قصائد – منذر ابو حلتم – الأردن

1 ( منارة واحدة فقط )

وأنت تمارس السقوط في بئرك الأزلي
يمكنك أن تغفو قليلا
أن تغني ريما ..
أن تشرب فنجان قهوة
وأن تكتب إن أردت قصة او قصيدة
فحين تمتد رحلة السقوط
يصبح نوعا من الحياة
يمكنك إن أردت أن تتجاهل تسارع الأشياء حولك
وهي توغل في الصعود ..
أو أن تعكس مجال الرؤى
فتقول بأنك تصعد  ولكن
في اتجاه آخر ..
**
ما فائدة المنارة
للبحار الذي أعماه الملح ؟
ما فائدة المنارة حين يصبح البحر محض صحراء
دونما موج ..
ويصبح الشراع راية لا تهزّها الريح
ما جدوى الموج حين يصبح الشاطئ
حافّة للجرح
وتصبح الجزر البعيدة ندوباً
خلفتها الريح ؟
ما جدوى الغيم اذا ما الريح بعثرت
الأماكن والظلال ؟
ما جدوى الريح ..
المطر ..
الضباب ..
الغياب ..
الفجر ..
.. أغنية الشروق ؟
ما جدوى ان ينوء الصبح
بما تثاقل من سهاد
إن أقفر الأفق من حلم
ومن نبض منارة ..
منارة فقط ..!

___________________

2 ( مرثية لمساء جديد )

رمادية هذي السماء
وفي الأفق غيم  يشبه روحي هذا المساء
وحين تقفر الشوارع  ليلا
وترخي المصابيح بصمت انوارها على الرصيف
الخالي من الخطى
تجذبني نقرات المطر على انحناءات القرميد العتيق

تشايكوفسكي يحرق  في الغرفة بخور الذكريات
وعلى الطاولة ( رفاق الطريق ) تبعثروا
تقول ( بانوفا )
والقطارات لم تعد تشاغب في ليل المسافات

تقول عرافة عجوز
بأن الجنود كانوا يتركون خلفهم ظلالهم
تذكارا لحبيبات يعشقن بصمت .. كهذا الليل الذي يهطل
هذا المساء ..

خطوط القهوة في الفنجان الفارغ
جمر الأرجيلة المنسي
كتاب مفتوح على صفحة ما ..
وعلى الجدار يواصل النهر في اللوحة جريانه
نحو بحر يختفي خلف التلال ..
لا شيء يؤنس
يقول شاعر وحيد ..
وحدها صفارة الإنذار تعوي كل مساء
لتعلن ان ثمة ما يمكن الخوف منه .. او عليه

في الأخبار يتواصل تعداد الموتى
لا تخرجوا  يقول وزير وسيم
فتغني له نساء المدينة الخاوية .. !
لا تخرجوا يقول الجند
وفي الأنباء موحشة شوارع روما
وخالية شوارع باريس
وفي اسطنبول يعربد الموت ضاحكا من الذكريات
وهل من وحشة تشبه وحشة البسفور سيدتي
حين تهجره  النوارس
والسفن العتيقة في الأمسيات ؟

وها انت تحاول اكمال نصف قصيدة بائتة
منذ الأمس
وتشرب نصف فنجان قهوتك الباردة ..
وتغلق نافذة المساء على صمت الشوارع
يا ايها الرجل المشظى ..
الم يتعبك اشعال شموع الوحدة المطفأة ..؟
في ليالي الترقب والانتظار ..

_____________________

3- ( سرب ايائل مذعورة يفر من قلبي )

سربُ أيائلَ مذعورةٍ يفرُّ من قلبي

إلى عينيّ؛

وهذا الأفقُ فاتر

مثلَ قهوةٍ باردةٍ لا تغري أحدًا بشربها!

وأسألُ نفسي بحيادٍ،

يشْبه حيادَ الشاطئ المنسيّ ذات جَزْر طويل:

أتراكَ كنتَ تحاولُ سردَ الحكاية،

أمْ كنتَ منذ الأزل تمحو ــــ دون قصدٍ ربّما ــــ

كلَّ العناوينِ الكبيرة

والصغيرة؟

***

البحر يهدهدُ مثلَ سيدة عجوزٍ

أشرعةَ القواربِ المتثائبة.

بصمتٍ يَطْرح الصيّادون شِباكَهم؛

مالحةٌ نظراتُهم،

والبحرُ الساكنُ يمحو خفيةً

ما توالد من تجاعيدِ الموج.

وأسألُ ــــ ربّما بحيادٍ قليل ــــ

ماذا تضمّ زجاجاتُ الرسائلِ

من حنينٍ أو ألم؛

تلك التي يبعثرُها صغارُ الموج

على الرمالِ الخالية؟

***

خاويةٌ منارةُ البحر،

ومطفأة!

فماذا تقول النوارسُ المتعبة

حين تحطّ رحالَها على نوافذِها العتيقة؟

لستُ أدري…

غير أنّ سربَ أيائلَ مذعورةٍ

يفرُّ هذا المساءَ

من قلبي… إلى عينيّ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*