روائية متمرسة، كاتبة بالطبيعة، كاتبة محترفة، اتخذت من الكتابة خاصة السردية وسيلتها في التعبير عن مواقفها وآرائها وعبرها، كذلك توجّه وتبدع ضمن جمالية سردية تزاوج بين الإبداع الأدبي التخييلي، ومساءلة الإنسان، والمرحلة والواقع، وهي بذلك تمنح الكتابة حقيقتها التي وجدت من أجلها، أي أن الكتابة لم يوجدها الإنسان الأول للمتعة فحسب، بل كانت وسيلة الإنسان في تحقيق المعرفة، بمعنى فهم الواقع وأحداثه، والوقوف على الأسباب الكامنة، وراع تحقيق سعادة الإنسانية، أو الأسباب الكامنة وراء نشوب الحروب، والصراعات بين الشعوب، والدول في المعمورة، وكانت وسيلة الإنسان في التحكم في الواقع الشاسع، والتعرف على الفروق المعرفية والاختلافات الثقافية، لأجل الإجابة عن الأسئلة الجوهرية التي تحيّر فكر الإنسانية حتى الآن.
هذه المستويات، يمكن الوقوف عليها في الرواية الحالية للكاتبة دينا سليم حنحن “ما دونه الغبار”، إنها رواية تحتفي بالسرد والحوار، اللذين يمنحان شخصياتها فرصة الاقتراب كثيرا من الشخوص في الواقع، وهي تقنية كتابية ذكية، تجيب عن إشكالية قائمة في الدرس النقدي بين التوفيق بين الواقع المعيش والتخييل الأدبي، لذلك نجد الرواية تشبع رغبة القارئ الأديب، والمحلل النفساني، وعالم الاجتماع، والمؤرخ.
وهي رواية مثقفة، لأن الكاتبة انتهجت فيها طريقة جديدة، وهي مغامرة في الآن ذاته، لقد اعتمدت على البحث والتدوين والتوثيق، لأهم وأخطر مرحلة في التاريخ المعاصر في فلسطين والشرق الأوسط، وعبر المتن السردي والتخييل الروائي في “ما دونه الغبار” يمكننا استشراف الواقع الاجتماعي، والحالات، والوضعيات النفسية، وآفاق التفكير في المنطقة العربية وعالميا.
إن الإجابة عن هذه المعادلة في رواية دينا سليم وحده يكفي بأن يجعل هذا العمل رائدا في مجال الرواية المعرفية عند المرأة الكاتبة، دون نسيان المجهود الكبير المبذول في جمع الوثائق، والتنقيب عن الحقائق، وجمع شهادات الأحياء والسعي وراءهم في بلدان مختلفة من العالم.
لم تكن رواية “ما دونه الغبار” احتفاء بنضال وصمود أهل مدينة اللد وسكانها، ولم يكن فقد احتفاء بأفراد أسرة وعائلة الكاتبة، بل كانت مرآة صادقة حريصة على توخي الدقة، ومجانبة الذاتية الفردانية، لتمثيل واقع أهلنا في فلسطين والعام العربي (الشام والشرق الأوسط)، ودور وتأثير دول العالم في هذه المحنة.
لم تكن الكاتبة دينا سليم حنحن محابية لطرف على طرف آخر، بل سعت خلف الحقيقة الأقرب إلى الواقع، في أسلوب سردي وحواري (شهادات)، شائق.
لن يعدم القارئ في هذه الرواية متعة القراءة وسردية التخييل، وشغف التاريخ ودقة التدوين والتوثيق.