّرت أن أدلي بدلوي بُعيد هدوء العاصفة، بعد ما “راحت السكرة وإجت الفكرة”؛
تدور أحداث الفيلم عن هدى الفلسطينيّة، صاحبة صالون نسائي، أسقطها الشاباك (جهاز المخابرات الإسرائيليّة) لتصير عميلة تعمل لصالحه ضدّ أبناء شعبها، ماريونيتا ودمية يسيّرها مشغّلها محاولة تجنيد نساء أخريات من زبوناتها بعد تخديرهن وتصويرهن عاريات إلى جانب رجل عارٍ ليبدو للوهلة الأولى أنّهما يمارسان الجنس، ليقوم زلم المخابرات باستغلال تلك الصور للابتزاز وحربه ضد المقاومة، بواسطة وكلاء محليّين لزرع بذور الفتنة مما يؤدّي الى التَّصفيات تصل ذروتها وحشيَّة حين نشاهد صَبّ البنزين على العميل وحَرقه.
ريم، إحدى ضحايا هدى ومشغّليها السفلة، أم لطفلة، يتم تخديرها وتصويرها عارية، وكأنّها تمارس الجنس، في محاولة قذرة لإسقاطها كغيرها، تقع في دوّامة بين محاولتها تبرئة ذمّتها أمام أهلها والمقاومة وبين الوقوع في فخّ المخابرات، بين التعاون ونشر صورها الفاضحة، وتفكّر بالانتحار كمخرج آمن.
يصوّر الفيلم الصراع بين المخابرات والمقاومة في حينه، صراع سيظلّ حتى زوال الاحتلال، لأنّ المخابرات تحاول جاهدة تجنيد العملاء لاختراق صفوف المقاومة، بشتّى الوسائل، ومنها تجنيد ضعفاء النفوس، وخاصة من بين النساء المستضعفات.
من خلال تواصلي مع أسرانا في السنوات الأخيرة سمعت الكثير عن تلك المحاولات البائسة للاختراق الأمني، وبعضهم تناول بجرأة قضيّة الاختراق الأمني والعمالة للاحتلال، كما فعل الأسير حسام شاهين في روايته “زغرودة الفنجان”، والأسير هيثم جابر في روايته “الشهيدة” والأسير معتز الهيموني في روايته “سراج عشق خالد” حيث تناولوا عمليّة الإيقاع بالعملاء والموارد التي يستغلّها المحتل من أجل ذلك؛ بداية منح بطاقة الامتياز السحريّة والتصريح المفتوح والدائم، ورجل المخابرات يتباهى بكثرة العملاء والمخبّرين الذين يشغّلهم، ومنها إلى الابتزاز الجنسي القذر، وفبركة أفلام جنسيّة إباحيّة كي تتم السيطرة على الضحيّة وتجنيدها بطريقة سلميّة آمنة، ويصير هو الضحيّة وكالمعجون في يد مشغّله، مثل (السلايم) كما تقول حفيدتي، وهكذا يتم اصطياد الكثير من العملاء وتجنيدهم والإيقاع بهم ويصيرون لقمة سائغة يفعلون ما يُطلب منهم ضد أبناء جلدتهم ويصيرون كالماريونيتا (الدمية في مسرح الدمى).
الفيلم ليس بوثائقي، بل جاء في مقدّمته أنّه مستوحى من أحداث واقعيّة، وهكذا يجب التعامل معه، ومشهد تعرّي ريم مشهد هامشيّ عابرـ جاء ليعطي نموذجًا حيًّا لما يجري بعيدًا عن الإباحيّة، فلم يصوّر جميع النساء بعري فاضح، ليهزّ مشاعر المشاهد ويبئّر الصورة حول ضحية مسكينة مغتصبة جسديًا ونفسيًا يحاولون توريطها بعد تخديرها رغما عنها.
يحاول الاحتلال ومخابراته كسر شوكة المقاومة وابتزاز اعترافات المعتقلين عبر إحضار الأخت أو الزوجة أو الأم ومحاولة تعريتها أمامه، أو التحرّش الجنسي بها أو عرض فيلم، مفبرك على الأغلب، يُظهرها عارية في محاولة بائسة في تلك الحرب الدائمة، وعلى الأغلب دون جدوى.
تركنا الاحتلال وموبقاته ورحنا نحارب عري ريم، أغمضنا أعيننا عن العري اليومي لعوراتنا عبر اغتصاب مستمر للأرض والوطن وبتنا نحارب هدى وصالونها، نسينا عوراتنا المكشوفة ليل نهار وبتنا نتلصّص على عري ريم وعورتها!
أثار مقطع مجتزأ من الفيلم كثيرًا من الجدل ولكن المؤلم والمؤسف أنّ هذا الجدل جاء ممّن لم يشاهدوا الفيلم، بعد سماع ردود فعل شعبويّة غير موضوعيّة تمشيًا مع رغبة القطيع.
رحم الله الكاتب والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه المعروف بفولتير المتوفى عام 1778: “لا أوافق على رأيك، لكنني مستعد للموت من أجل حقك في التعبير عنه”. والفيلم وِجهة نظر. لا بدّ أنه يتململ في قبره لسماع خبر العاصفة والزوابع التي تهبّ في ديارنا بطرقها لحرق هدى وصالونها!