أنا لحظةُ احتضان
كلُّ العروشِ قد اهتزَّت
ونزلت عن عليائِها
عندما عامَت في المآقي دمعة واحتُبِسَت
عندما علَت في الصدرِ تنهيدةٌ وبين الأَضلاعِ كُتِمَت
جميلٌ تلاشي العروشِ من المشهد.. من كلِّ المشاهدِ
فلا الرقاب مكسورة ولا الأَيادي ممدودة ولا الظهور محنيَّة
والعيونُ…!
بريقُها.. نظرتُها.. دمعتُها السخيَّة..
هبة!
لا شيء يُمكنُ أَن يحلَّ مكانَ دفءِ الاحتضانِ
الأَطفالُ يفهمونَ ذلكَ بالفطرة
يركضونَ في تجاهِ بعضِهم محمَّلينَ بلهفتِهم..
يسوقُهم شوقُهم بلا تساؤلاتٍ..
بلا مساءلاتٍ..
يضحكونَ ملءَ الفرحِ..
يلقونَ أَجسادَهم في أَجسادِهم على رقعةِ الأَرضِ الضيِّقة..
تحتَ ضوءِ الشمسِ.. تحتَ المطرِ
تتَّسعُ الأَرضُ بهِم.. تتَّحدُ بالشمسِ.. تتفتَّحُ لزخّاتِ المطرِ
يُغمِضونَ أَعينُهم..
يستسلمونَ لعذوبةِ اللحظة..
ويغيبونَ في بهجةِ الحضورِ
فلا تعدْني بأَيَّةِ زاويةٍ من زوايا قلبِكَ
لا توجدُ في الزوايا إلَّا بقايا الفضلاتِ المتراكمة
وأَنا لا يناسبُني الانتظارُ في الزوايا..
ولا الالتصاقُ بها
لا توجدُ في الزوايا إِلا بقايا أَصحابِ العروشِ
والعروشُ قد اهتزَّت ونزلت عن عليائِها
وأَنا… أَنا لحظةُ احتضانٍ
انبثِقُ من كلِّ مكان
من لا مكان
إِلى المكان
إلى اللا مكان
**
زغردةُ الفرحِ القادمِ
ليسَ ترفًا ولا بذخًا.. أَكتبُ الشعرَ !
لستُ من أَصحابِ الامتيازاتِ أَنا
مجدولةٌ ضفيرتي بهمومِ نساءِ العالمِ كلِّهِ
عندَما أُسرِّحُ شِعري..
وأُطلقُهُ لعذوبةِ الريحِ.. لعنفوانِها
تسكنُني رغبةٌ وحشيِّةٌ لولادةٍ غيرِ شرعيَّةٍ
لشيءٍ هجينٍ
لا تستسيغُه أَذواقُ القطيعِ
لعلَّ وعسى..
حُبلى أَنا ببؤسِ الفقراءِ
ووجعِ المهجورينَ المهجَّرينَ
بسنابلَ وهنَتْ ومالَتْ
بأَرضٍ قد جفَّتْ
ببيوتٍ جدرانُها تآكلَتْ
حُبلى أَنا بحرائقِ الغضبِ ورمادِ الحزنِ
وعلى رأسي أَحمِلُ لفةَ قُماشٍ كتلكَ التي كَلَّلَتْ أُمِّي رأسَها بها
لترفعَ همومَ مهمّاتِها
لكنِّي أَرفعُ بها أَقداري عنِّي
وأَمشي مستقيمةً ببطني المنتفخة..
متلوِّيةً بأَوجاعِ المقهورينَ المشرَّدينَ..
أَمشي أَينما أَشاءُ.. كيفما أَشاءُ
مرفوضةٌ هي لعبةُ القوانينِ المفروضة
تقعُ الأَقدارُ.. تتحطَّمُ
يدغدغُني الشعرُ كما الجنينُ..
أُطلقُ زغردةَ الفرحِ القادمِ..
وأَلدُ القصيدة!
**
“لا تسألْني”
لم أَعرفْ منَ الحبِّ إِلّا الدائريَّ
والدوائرُ لا تُغلَقُ
فلا تسألْني عن لحظةِ البدايةِ أَوِ النهاية
فهي حيَّةٌ تَنبُضُ
أَجمَلُ الحبِّ ذاك الكُرويُّ ثُلاثيُّ الأَبعادِ
لَهُ عمقٌ وفضاءٌ
وأَنا قد تركْتُ زحفَ الدودة
والسيرَ عرضًا وطولًا
منَ الشِّمالِ إِلى اليمينِ في الخطوطِ المستقيمة
تعلَّمْتُ فنَّ التغلغُلِ
في الأَعماقِ..
والتحليقَ نحوَ السمواتِ السبعِ
لولبيَّةُ الحبِّ تَسحَرُني
أُشرِّعُ لها روحي عندما تأتيني كالإِعصارِ..
تجتاحُني
وتُلقيني شبهَ مهزومةٍ بدهشتي
تعلَّمْتُ لملمةَ شظايا الروحِ
والارتفاعَ معها كما الانزلاق فيها
مرَّةً واحدة كما مرّات عديدة
فلا تسألْني عن لولبيَّةِ الأَعاصيرِ
فهي حيَّةٌ تنبُضُ
وقد تأتيني كدوّامةِ البحرِ
تباغِتُني.. تسحَبُني
تبتلِعُني منِّي
تُلقيني في القاعِ مُهشَّمة
أَطفو …
فقد تعلَّمْتُ فنَّ السباحةِ بعدَ الدُّوارِ
وانتشالَ النَّفْسِ من ضيقِ النَّفَسِ
وبِتُّ أَطرَبُ معَ الدَّقاتِ المنخفضة الضيِّقة
وأَدوخُ.. أَدوخُ مع العاليةِ الواسعة
وبِتُّ أَرقُصُ مع تموُّجاتِها مِن نقطةِ القاعِ إِلى السطحِ
مرَّةً واحدة كما مرات عديدة
فلا تسألْني عن لولبيَّةِ الدوّامة
فهي ما زالَتْ حيَّةً تنبُضُ
وستبقى!