قصة – الرُّعاف –  بقلم : سليم أنقَر

                            

10/2/2021

الطيبة المثلث                          

شفيق رجل تجاوز منتصف العُمر، يشكو ضعفاً في أنسجة الأنف.                                                   وكلما جاء الصيف واشتدَّ الحرُّ

يُصبح عُرضةً للرعُّاف، فيصيبه طفح أنفي وتَسيل الدّماء من أنسجة انفه بغزارةٍ،  وهو يعرف ضَعْفَهُ هذا، وَيحتاط لنفسهِ بملء جيوبه وكابينة سيارتهِ باوراق التَجفيف القطنّية.

جاء هذا الصيف، والتنَّقل ممنوع، والناسُ محشورون بتهديد الخوف من الكورونا.

وفي يومٍ من أيامه الحارَّة والوقت ضحى، ارتدى شفيق ثيابة واستعد للخروج بسيارتهِ الخاصة الى ” السوبر ماركت ” القريب لِشراء حاجات البيت.   وَإِذ بالرُّعاف يفاجئه. شعر بدوار في راسه وبضغط في الأنف. ثم تفجَّر نسيج انفه المخاطي بدماءٍ غزيرة.

اسرع بأوراق التجفيف يضعها على انفه، فَتمتلِئ دَماً فيلقيها في سلة المهملات ويبدلها بأُخرى نظيفةٍ، فتمتلِئ الأوراق الأُخرى دماً وهكذا ظلَّ يلقي بالأوراق المشبعة بالدماء في سلة المهملات ويبدلها بأُخرى نظيفة حتى نفذ ما عنده من الأوراق. وظل أنفه يطفح بالدّماء.

تناول ما عنده من مناديل لمسح اليدين وتجفيفها. صار يستعملها لتجفيف الدماءِ، فامتلأت دماً والرُّعاف لم يتوقف، فأخذ ما أمْكَنَه من قطع قماش نظيفة من البيت واستعملها لتجفيف انفه.

وَبَدلاً من ان يصل بسيارته الى” السوبرماركت “، وصلَ بها الى عيادة صندوق المرضى في حَيهِ القريب في البلدة.

كانَ بدون كَمامَة واقيةٍ من ” الكورونا ” وكان يضع قطعة قماش على انفه، فتطفحُ بالدماءِ.

فيحشوها في كيسٍ بيدهِ ويبدلها بقطعة قماشٍ أخرى نظيفة يتناولها من كيس آخر بيده الأُخرى.

تقدم من موظفة الاستقبال وتعيين الأدوار للعلاج، ويدُهُ تضع قطعة قماش على انفهِ، طلبَ منها دوراً مستعجلاً لطبيب الأنف لينقذه من هذا الرُّعاف الشديد فيوقف تدفق الدم من انفه، ويخلصهُ من هذهِ المعاناة.

لكنّها لم تمهله لِيكمل كلامه ويطلب حاجته، فقاطعته:

– أولاً اُخرج من العيادة وارجع اليها بكمامة واقيةٍ من الكورونا.

فقالَ بلهجةٍ مُستَعطِفة :

– ما عندي كورونا، انا مُتأكد، كل ما عندي الرُّعاف الشديد. يصيبني دائماً كلما اشتد الحرّ، وأضاف متوسلاً :

– وحياة ابوكِ – انا تعبان كثير ودايخ من كثرة ما نزف الدم من انفي، اعطيني دور مستعجل يمكن الدكتور يريّحني ويقطع الدم.

لكنها لم تكترث لحالهِ وَلِضعفه واجابته بلهجة حاسمة:

– لا أقبلك … ارجع والبس كمامة مثل الناس الّلي هون.

– انا تعبان وبقدرش أحُط كمامة على أنفي، باشعُر انّي بَنخنِقْ. والدم بِغَرقها وبسيل على قميصي !

– يمكن انت مُصاب بالكورونا .. وانا ما بعرف, وبعدين انت تعدي الناس اللي بنتظروا على الدور..! ، هذا مليح؟!

– يا عمي صدقيني .. !، انا بجيل ابوكِ .. لو كُنت مُصَاب بالكورونا ما جيت هون .. كان زماني في المستشفى.

– وشُّو عَرّفك؟ يمكن انت مُصاب وما بتعرف، وبعدين تنقل العدوى لغيرك !                                                     هذا مليح ..؟ هذا يرضيك ..؟.

وحاولَ شفيق أن يستعطفها اكثر لِتفهمه وتصدقه، وتقبله للعلاج. لكن كل محاولاته فشلت.

وتَدَخّلَ المرضَى المنتظرون ادوارهم للعلاج فساندوا الموظفة بالضغط عليه.

– قالت لك روح ألبس كمامة وتعال. روح البس كمامة وتعال. لليش العِناد؟ مِثلك مثل باقي الناس .. !

فَتَوسَّل اليهم :

– يا ناس يا عَالَم! أنا وضعي الصحي غير… أنا بَنِخْنق والدم بارجع لزوري وصدري، اذا سَدّيت أنفي، .. بقدرش، مش قصدي عِناد واهمال.. بعدين – وحياة الله – ما عندي كورونا، ما تخافوا.

لكن الناس والموظفة ضغطوا عليه وارجعوه لِيلبس كمامة الكورونا.

 

فَخَرج من عيادة الأنف والحنجرة، وضع على انفه قطعة قماش، واحتاط على كمامةٍ يضعها على انفهِ لوقتٍ قصير حينما يدخل غرفة الطبيب.

لكنه اضطر الى ان يذهب الى طبيب العائلةِ لِيحصلَ منه على شهادةٍ انه مُعافَى من وباء الكورونا، حتى يقبل في عيادة الطّب الخاص للأنف والحنجرة، لعَلَّه يحصلُ على وَصْفَةٍ طبيّةٍ ترشدهُ كيف يتصرف أيام الحرّ الشديد فيتقى الرُّعاف قبل ان يُصيبُهُ، فَينجوُ منه نهائياً، بدون علاج وبدون ” وجع راس ” .

وَضعَ على أنفه الكمامةَ وطلب دوراً مستعجلاً للطبيب، والدم يلطخ كمامة الكورونا.

عطفَتْ عليه الموظفة الرقيقة فادخلته للطبيب راساً.

كتبَ لهُ الطبيب دواءً مستعجلاً يوقف الرُّعاف مؤقتاً.                                                                                      لكنه لا يقضي على مرضه ولا يعالج ضعفَ أنفهِ نهائياً.                                                       ولكي يتخلص من حالة الرعاف التي تفاجئه بشدَّةٍ، ويقضي عليها قضاءً نهائياً، عليه التَّوجُه لطبيب الأنف والحنجرة المختص. فيفحصه فحصاً دقيقاً شاملاً ويطلب منه التزوُّد بصورةٍ للأنف وانسجته بواسطة اشعة رنتجن أو بواسطة جهاز التصوير     سي تي (CT) بالأشعة.

بعد ذلك يمكنه وصف دواءً وعلاجاً ناجعاً حاسماً يقضي على الرُّعاف الذي يصيبك ونَظرَ طبيب العائلة لحالِهِ والدماء تغطي الكمامةَ وقطعة القماش، وهو يَسعُلُ لِضيقِهِ ولأنها تسَرَّبَت الى حلقِهِ.

فقال:                                                                                                                        – لكن قبل كل شيء يجب أن تحصل على شهادة من مختبر فحص الكورونا، تؤكد أنك خالٍ من الكورونا، لأنَّك لو دخلت غرفة الطبيب وأنت تسْعُل والدماء تلطخ أنفك ووجهك، وبحالةِ دوخان وضعف، فإنه يشك بأنك مُصاب بالكورونا، ولا يقبلك ولا يقترب منك، ولا ينظر بأنفك وحنجرتك قبل ان يتأكد من خُلوّك من الكورونا.

ولهذا عليك اولاً أنْ تحصل على شهادةِ من مختبر الفحص يؤكد انَّك غير مصاب بالكورونا.

دخل شفيق صيدلية العيادة وهو يضع كمامة الكورونا على انفِهِ فحصل منها على دواءٍ يستعمله بالاستنشاق داخل فَتحتي الأنف.

اخذه واستعمله فاوقف نزيف الدم الغزير مؤقتاً. لكنه ظل بحاجةٍ الى دواءٍ ناجعٍ يوقف الرُّعاف نهائياً. يستعمله للخلاص نهائياً من هذا الرعاف المباغت، الذي يشل قواه ويذله وَيُشعره بالهوان والمَسْكَنه إذا باغته.

إذن لابُدَّ من الفحص في المختبر أولاً.                                                                        ذهب الى مركز الفحص وأجرى فحصاً للكورونا بعد أن تناول سائل الاستنشاق مكثفاً ليتمكن من اجراء الفحص، دون إعاقة الدماء النازفة.

انتظر بضعة أيام فجاءَتهُ النتيجةُ سلبيةً وبأنهُ غير مصاب.

رجع بعد أسبوعين الى عيادة صندوق المرضى للأنف والحُنجَرة. اقترب من الموظفة وعلى انفه كمامة الكورونا . أبرَز اليها نتيجة الفحص السلبية وقال:

– صدقتيني هالساعه ياعمي..؟ أنا بجيل أبوك ولما أقول لك ما عندي كورونا، يعني ما عندي كورونا.. انا بجيل ابوكِ وبدّي أكذب..! عيب ..! هذا ما بِصير مني..!

نظرت الموظفة في نتيجة فحص الكورونا السلبية. تأملتها دون  ان تتكلم.                                            اعطته ورقةً برقم دوره ليدخل غرفة طبيب الأنف والحنجرة للفحص والعلاج.

جلس شفيق على كرسيّ بجانب باب غرفة الطبيب ينتظر أن ينادى عليه ليدخل غرفة الطبيب للفحص والعلاج وهو يتأففُ:

لماذا لا يصدقهُ الناسُ ..! ، ولماذا كل هذا الشَكّ والتعب !

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*