بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
“شمس في الزنزانة”
التقيت صباح اليوم، الاثنين 31.01.2022، في باستيل الدامون بالأسيرة المقدسيّة أماني خالد حشيم، أطلّت مبتسمة تلك الابتسامة العريضة، لتخبرني أنّها كانت مصابة بالكورونا وتعافت وكلّ الصبايا “طلعن من الكورونا” وفُتح القسم صباح اليوم.
عبّرت عن فرحتها لصدور كتابها “العزيمة تُربّي الأمل”، وانفعالها لسماع نبرة صوت والدتها عبر الإذاعة حين زفّت لها بشرى صدوره، وكذلك ردّ فعل زميلات الأسر، وخاصّة عفويّة ملك التي بادرت قائلة لها حين سماع التقرير حول صدوره: “مبسوطة لك وفخورة بك، لأنّك أوّل أسيرة بطلِّع كتاب وهي خلف القضبان”.
كما وأعربت عن سعادتها لسماع أصداء صدور الكتاب والتقارير حوله، وما كتبه الناقد رائد الحواري والروائي مصطفى عبد الفتاح.
وجّهت شكرها لكلّ من ساهم في إصدار الكتاب، وخصّت بالذكر سوسن حج محمد على طباعة المخطوطة، الكاتب فراس حج محمد على الإعداد والتحرير والفنّان ظافر شوربجي على تصميم الغلاف والكتاب.
أخبرتها عن حفل عيد الميلاد الجماعي من ترتيب “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” الذي سيشمل أيضًا الاحتفال بعيد ميلاد أحمد وإصدارها.
أعربت عن رغبتها بندوة حول كتابها ضمن مبادرة “أسرى يكتبون” لتفخر به أمام خالها أشرف وأستاذها د. محمود خلف.
حدّثتني عن نادي القرّاء في الدامون؛ الكتب للحلقات القادمة: “رسائل إلى قمر” لحسام زهدي شاهين، “أسرى وحكايات” لأيمن الشرباتي (المواطن) و”منارات في الظلام” لحسن الفطافطة.
حدّثتني عن مشروعها القادم “شمس في الزنزانة”.
“فراق دون وداع”
بُعيد لقائي بأماني أطلّت عليّ الأسيرة المقدسيّة إيمان نعيم الأعور، وحين وصلت الممرّ بادرت قائلة: “كان عندي إحساس إنّك جاي اليوم تخبّرني عن إمّي”؛ هات خبّرني التفاصيل. “رسالة ابنتها هيام: هي توفت وهي بالبيت الساعة ١٠ ونص بالليل، جلطة فجائية، وتوفت بسرعة. صلّت كل صلاتها وتترضى ع الكل وتدعي لأمي وتقول بدها تحنّي شعرها بس تطلع من السجن وكانت منيحة وعندها اختها أمل طول نهار وقالت بالليل بدي أنام وتوفت مباشرةً بعد ما قالت بدي أنام”.
حدثّتني عن والدتها (التي كانت حاضرة وروحها كلّ اللقاء، رحمها الله)، كيف كانت تخيط الأعلام على مدار الساعة خلال الانتفاضة الأولى، تحضّر سلّات الأكل للشباب، تأمّن المأوى والمخبأ لشباب الانتفاضة، تهتمّ بكلّ صغيرة وكبيرة، تشجّع الأبناء والأحفاد ليتّخذ كلّ منهم دوره ولا يتقاعس، حتى بعد استشهاد ابنها واعتقال الأولاد والأحفاد، خنساء من خنساوات فلسطين.
خبّرتني “حلمت بأمّي قبل أربع ليالي(ليلتان قبل وفاتها)، حضنتني كعادتها وشمّيت ريحتها وصحيت ع الريحة، مش متخيّلة أزورها في التربة”.
حدّثتني عن فكرة تختمر في ذهنها، كتاب عن أمّها نعيمة ودورها.. ووالدها نعيم.
كم هي بحاجة لصوت وصورة أخوتها في هذه الساعات، ولو عبر شاشة التلفزيون، وهذا أضعف الإيمان.
ما أصعب فقدان قريب وحبيب، دون وداع، وأنت خلف القضبان.
طلبت إيصال شكرها لكلّ من عزّاها بوفاة والدتها.
“كعك في السجن”
بعد انتهاء لقائي بأماني وإيمان أطلّت نورهان إبراهيم خضر عواد (مواليد 1999 ومعتقلة منذ 23.11.2015!!) ضاحكة، لتخبرني أنّ اليوم عيد للأسيرات، كانت مصابة بالكورونا مع 14 أخريات من زميلاتها والكلّ معافى واليوم تمّ فتح القسم واللقاء الأوّل لهن مع محامي منذ العاشر من يناير، على حدّ قولها.
حدّثتني عن غرفة 11 وعلاقتها بها، ارتبطت بها وعزّ عليها فراقها، وعن العدد المقيت وطقوسه (أربع مرّات في اليوم) وعن التعلّم في الأسر.
نورهان تواظب على القراءة بالعبريّة، وتنمّي مواهب الطهي وصناعة الكعك مع المواد المُتاحة، الطحين ممنوع في السجن فلجأت لطحن “بسكوت الشاي” لكعكة البرتقال/ الليمون/ الجزر، وأخبرتها عن مشروع كتاب الصديق عبد الكريم زيادة حول الطبيخ في السجن فرحّبت بفكرة أن يكون مشتركًا حيث تكتب عن صناعة الحلويّات في السجن.
سلبها الطفولة وحرمانها من شبابها، هي زنبرك السجن، لم يُحبط عزيمتها وابتسامتها وأملها بغدٍ مشرق آملة بحُريّة وغدٍ أجمل لفلسطين.. ولها.
لكُنّ عزيزاتي: أماني، إيمان، نورهان، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.
كانون ثاني 2022