(توفي يوم الثلاثاء 14.12.2021)
قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
“وَلِكُلِّ أُمًّةٍ أجَلٌ فَإِذا جَاءَ أجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمونْ ” (سورة الأعراف 24).
وَقالَ تَعالَى:” يَا أَيَّتُهَا اٌلنَفْسُ اٌلمُطْمَئِنَّةُ ارجعي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَاٌدْخُلِي فِي عِبَادِي وَاٌدْخُلِي جَنَّتِي “. (سورة الفجر 30).
وقال تعالى:
“كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ“ (سورة الرحمن 26- 27)
صَدَقَ اٌللهُ اٌلعَظيم
بهذه الآيات الكريمة نعزّي أنفسنا بوفاة الصديق الغالي أبو نزار، والحمد لله فقد أنعم عليه الباري بالعمر المديد الذي جاوز التسعين، وبالحياة العريضة التي تمثّلت بإنتاجه الأدبيّ الثريّ الضخم، فقد بلغ عدد كتبه أكثر من 135 كتابًا، بالإضافة إلى عشرات النصوص الأدبيّة التي تقبع في أدراج خزائن بيته العامر تنتظر أن ترى النور!
واليوم، تغمرني مشاعر الحزن العميق على رحيل الصديق الوفيّ أبو نزار، والأديب المعطاء الذي كرّس سنوات عمره للبذل والعطاء لمجتمعه ولأمته وللإنسانية جمعاء!
وأبو نزار كما يقول عن نفسه: “أنا فلّاح وابن فلّاحين أُجَراء، وكلّ شيء كنتُ أواجهه بصورة تلقائيّة، وإن كان ذلك بحرص الفلّاح وجلده، راضيًا” – (المرايا 2: 107.)
عرفت أبو نزار قبل أكثر من أربعة عقود، عرفته إنسانا شهما متواضعًا كريمًا مضيافًا حسن المعشر، وأديبا يضطلع برسالة إنسانيّة سامية.
كنّا معا في هيئة تحرير مجلة الأطفال والفتيان “مجلّتي”، كذلك شاركنا معا في لقاءات وأيّام دراسية ناجحة مع جمهور طلابنا الأحباء في مدارسنا العامرة، وكان يقوم بذلك تطوّعًا بلا مقابل، بل ويحضر معه مجموعة من كتبه هديّة للطلّاب!
واستمرّت علاقتنا الحميمة تتوطّد، كنّا نتبادل الزيارات البيتيّة والمشاركة بالأفراح العائليّة..
عمل أبو نزار في تربية الأجيال معلّمًا ومديرًا 33 عامًا حتى خروجه للتقاعد المبكّر ويتفرّغ لرسالة الأدب والإبداع، ويكتب بغزارة للكبار وللأطفال، ولكني سأقصر حديثي على إنتاجه للأطفال والفتيان.
آمن أبو نزار برسالة الأدب في غرس القيم والمثل الأخلاقية الخيّرة، ولكن بصورة فنيّة بعيدا عن الوعظ والتقريرية المباشرة.
واليوم، ونحن نعيش هذا الزمن الرديء، بكل ما نشهده من مظاهر العنف والفساد والانحلال والنفاق...، نعم في هذا الزمن الرديء الأغبر، ما أحوجنا لأصحاب الضمائر الحيّة، ولأدب إنسانيّ ملتزم، وهذا ما نجده في أدب “أبو نزار” للأطفال!
أذكر كيف خوّلني أبو نزار مهمّة اختيار ما يروق لي من قصص خطّها يراعه لتنشر في كتاب للأطفال، وكانت ثمرة هذا التعاون إصدار كتاب “المشروع” عام 1987.
ثم تلا ذلك إصدارُ كتاب “الشيطان الأزرق” عام 1990.وقد كان لي شرفُ كتابة مقدّمة لهذين الكتابين!
بعدها، وبدافع تقديري وحبّي لإنتاج أبو نزار للأطفال، قمتُ بإعداد أكثر من دراسة حول هذا الإنتاج نشرت في مجلّات راقية!
وسأحاول في هذه العجالة أن أقدّم بعض النقاط والأفكار التي كتبتُها في تلك الدراسات:
- وجدت أن “أبو نزار” في قصصه للأطفال يجمع بين موهبة الأديب المبدع وبين مسؤولية المربّي المتنوّر.. فإلى جانب إمتاع قرائه الصغار وتسليتهم، كان يهدف إلى غرس المثل والقيم الإيجابية الخيّرة. فأبو نزار يصبو إلى تحقيق مجتمع تسوده قيم المحبّة والتسامح والاعتماد على الذات، وفيه يتمّ التآلف والوئام بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبينه وبين الطبيعة الأم بعناصرها ومظاهرها. (برزت في قصص أبو نزار القيم الاجتماعيّة والإنسانيّة والذاتيّة والمعرفيّة والوطنيّة والقوميّة!).
- برزت في قصص أبو نزار “النكهة” المحلية، فهو يستمدُ موضوعات وأحداثا وشخصيات من بيئتنا الفلسطينية المحلية (في عهد الانتداب البريطانيّ وبعد رحيله).
- لمستُ في قصص أبو نزار للأطفال محاولة جادّة لمراعاة القدرة اللغويّة لقرائه الصغار، والتقرّب من قاموسهم اللغويّ الشائع، وقد “يطعّم” كتابته، أحيانا، بألفاظ وتعابير مستمدّة من لهجتنا المحليّة الدارجة، والعديد من الأمثال الشعبيّة والحكم. ومع ذلك، نجد أبو نزار يستخدم في قصص عديدة (في السرد والحوار) ألفاظا وتعابير كلاسيكيّة عالية قد تعيق القراءة العفويّة المنسابة لدى الصغار!
- وأخيرا أقتبس من مقدمتي لكتابه “المشروع”…” بالرغم من ذلك – استعمال اللغة العالية والتطرّق لبيئة بعيدة عن أيّامنا – نحسّ أن الكاتب مصطفى مرار كان صادقا مع نفسه ومع طفولته ومع ذكريات تلك الطفولة، وجمع بين مسؤوليّة المربّي والأب الحاني، وبين إحساس الفنّان المرهف، وهذا ما يجعل تلك القصص قريبة ومحبّبة إلى نفوسنا ونفوس أطفالنا”.
وأخيرًا نقول: تغمّد الباري بواسع رحمته المرحوم الصديق الأديب أبو نزار، وأسكنه فسيح جنّاته، وألهم أهله ومحبّيه الكرام جميل الصبر والسلوان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. محمود أبو فنه- كفر قرع