حول رواية “الراعي وفاكهة النساء”:
ميسون أسدي لا تكتب كل الحقيقة ولكن ما تكتبه هنا هو حقيقة
نايف خوري
أصدرت الكاتبة ميسون أسدي رواية جديدة بعنوان “الراعي وفاكهة النساء”، وهي تنضم إلى مجموعاتها القصصية للأولاد والبالغين.. ولكن هذه الرواية تمتاز بمقومات عدة، تكشف فيها أبعادا يرغب كثيرون بالتستر عليها، وهي العلاقة بين الرجل والمرأة، أو بين الذكر والأنثى، والمنطلقات التي يتبعها كل منهما في حياته العادية والخاصة، والمحاولات المتكررة التي لا تدلّ على الشبع ولا الاكتفاء الجنسي.
وتعرض الرواية قصة الراعي الذي يتعرض لحادث طرق يجعله يكاد يلفظ أنفاسه، فيجد محامية، وهي في الوقت ذاته كاتبة عدل، ليفضي على مسامعها مغامراته مع النساء اللواتي أدخلهن في حياته أو دخل حياتهن، أو دخلن حياته. فقد لاحظته رجلا شرقيا بطباعه، وشخصيته، وهو شبه بدوي بسلوكياته وتصرفاته، ولا بأس في ذلك، ولكن همّه الأول والوحيد هو المرأة وكيفية بلوغها والحصول على مبتغاه منها، وهو لا يفرق ولا يميز بين أنثى وأنثى، المهم أن تكون ذات نهدين وذات مؤخرة وساقين وما بينهما هو جوهر الحياة بالنسبة له.
لقد جعلت الكاتبة شخصية هذا الراعي، بدافع الانتقاد والميول الحيوانية، يقتدي بالحيوانات التي يعرفها، فحول الماعز والبقر والغنم، وكيف تتعاشر بهدف الإنجاب، ويتقاسم لذة ومتعة الجنس مع الراعية جارته التي تبادله نفس الأحاسيس والمشاعر والميول الجنسية، فليس هو وحده الذي يتطلع إلى المرأة ويعتبرها عنصرا جنسيا ليس إلا، بل النساء ينظرن إليه كذلك ويتعاملن معه بالمثل. ولعله يدرك في الخلفية مآخذ المجتمع على أمثاله، فيحتاط كي لا يفتضح أمره، ولا يشيع سره. واستطاعت المؤلفة أن تشد القارئ وتجذبه على امتداد صفحات الرواية، لأنه يحاول أن يعكس شخصية الرجل الفحل الذكر، الذي تدور دنياه حول ما بين ساقيه وساقي الأنثى.. والأنثى التي تنقاد وراء هذا الذكر، لاعتقادها بأن أي رجل يمكن أن يكون ملائما لها لكي تعيش معه، وتقضي أمتع الأوقات الحياتية برفقته.
وربما نسيت الكاتبة العزيزة أن تمنح المرأة قدرا كافيا من النباهة والإدراك والحرية في اتخاذ القرار، واستخدام العقل حين يجب ذلك، ودورها في بناء المجتمع وتكوين العائلة. لأن جميع النساء في العالم متشابهات من أعناقهن فما دون، ولا فرق في التكوين الفيزيولوجي والجسدي لأي امرأة دون سواها، في الظهر والصدر والبطن والساقين وما بينهما والمؤخرة، وكل شيء ما عدا الرأس حامل العقل والتفكير والإرادة والإدارة الذي يجب أن يقود حياتنا. وبالتالي ليدرك هذا الرجل وذاك الفحل أن كل النساء متشابهات، فلا داعي للتعداد والانتقال من حضن هذه إلى صدر تلك وثم مضاجعتها حتى يشعر بالملل نتيجة تكرار الممارسة الجنسية ذاتها مع هذه وتلك.
الرواية لا تدعونا إلى ذلك، ولكنها تثير فينا بصدق، العواطف التي يشعر بها الرجل تجاه المرأة، وأحيانا ما تشعر به المرأة تجاه الرجل، ولكن من وجهة نظره هو لا من وجهة نظرها هي. خاصة أن آداب وثقافات الشعوب مليئة وغنية بمثل هذه المواضيع التي أشغلت الإنسان منذ بدء الخليقة إلى اليوم، مثل أدب المجون لدى العرب وسواهم ممن أولوا الجنس أهمية في الحياة العامة.. كما أن الكاتبة أشارت إلى أن الحيوان يمارس الجنس بهدف التكاثر وانطلاقا من غريزة البقاء، بينما الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يمارس الجنس للمتعة واللذة في كل زمان ومكان. فما بالنا نعيش الجنس في حياتنا أكثر من البهائم وسائر المخلوقات؟ لماذا لا نتعظ من الحيوان، ونعتبر المرأة مخلوقا للإنجاب، وأن تلد البنين والبنات، وأن تعيش معه بالتفاهم حياة متعادلة ومتساوية ومتماثلة، لا أن تكون أداة لمتعة الرجل وتلبية أهواءه وميوله الجنسية، فيعاملها بالفوقية ويعتبرها مخلوقا دونيا.
إن الحياة بالتساوي، والند بالند تجعل التفاهم أساسا للعائلة والمجتمع كله. لإن مجتمعنا الشرقي ينظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة نظرة جنسية بكامل أبعادها والمترتبات عليها في كافة مجالات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والدينية والتربوية وغيرها الكثير من نواحي الحياة. وأصبحت سلوكياتنا مترتبة على الجنس، وتنطلق من الجنس، ونعيش هاجس الجنس، حتى أصبحنا مهووسين بالجنس ونسينا أمورا أخرى أكثر أهمية منه في حياتنا ومعيشتنا.
نجحت ميسون بطرح التساؤلات حول المواقف والسلوكيات التي ينبغي أن نعتمدها، فقد نصحح اعوجاجنا، وقد نقوم أخطاءنا، لا أن نضع الجنس أمام أنوفنا ونسعى لممارسته في كل الأحوال والظروف، وأن ننفذ رغباتنا وغرائزنا كلما سنحت سانحة وبدرت بادرة، وكلما نظر رجل إلى امرأة أو نظرت امرأة إلى رجل يتبادر إلى ذهن كل منها السؤال: هل ستقبلني عشيقا لها، أم ستدعوني إلى سريرها لأشبعها مضاجعة وتقبيلا، فسترى نجوم الظهر في عز النهار.. أم تعتقد أن هذا الرجل الفحل قادر أن يفرحها ويمتّعها ويزيد لذتها وبهجتها في الحياة، وتتفتح ورودها وتنتصب نهودها، وتتعطر شفاهها، وتستلم لأيدي هذا الرجل الذي سينسيها حياتها في جحيم البيوت، وينطلق بها إلى عوالم اللذة والمتعة والنجوم..
بغض النظر عن بعض الهفوات والأخطاء النحوية، لكن الكاتبة استخدمت التعابير والألفاظ أقرب ما تكون إلى الواقع، وحرصت على جمالية اللغة وسكب الجمل والأفكار بصورة سلسة وجذابة.
إن هذه الرواية، التي تشد القارئ بجاذبية داخلية، وبمحاولة لاكتشاف الخطوات التالية من مغامرات هزاع البطل المغوار، وماذا سيحل بينه وبين كاتبة العدل، هل ستكون هذه كسائر النسوة اللواتي ضاجعهن الراعي هزاع؟ أدعك قارئي اللبيب لتستمتع أنت أيضا بمطالعة هذه الرواية كما استمتعت بها شخصيا.