صدور رواية “علي~ – قصة رجل مستقيم” باللغة الاسبانية

بمناسبة صدور رواية “علي~ – قصة رجل مستقيم” باللغة الاسبانية قمت بجولة في بعض المدن الاسبانية:

مرفق نص الكلمة التي قدّمتها في الندوات المختلفة.

مساؤكم خير

تحياتي للحضور الكريم فردا فردا مع حفظ الالقاب

اسمحوا أن أخص بالذكر بعضا من الحضور، من لهم فضل كبير عليّ وعلى اصدار كتاب “علي – قصة رجل مستقيم”:

دار قوماريش الغرناطية التي أصدرت الكتاب

المؤسسة الأوروبية/العربية التي مولت اصدار الكتاب

الاخت آنا ديل اركو صاحبة دار قوماريش

الأخ الصديق الأستاذ خوسية ميغيل بورتا بليشت الذي دفع الكتاب إلى النور

الأخ المستعرب الكبير الاستاذ بيدرو مرتينيث مونتابث الذي افتتح الكتاب

الصديق الحميم ومترجم الكتاب أنطونيو كاسترو

الصديق الحميم الناقد رياض كامل الذي إختتم الكتاب

“والغالي للتال” لينا، ابنتي الحبيبة التي نظمت كل الأمور الادارية والفنية لهذا اللقاء وما يليه من لقاءات أخرى.

شكرا على استضافتكم اللطيفة.

 

انه من دواعي سعادتي وسروري أن أشارك في هذا الاحتفال المهيب مع لفيف محترم من عالم الثقافة الإسبانية الذي، بلا شك، يغلب عليه التقاء الحضارة والثقافة الاسبانية مع الحضارة والثقافة العربية. فكل حضارة تقترض من سابقتها. التمازج بين الحضارتين تجعلنا نتذكر أشاء تأتي من غابر الأزمان. أيام كانت غرناطة وإشبيليا وقرطبة منارات للعلم…

إلا أن الفضل الكبير لمشاركتي في ندوتكم هذه، يعود للمناضل الفلسطيني “علي عبد الخالق”.

*****************

علي عبد الخالق، ثائر فلسطيني يهتز جسمه للنضال.

كأي مثقف عادي هزني، لحد الغضب، ما قرأته عن المأساة الاسبانية بين سنوات 1939-36 من القرن الماضي. على أرض إسبانيا تجمعت كل قوى الشر العالمية مقابل أحرار العالم. معظمهم، وفي لغاتهم الوطنية كتبوا ووثقوا المأساة الاسبانية. العرب، كـ”عادتهم” لم يكتبوا. أكثر من ذلك، فمشاركة المغاربة الكثيفة “القسرية” في صفوف الرجعية وسمت العرب، كل العرب، بـ”الرجعية”. هذا الأمر أحزنني.

فجأة يأتيني مؤرخ ألماني (غرهارد هوب) ليخبرني أن الفلسطينيين شاركوا في الحرب ضمن الألوية الأممية، وأن اثنين منهما (فوزي صبري النابلسي و علي عبد الخالق) سقطا في الجبهة ودفنا في اسبانيا. لاحقا اكتشفت أنهم كانوا خمسة فلسطينيّين واثنا عشر أرمنيّا  فلسطينيّا، أيضا.

يا الهي! كنا هناك! فلماذا يزايد علينا الغير؟

بدأت البحث عنهما وفي نيتي أن انتشلها من غياب الإهمال وألملمهما شظايا من شواطئ النسيان.

بحثت عنهما في بطون الكتب. في أرشيف الحزب الشيوعي. عند قدامى الرفاق. في أرشيف الدولة. في أرشيف الكومنتيرن في موسكو…

بعد جهد كبير عرفت أن علي من الجييب (قرية صغيرة بين القدس ورام الله) وأن ضريحه  في مقبرة البسيط العسكرية…

أخطو بين القبور وقد ابهظ الحزن شرودي وفي خطايا لوعة الغريب والتياع اليتيم. على حد الشفرات تنزلق تساؤلاتي وعلى حدها تسيل لوعتي المذبوحة. تسربل بالحزن ويلفني إصرار عنيد…

في أمانة المدينة استصدرت له شهادة وفاة.

في مقبرة البسيط بنيت له ضريحا.

أريد أن يكون معلوما للجميع. بأنه لا يوجد أبطال مجهولين. ليعلم الجميع أن كل هؤلاء الأبطال كانوا بشرا. لهم أسماؤهم. لهم شخصياتهم الخاصة. ولهم شهواتهم وأمانيهم. أريد أن يبقوا، جميعهم، قريبين منكم، مثلكم تماما.

هل سيحظى علي بنصب تذكاري في البلاد التي وهبها حياته، فوق الأرض التي أثرى ترابها؟

*****************

أنا لا أتحدث بإسم الأدباء الفلسطينيين. ما من أحد خولني بذلك. لكني جئتكم أحمل على أكتافي هموم الكاتب الفلسطيني. محنة الأدب الفلسطيني وخصوصيته. والتزامه بالقضية. فلسطين، الوطن المذبوح والمحلوم، يعيش داخل أدبنا. ما من اديب إلا وقضيته وهويته تقبع عميقا في تلافيف وجدانه وذاكرته.

 

بسبب النكبة تم تفتيت الجماعات الفلسطينية إلى تجمعات لاجئة ومنفية، بالمعنى المادي والمجازي، سواء كان ذلك في أرضها التي باتت تخضع لسلطة المحتل. أو توزعوا على بلاد الشتات واللجوء. جميعهم يعانون من إختفاء الأرض وعدم ثبات الجغرافيا وترجرج الزمن وميوعته. فأصبح للفلسطيني علاقة خاصة بالزمن، ووعي حاد بالعابر وبالحركية المطلقة، يمنحهم الشعور بأن الدائم الوحيد هو إنتظار “اللقيا” المتجددة بالأرض، للمصادقة أخيرا على استعادتها في الزمن الفردي مثلما الجماعي.

عاش الفلسطينيون، من خلال النفي واللجوء، الاحتلال والطرد والإقصاء والاقتلاع والتشتت في جهات الأرض الأربع، تجربة انعدام الوزن والقيمة. وبمقدار ما فقدوا حقوقهم فقد فقدوا ما تعودوا عليه في بلد وفي مجال وجغرافيا تعود لهم وتخصهم، بلد يتحول إلى فكرة وطن يتجلى في مجال ملموس وحجر وشجر وأفق، وطن قوامه المادي يحيلك كي تسكن في الفكرة أولا وأخيرا.

وفي صلب عملية الإقصاء والنفي عن الوطن، أصبحت العلاقة بالمكان الأول هي مركز تفكيرنا ووعينا. بعد أن اختفت علاقتنا المعيشة فيه. كشرط ملموس لمس اليد  والعين وتحوله لفكرة مفقودة في الواقع، صارت من مشمولات الذاكرة والخيال الفردي والجماعي حيث اتخذت فيه طابعا رمزيا مكثفا. فكان للمكان كرسي البطل في إنتاجنا الأدبي.

وجدت الفاعلية الفلسطينية المعاصرة ضد الاحتلال، مصدرها الأساسي والأول في حقل الثقافة، وهي ثقافة اصطدمت بشكل فاجع بمتطلبات الوجود المصيرية، ومن هذا الحقل استمدت الجماعة الفلسطينية طاقاتها ووازعها في إعادة إنتاج بقائها ومقاومتها وتصوراتها وحضورها. فأصبح مصدر قوتها ذا محتد ثقافي، وأصبحت الثقافة هي الأقوى والأشد متانة في مقاومة الأزمات. فأصبح البحث عن الأصول في الثقافة، فعل بقاء، قبل العثور على بعد آخر والانفتاح على الواقع المحيط وخصوصا واقع الخصم. فكان من إفرازات “الزلزلة”، النكبة، إنبثاق مجموعة من الملامح الثقافية الحاسمة أولها شكلٌ جديد في كتابة الفلسطينيين لتاريخهم: كيف نحكي الماضي؟ وبأية مفردات نعبر عن الذاكرة؟ وما يشدها إلى المكان الذي جبل فيها، في حين يظل المجال محرما؟ وفي هذا المستوى الجوهري عملت قوة الوعي والخيال بكثافة في صياغة الإدراك الجديد عند الفلسطينيين، وهي قوى تدعمت بالممارسة وانفعلت بالواقع على نحو كبير، واستطاعت تجديد نفسها رغم ما لحق بها من تعثر وانكسارات.

أدبنا المحلي يعالج مشاكل في صميم وضع جماعي فلسطيني منهار ومكسور ومذهول مما اضحى عليه. يفيض بتحديات وجودية لا حصر لها، تمتد من بسيط اليومي إلى أسئلة الهوية والمصير. إذ أننا فقدنا وطننا ووسائل معاشنا في آن، وكانت النكبة اقتصادية بقدر ما كانت سياسية، وكانت أيضا جرحا اجتماعيا مرضيا… قرى مجتثة الجذور وأخرى متجعدة حدبتها الكراهية، وجماعات مشتة وأُسراً مبتورة. فكان مصيرنا إما الإنسحاق أو البقاء المتحدي. إخترنا التحدي، الذي يواجهه، وجداننا ووعينا لإختيار وجودي قاس وشامل قادنا إلى معرفة الفرق : “بين الوطن كحق موروث وبين الوطن كإستحقاق يحتاج إلى متطلبات مكلفة”. أصبح جهدنا منصب “في البقاء على قيد الحياة والتشبث بالهوية” والتبشير من داخل المحرقة.

عاش الفلسطينيون (الباقون) تجربة اضطهاد كبيرة، بلورت لديهم شعورا متوترا وحادا في إحساس أنفسهم، كأقلية بشرية سياسية محاصرة ومنبوذة. وهذا ما كان من شأنه أن يسهم بقوة في استنفار طاقات البقاء التي يمكن أن تنطوي عليها جماعة مهددة. فهوية المُضطهًد تتدعم بالضغوطات السلبية أكثر مما تتدعم بالإغراءات الايجابية. وأصبح بقاء الفلسطيني في مكانه هو “الدفاع، بمجرد البقاء” دفاع شكّل الخطر الأكبر بالنسبة للخصم وزعزع مشروعه ومرتكزاته السياسية والأيديولوجية والوجودية.

في الليالي الطويلة، بين الشفق والغسق. يأتينا رجع السنين ووجع الحنين في تأوه الأجداد. يقول لنا: “اكتبوا! اكتبونا! حياتنا ذاكرة لا تزول. ما لنا هو لنا- بالمعنى المتجدد للتاريخ- حتى لو زيفوا عقود الملكية وفصلوا جسدنا عن جسدها. فلسطين وطن ككل الأوطان، واقعة ترابية ليس لها إلا صاحب واحد، وحينما يصبح لها صاحبان، فمعنى ذلك أن عملية اقتطاع وسلب قد وقعت من طرف ضد طرف”.

يموت الكبار في ألهم وحسرتهم ويعيش الصغار على ذاكرتهم. فميراث الألم يتعمق ويزداد مرارة عندما ينتقل من جيل إلى جيل. فما من أحد يَنسى ولا شيء يُنسى. ورثنا الهم والغم بأمانة المتلقى، نعلن: “نحمل كل غبار ايامنا وايامهم. ونحمل بهاء أيامهم الغابرة  وضباب أيامنا القادمة”. قدرنا أن نكمل حياة الآخرين. لا كما نريدها نحن فحسب. بل كما أرادها الذين حملونا عبء القضية.

هذا هو المعنى الحقيقي الواقعي الذي، لا يصح وطنيا بدونه:  الهوية فلسطينية والمشارب فلسطينية.

قرانا المهجرة وبيوتها المهدمة… وقدسنا المستباح! كلُ الكُّلِ الفلسطيني: الفقد والالتياع والحلم وحكايات فرفطها الزمان وبعثرها في عمق المخيلة، في تلافيف الذاكرة.

في القدس صلى الفاروق والقضاة والأنبياء واليوم يسير في شوارعها الجنود والكولنياليون وصيارفة وزناة. على درج “باب العمود” مدوا النقع وفي “طريق الآلام” أعادوا فصول الجريمة… القدس أم الفنون العتيقة والقصص السماوية لا تزال تنهش العبقرية. مآذن شاهقة وقباب كأثداء أمهات مستغيثات! ونواقيس نائحة، كلها تروي عتاقة التاريخ وتمنح المدينة سحرا مبهما يختصر المعاني ويؤرخها. القدس أسطورة خيال وحكاية مروية على كل لسان يجتمع فيها الهم والغم والعزم والشمم والحكمة الأصيلة وأساطير بالغة الطرافة، سريعة التدحرج في الانتقال والصقل والتأصيل سرعان ما تتحول إلى ملاحم شعبية وحكايات شيقة. حكاياتها، تاريخها، تاريخ يعرفه الجميع ويختلف عليه الجميع فتتقهقر فيها رواية القاهر أمام رواية المقهور. حكاياتها خرافة مثيرة للخيال يغلب عليها الحزن والجمال واللامعقول.

كل شيئ في القدس يتحول إلى مزيج من ذاكرة قوية. برهان على الخسارة والنقصان ومقارنة موجعة مع ما كان.

تنام، في ادبنا، الحكاية فوق الحكاية ويتبع الحدث الحديث وينقاد إليه، وحيناً يقوده. وتزدحم فيه القصص الكثيرة، كلها تحكي حياتنا اليومية المعاشة، أو خصوصية حياتنا، كبقية باقية من شعب، كان يوما ما يعيش على أرضه. ينعم بفضائه الإنساني. يتفاعل ويشارك البشرية في إنتاج الحضارة العالمية والتراث الإنساني.

كيف كانت فلسطين وإلى أين ارتحلت؟ وهل يعيدها الحلم؟

روايتنا المحلية تضعنا وجها لوجه مع الخيبة والوجع والمشكلة والتحدي، وإعادة إستيلاد الرهان من وسط  ظرف يكاد يكون مكتملا، من الإحباط وتواطؤ متعدد الأطراف:

الأول، غدر العدو: كان الصراع على فلسطين، بين سكانها الأصليين وبين الصهيونية، التي لم تكن نتيجة أفضى إليها تطور إجتماعي سياسي طويل لجماعة محلية مستقرة تاريخيا في فلسطين، بل جماعة من المهاجرين الوافدين من أوروبا. صيارفة تطمع في البلاد خالية من سكانها الأصليين مثلوا تحالفا مع قوى عظيمة.

على هذا الأساس، فإن إسرائيل تدين بوجودها لظاهرة خارجية بالنسبة إلى المنطقة.

توسلت الصهيونية مختلف أشكال العنف والإكراه. كانت العلاقة بيننا كعرب، أصحاب البلاد الأصليين وبين المؤسسة الصهيونية تمر من خلال منظومة “الحكم العسكري” الذي فرض علينا. واستهدف تحقيق فك إرتباط وفصل تاريخي شامل ونهائي بين الفلسطينيين وفلسطين وبينهم وبين زمانهم وتاريخهم فيها، وبينهم وبين وعيهم. وكانت هذه العملية مبنية على خلفية صارمة من الإنكار المادي والتاريخي. وبفعل الممارسات التي ترتبت عنها، جرى تحويل الجماعة الفلسطينية “إلى مجتمع تاريخي من العذاب”، على رأي إدوار سعيد.

ثم. تقاعس “الأخوة”: جاء الاستيطان الصهيوني إحدى ضروريات الهيمنة الكولنيالية على المنطقة العربية برمتها، ودخل في صراع مباشر خفي وصريح مع حركات الشعوب العربية من اجل التحرر الإنساني والاجتماعي والقومي. واشتبك في تحالف مخفي مع انظمة عربية رجعية. فكان الحكام العرب منهمكون بالتبعية والتواطؤ والمذلة، حولوا أوطانهم وشعوبهم إلى مساحة فارغة للعبور أو فضاء حيادي. وعندما ظهرت “الناصرية”، منتصف القرن الماضي، لاح بريق من أمل وشعاع من نور سرعان ما اختفى كأنه قدح زند فج وخبا. وهرست جنازير دبابات الحكومات “الوطنية” شعوبها. لم يفهم الأخوة أن الحالة الفلسطينية خنجر في خاصرة الأمة كلها وغدة مستديمة تستنزف طاقاتها وتسلب خيراتها وتمنع التقدم عنها.

يمكن أن نعتبر أدبنا المحلي، من حيث هو تجربة ثقافية مأساوية ومعقدة، وهو صيرورة مفتوحة على آفاق متعددة، تستحضر الأمل وتتعامل مع الحلم. ويبقى الحلم بداية الأمل، والطريق إلى استعادة “ما كان لنا”. والحلم”سعي” في الطريق إلى البيت… فكان أدبنا، بسماته العريضة، ايماني ومتحول في الوقت ذاته: ايماني في موقفه الثابت المدافع عن الحق الفلسطيني، ومتحول في تجديد  الأسئلة التي يطرحها.

يمتلك ادبنا المحلي ذاكرة قوية فعالة قدت من صخر صلد. ذاكرة متأصلة وغضب حارق. كأنه عشق صوفي وعملية “إحلال” وتوحد وجداني بين عاشق ولهان ومعشوقة مسبية. يعيشان ملحمة حب عذري، “شرطه الأساس، عدم التلاقي”! ذكريات أليمة وتفجع حزين.

مثلت المرأة في أدبنا، الأرض بوصفها رحم الولادة والمنتهى. المنشأ والمآل. فأضحت الأولى صدى للثانية والعكس أيضا. فكان الحب استرجاع للحنين الأول، الحنين للأرض الغائبة. وكان على الحب أن يتشح بالهم الوطني وكآبة البعاد والحنين المستعاد.

رواياتنا هادفة تقتحم العقول وترسخ فيها المعاناة والحزن والذاكرة: المعاناة هي كل ما تبقى لنا من هوية نظل بها ناسا يحملون كرامة الهزيمة ويرفضون هزيمة الكرامة، وهي حالتنا الأكثر واقعية بعد كل ما حصل لنا. والحزن هو حضور المفقود في الذاكرة والوجدان. إذا فقدنا الحزن نكون عمليا قد فقدنا الخيط الذي يربط “ما كان وما يجب أن يكون”. هذا الذي كان لنا لن يكون لنا مرة أخرى إذا أضعناه في متاهات الاهمال أو تركناه على شواطئ النسيان… “الحزن وحده الآن يستطيع أن يجسد الوطن الضائع، في الذاكرة، لتجسد الذاكرة ذات يوم حلم العودة” وإذا رحلت الذاكرة عن ذاكرة الرحيل، فما الذي سيبقى عندنا! كما يصرخ أحمد حسين .

أدبنا يبرهن، بما لا يقبل الشك، أن تجربة الشعب الفلسطيني في علاقته بأرضه تعني أنه شعب غير قابل للخروج من التاريخ، ولا من الجغرافيا كما يحاول الإسرائيليون أن يفعلوا.

أدبنا المحلي واقعي. واقعية تلزم الأديب بالشكل القومي للأدب. فإذا كان الأديب واقعيا مخلصا للحياة فلا شك يجب أن يكون قوميا في شكل أدبه واسلوبه: عليه أن يحس بتقاليد الشعب وبعاداته، أن يدرك وساوسه وأمانيه، مخاوفه وأحلامه. وعليه أن يلم بمميزات جغرافيا بلاده، باراضيها وأعشابها وأشجارها، وطيورها وحيواناتها، بأوضاع الطقس فيها. وهو ملتحم بالمكان، بالأرض الفلسطينية والحنين إلى الأهل البعيدين… وإلى الماضي الذي سبق النكبة، والتطلع إلى العودة والنغم الرومانتيكي الحزين الذي يرافق كل التجليات البطولية. ويؤكد  الاحساس العميق بالأرض. والتاكيد على الفداء والدفاع عن الأرض وعن البقاء فوقها.

نحن، عرب الوطن، باقون شهادةً على الجريمة، وخميرة الصبح، والغد المُشرقِ. باقون غيّْثاً يستنبت البقل، ويمنع التصحُّر، ويعيد تتابع الفصول. والمعنى يعود إلى الأصول.  نستقّدم الربيع، ونمنح الطبيعةَ رفاهيةَ تأمُّل الزمن.

باقون نحرس تلالها الوردية! واطلالها المسبية، ونستقبل العائدين!

عندي     قضية.

جلاد   وضحية!

“ففي قضيتنا من فداحة الظلم ما يفسر العدالة، بكل فصاحة.

وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة”.

على رأي درويش…

حسين ياسين

روائي مقدسي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*