متنفَّس عبرَ القضبان (47) حسن عبادي/ حيفا

 

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

“سلام لكلّ من يفكّر للحظة بِنا”

التقيت صباح الخميس 30 كانون أوّل 2021 في سجن الدامون، قلعة في أعالي الكرمل السليب،  بالأسيرة إسراء رياض جعابيص مبتسمة لتوصل سلامات زميلاتها في الأسر، أوصلتها سلامات الوالدين ومعتصمها، طمأنتها على تخت تيماء وعرباية ملاك، وبدأت تحدّثني عن أحداث القمعة الأخيرة والاعتداء السافر على الأسيرات، والتغييرات داخل السجن، والعقوبات، والأسيرات الجديدات (إم ليث، عُبادة، عبير الرجبي، سعديّة الخليليّة، نفوذ القاصر “وردة القسم”).

تحدّثنا عن وضعها الصحي، والمماطلة في العلاج، والإهمال الطبّي و”تأمين الأسير”. الأمور في المعتقل من سيّئ إلى أسوأ وتطالب بالعلاج، “بدنا معيشة كريمة، لا غير”.

قرأت على مسامعي “كلمة أسيرة” ترغب في أن يقرأها سامر في برنامج “عمالقة الصبر” وجاء فيها:

“نحن الشامخون كالجبال نمضي سنين من أعمارنا في قبور وزنازين، نُبجّل ونُقدّر الحريّة ونستميت في التضحية لأجل أن يحيا الآخرون في سلام، ولأجل الأرض والعرض قدّمنا التضحيات.

ضحّينا للدفاع عن حقوق شعبنا، قد غاب عنّا، ونحن ما زلنا ها هنا قابعين، نُحاول أن نتناسى وجودنا عبر كتمان الألم والمعاناة متظاهرين أنّ المشقّة والمتاعب والمخاوف ستزول، ولكن عبثًا، نحن الأحياء في قبور أسّسها السجّان لتكون وِفق استطاعتنا في تحويل هذه القبور إلى جنان، نهرب من واقع الضجر إلى واقع الأحلام لنبني ونؤسّس جنّة الصمود”.

أخبرتني عن عقوبات الزيارات والكانتينا والترميم المزعوم في غرفة اللقاء بالأهل.

تناولنا كتاباتها وإمكانيّة إصدار قريب لها.

بعثَت سلاماتها لأم يافا، وسلام كنعان ومُنى.. ولكلّ من يفكّر للحظة من وقته بنا.

 

“قمعة قويّة ومعنويّات أعلى”

بعد لقائي بإسراء أطلّت الأسيرة ربى فهمي عاصي عبر ممرّات الدامون تلازمها ابتسامتها الشقيّة، وبعد التحيّة أمطرتني بوابل من التساؤلات عن الوضع خارج السجن بعد القمعة الأخيرة وكيف كان التعامل معها.

طمأنتها عن العائلة وأوصلتها سلامات والدتها القلِقة عليها لتخبرني أنّ الوضع استقرّ، والكانتينا مجمّدة كعقاب، حالها حال زيارات الأهل.

حدّثتني أنّهن سمعن أم يافا على راديو “فلسطين” و”أجيال” يوم الجمعة ممّا رفع من معنويّاتهن. تحدّثت عن التنقّلات والتغييرات المستمرّة وتطبيق قرار المحكمة بالنسبة للمساحة المسموحة لكلّ أسير.

الصراع مع الإدارة مستمرّ لتعود شروق نائبة لمرح كممثّلة للأسيرات رغم أنف السجّان، وملك تنوب عنها مؤقّتًا. ضايقهن عدم تمكّنهن من مشاهدة البث على شاشة تلفزيون فلسطين بسبب القمعة (فقرة الأسيرات المقدسيّات – مع الأهالي) ووعدتها بالتواصل مع كرستين ريناوي لبثّه من جديد.

الوضع الأخير كركَب الأمور لكن رغم أن القمعة قويّة فالمعنويات أعلى.

تتوق للحياة الحقيقيّة وحياة الجامعة وممرّاتها … ولمّة الكافيتريا.

علّمها السجن الكثير الكثير واستفسرت إن حضّرت لها أعمال الأسير كميل أبو حنيش الكاملة كما وعدتها كهديّة تحرّرها؟ قرّبت! فأجبتها أنّها تنتظرها مع إصدارات الأسرى الأخيرة؛ منذر، أحمد، ناصر، ثائر، أيمن، أمجد، قتيبة، أسامة، معتز، وغيرهم.

“مشتاقة للياسمينة”

بُعيد لقائي بإسراء وربى، أطلّت الأسيرة المقدسيّة شروق صلاح دويات، ضاحكة ضحكة واثقة، نقلت لي سلامات زميلاتها، وبادرت تحدّثني عن فترة العزل في الجلبوع برفقة مُنى، أحلى فترة منذ أسرها حيث تمتّعت بجمال البلاد؛ شافت السماء والجبال والخَضار والعصافير.. والغروب دون شبك وقضبان، تمتّعت بالسماء الحقيقي!

فرحَت حين أخبرتها بأن آلاء استلمت وظيفة جديدة، ورغبتها بأن تعيّد على أخيها أحمد (من أول الشهر بحكي لحالي، عيد ميلاد أخوي هذا الشهر) ومشتاقة لوسام وصلاح وزايد والعائلة وبدها تسمعهم  دائمًا ع الراديو لتطمئن عليهم.

حدّثتني بعفويّة عن طقوس “تشميس الشعر” من ضوء الشمس الذي يخترق طاقة زنزانة رقم 11 التي أُغلقت وكانت محورًا أساسيًا من مسبّبات القمعة.

حدّثتني عن الطيور المهاجرة حين تعبُر فوق السجن، يصير منع تجوّل اختياري لمشاهدتها لتتساءل بينها وبينها: “هل مرّت هذه الطيور بأهلي وببيتي وحارتي؟ هل مرّت من فوق ياسمينتي؟”. تتوق لعناق شجرة الأسكدنيا والمشمشة (والفرع الداخل للمطبخ و”سرقة” الحبّات الخُضُر) والياسمينة في حاكورة بيتها وخوفها أن يقصّ أهلها الياسمينة قبل تحرّرها!

خبّرتني عن الشنطة الجاهزة مع أواعي الترويحة حين سماعها بمفاوضات التبادل وجاءتني بقجة الأهل في الشتات بانتظار العودة المشتهاة.

وعدتها بزيارة حاكورتها فقالت بعفويّة: “بعد ما نوكل السمكات على شطّ بحر حيفا”.

عزيمتها تعانق السماء.

فترة العزل قوّتها وجعلتها تخلط الأوراق من جديد، وأغلقت دائرة مفتوحة في درب الحريّة.

لكُنّ عزيزاتي: إسراء، ربى، شروق، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.

كانون أوّل 2021

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*