أهداني قبل أسابيع قدس الأب د. رفيق خوري، كتابه الثاني من سلسلة “شؤون رعوية” بعنوان “الكرازة في الكنيسة المحلية”، بعد الكتاب الأول بعنوان “العمل الرعوي في الكنيسة المحلية” الصادر العام الماضي.
وقبل أيام أهداني الكاتب العزيز الأستاذ فتحي فوراني، كتابه “مسيحيون ومسلمون تحت خيمة واحدة” بطبعة ثانية مزيدة ومنقحة، الصادر عن دار “المتنبي” للنشر والتوزيع في حيفا، بينما صدرت الطبعة الأولى عام 2013 عن مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في بيت لحم.
إن هذين الاصدارين الجديدين أثارا بي مشاعر الاشتياق والحسرة معا. الاشتياق لمركز “اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة”، الذي أشرف عليه وأداره الصديق الراحل الدكتور جريس سعد خوري في مدينة بيت لحم، ولمؤتمراته ونشاطاته على مدار ثلاثة عقود والعلاقات الإنسانية الأخوية التي أقامها بين أبناء الشعب الواحد على تعدد انتماءاتهم الدينية والجغرافية. والحسرة على توقف كل ذلك للأسف. كما ذكرني الاصداران بالمحورين اللذين ميّزا مركز “اللقاء” وأعماله، وكأني بالمؤلفين وهما من أعمدة “اللقاء” يعيداننا إلى أيام المركز ومؤتمراته. كتاب الأب رفيق يرمز إلى المحور الأول الذي اهتم به “اللقاء” وهو اللاهوت الفلسطيني، وكتاب الأستاذ فتحي يرمز إلى المحور الثاني وهو الحوار الإسلامي – المسيحي.
الأب رفيق خوري وهاجس الكنيسة المحلية الوطنية
الأب رفيق من كهنة البطريركية اللاتينية في القدس، ويعتبر أحد الكهنة المفكرين الكبار ومن مؤسسي اللاهوت الفلسطيني وواضعي كتب التعليم المسيحي للمنهاج الفلسطيني، ومن مؤسسي مركز “اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة” ومجموعة “وقفة حق – كايروس فلسطين” وله العديد من المؤلفات القيمة ومن أهمها خماسية الدراسات تحت العنوان الشامل ” من أجل حدود مفتوحة بين الزمن والأبدية”.
سبق وأصدر الأب رفيق الجزء الأول من “شؤون رعوية” في العام الماضي وتناول فيه مسألة “العمل الرعوي في الكنيسة المحلية”، ويأتي الكتاب الثاني ليتناول موضوع الكرازة، حيث توقف في فصوله عند الكرازة في حالاتها وأنواعها المتعددة مثل الكرازة في الكنيسة المحلية والرعية والأسرة والمدرسة والكرازة بحسب الأعمار أو المستجدات التي يستوجبها تغير الحال.
يركز الأب رفيق على التربية ودور المدرسة خاصة المسيحية في وضع مشروع كهذا، وكذلك دور العبادة التي تنطلق ممن أصول وأدبيات الخطاب الديني “وهو في حد ذاته، يوجه إلى الإيمان بالله وإلى محبة جميع خلائقه البشر” (ص223) مرورا بوسائل الاعلام وغيرها وصولا الى المناهج الدراسية التي تبقى صاحبة التأثير الأقوى على الناشئة، هذا المنهاج الذي يجب أن يلتفت لكل مكونات المجتمع والشعب لكي “تشعر “الأقليات” أنها من نسيج المجتمع ومكوناته، وأن أصحابها مواطنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم في المجتمع” (ص 235) ويرى المؤلف أن الهدف من العملية التربوية أن تتحول في النهاية الى ثقافة.
ومن أجمل العبارات التي قرأتها في الكتاب وتلخص ما يمكن للمرء أن يتركه من أثر هو عدم الاكتفاء بالكلام انما الانتقال الى مرحلة العمل، حيث يقول الأب رفيق: “إن الأفكار جميلة على الورق، ولكنها تبقى ميتة، إن لم تتحوّل إلى مبادرات عملية على الأرض”. (ص 156)
الكاتب فتحي فوراني وهاجس العيش الوطني المشترك
إن إصدار الكاتب فتحي فوراني، طبعة ثانية من كتابه “مسيحيون ومسلمون تحت خيمة واحدة”، يدل على أن الأستاذ فتحي فوراني ما زال يحمل شعلة اللقاء، التي خبت منذ أن توقف قلب مؤسسه ومديره الدكتور جريس سعد خوري عن الخفقان. وما زال يؤمن برسالة “اللقاء” رغم توقف نشاطاته المعهودة من مؤتمرات للبحث والنقاش في قضايا تهم أبناء شعبنا بمسلميه ومسيحييه، وتوقف مجلته الفكرية الفصلية “اللقاء” الغنية بالدراسات والمقالات. إن مواصلة الأستاذ فتحي لا تأتي عن عناد أو قرار فردي، ولا هو يحارب طواحين الهواء ولا ينتظر عودة غودو، انما يأتي ذلك عن وعي وايمان واصرار على أن هذا هو الطريق، الطريق الذي يجمع شمل أبناء شعبنا، ويوحد كلمتهم وينير طريقهم، الذي يصون مستقبلهم المشتهى كما يقول في افتتاحية الطبعة الثانية.
إن جميع ما احتواه الكتاب من مقالات وكلمات للكاتب سبق وألقاها أو كتبها في مناسبات، سواء دينية أو اجتماعية تجمع أبناء الشعب الواحد، أو كلمات تقريظ وتعليق على الطبعة الأولى، تنما تصب في الهم الوطني والوجع الوطني على ما تبقى من وحدة وطنية وعيش مشترك يقوم على الاحترام المتبادل والندية والحوار، دون اعتبار لعدد أو كم يصب في حساب الإحصاءات الجافة، ومصطلحات “أقلية” و”أغلبية” التي لا تليق بشعب واحد، يمتلك تاريخا مشتركا وواقعا واحدا ومستقبلا حتميا.
وأكتفي هنا بما ورد في كلمة الدكتور جريس سعد خوري في الكتاب، بعد صدور الطبعة الأولى ونشرت في الطبعة الثانية (ص 13-14): “كلنا أمل أن يقرأ هذا الكتاب جميع أبناء هذا المجتمع العربي شبابا وشيبا، وأملنا أن تحتويه جميع مكتبات مدارسنا وأن يكون موضوع نقاش في حصص اللغة العربية والتاريخ والتربية، لأنه ثروة على الجميع أن يستفيد منها”.