متنفَّس عبرَ القضبان (49) حسن عبادي/ حيفا

 

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

شاهد على محاكمة القرن

انعقدت يوم الثلاثاء 15.02.2022 الساعة الثالثة بعد الظهر  في المحكمة العليا في مدينة القدس الجلسة رقم 168 وبطلها الأسير المعتقل محمد خليل محمد الحلبي. حضرت الجلسة بعد تواصل مع والده وكممثّل عن التحالف الأوروبي  لمناصرة أسرى فلسطين، وترافقني صورة ابنته الطفلة ريتال، وتغريدة جاء فيها: “هذا الصباح أبكت كل أخواتها ووالدتها عندما  قالت فجأة : والله انسيت ملامح ابويا)… فحملت صورته وبكت الصغيرة”!

اعتقل محمد يوم 15.06.2016 ومحاكمته في مركزيّة بئر السبع ما زالت مستمرّة مذّاك، جلسة تلو الأخرى في درب الآلام، وهدف النيابة ابتزاز اعترافٍ ما، ولكنّه قرّر ألّا يساوم على الحقّ، وحين “فاوضته” النيابة العامة والمحكمة على إطلاق سراحه شريطة أيّ اعتراف رفض تلك المساومة البائسة التي هدفها تبييض وجه الاحتلال وأجهزة مخابراته.

أزاول مهنة المحاماة منذ عام 1984 وترافعت آلاف الجلسات، ولكن هذه الجلسة كانت مغايرة؛ تواجدت في قاعة المحكمة كشاهد عيان، استبسل محاميه ماهر حنا في دفاعه، وبالمقابل حضر ممثّل النيابة باستعراض شعاراتيّ واعترف بصريح العبارة أنّه غير مطّلع على حيثيّات الملّف، فالجلسة صوريّة لتثبيت أمر الاعتقال (وهذا من صلاحيّة المحكمة العليا فقط لطول فترة الاعتقال) وتاريخ إصدار الحكم لا يلوح في الأفق القريب.. ومحمد يعاني وحده خلف القضبان في زنازين ريمون الصحراوي.

ممّا يثلج الصدر صمود محمد وابتسامته في مواجهة المحكمة وحضور حوالي عشرين متضامنا أوروبيا قدموا لتأكيد دعمهم لمطلب إطلاق سراحه.

بعد انتهاء الجلسة شكر محمد كل المتضامنين وثمّن غاليًا دور التحالف وجهوده وخاصة لتدويل قضيته وإيصالها إلى مسامع الرأي العام الأوروبي والمحافل الدوليّة.

يؤمن محمد أنّ اعتقاله ومحاكمته هدفها وأد العمل الإنساني ووقف المساعدات الدوليّة التي تشكّل الرئة الوحيدة لتنفّس الأهل في غزة.

هذا وأصدر التحالف بيانًا أكّد فيه ” أنّ هذه الممارسات الإسرائيلية خارجة عن كل القوانين والأعراف الدولية وإنما هي محاولات متكررة للاستمرار باعتقال الأسير لعدم وجود إثبات قانوني للتهم المزورة بحقه. ويطالب التحالف بإطلاق سراح الأسير البطل فورا ليعود إلى أطفاله وعائلته وأبناء شعبه.”

لك عزيزي محمد أحلى التحيّات، على أمل باحتضان خليل، وعاصم، وعمرو، وريتال، وفارس قريبًا،  والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.

كونسيرت عزف البيانو

بُعيد نهاية محاكمة محمد توجّهت إلى بلدة شعفاط لسماع كونسيرت عزف على البيانو في بيت “الفنّان” ناصر الدين صبحي أبو خضير، وكان اللقاء معه مغايرًا؛ ففي لقائنا السابق التقيته في معتقل مجيدو سيئ الصيت، عبر القضبان، حيث زرته لأستمع لعزفه على البيانو تلبية لتوصية كميل! فضحك حينها بصوت عالٍ قائلًا: “عِمِلها كميل….؟!”

ها هو قد تحرّر من اعتقاله الإداري المتكرّر، ولكنّه تحت الإقامة الجبريّة فممنوع من التحرّك بحريّة، والقيود كثيرة وثقيلة، ما زال يعاني من حالته الصحيّة (أُصيب بانفجار عبوة ناسفة يوم 31.03.1981 أدّت لبتر أجزاء من أصابعه وأجريت له عشرات العمليّات الجراحيّة، في الوجه والأنف والعينين) ومحروم من العلاج الطبّي.

أسمعني سيمفونيّة بطعم آخر؛ تحدّثنا الكثير عمّا يدور في ملعب الحركة الأسيرة، عن سجنه في نفس القسم مع محمد الحلبي، وعن الخذلان من التعامل مع ملّف الأسرى وفقدان البوصلة، والمال السياسي وأثره على إجهاض العمل الوطني وتقهقره، وعن أدبيّات الحركة الأسيرة وأهميّتها.

لك عزيزي ناصر أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا على بلكون الحريّة في حيفا بصحبة كميل والشيبون وغيرهم من الأصدقاء المشتركين لتُسمعهم عزفًا حيًا على بيانو حقيقي.

القدس/ حيفا  شباط 2022

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*