فتح الباب ودخل هاربا من وابل المطر المتساقط طيلة اليوم ، القى حقيبته المتهالكة على الاريكة وهَم بإشعال المدفئة ولكن حلمه لم يكتمل فقد اطلقت انفاسها الاخيرة ليلة امس ,احضر الغاز الصغير عله ينال قسط من الدفء لقم ابريق الشاي على ناره الزرقاء , اشعل لفافته واخذ ينظر الى دخانها المتصاعد كأنه يراه لأول مرة بدوائره المغلقة مثل حياته التي تمر مسرعة بين شهقة واخرى .
كل هذا الصخب من اجل عيد ميلاد , المشكلة ليست بالصخب المشكلة تكمن بالرائحة فقد كانت اول من استقبله عند باب الحي , لا ادري هل يحق للجياع ان يحلموا بالرائحة فهي توقظ اصوات معدته الفارغة منذ الصباح .
همَ الى مطبخه الصغير كي يحاول اسكات قرقعته رغيف يلتف وحيدا بين صحن اللبن وقليل من زيت الزيتون ومقلاة تحوي ما تبقى من غداء الامس فهذا الكشك سر الفقراء يكفي انه يحمل رائحة عرق امي ودفء بيتنا العتيق .
ما زال الصخب يزداد واصوات السحجة والدبكة فوق رأسه تماما البيت يهتز تحت ثقل اقدامهم فالضيوف كثر وكلهم من اصحاب الوزن الثقيل وصاحبنا لا هم له الا ان يلفت انتباه الحضور لأثاث شقته ومجوهرات زوجته الصغيرة التي اثقل اهلها بالمال كي يحصل عليها فهذه فرصة ثمينة لعقد الاتفاقات والصفقات والمصالحات الوطنية ومنبر للخطب الرنانة والضحكات الصفراء .
لا حول ولا قوة الا بالله لقد نفذ الغاز ولم ينتظر حتى يعلن ابريق الشاي انتصاره على برد الغرفة الذي اخذ يزداد لقد كان يوما متعبا المهم اننا استطعنا ان نوصل اليهم بعض حوائجهم رغم كثرة الحواجز ونقاط التفتيش ولم تكن العودة باليسيرة ولولا ذلك لقضوا جوعا ومرضا اذا قدر لهم ان ينجوا من قذيفة او طلقة قناص .
وضع قليلا من الشاي في الابريق الذي لم ينضج عله يبل ريقه مع قليلا من السكر ويدفأ مفاصله التي بدأت تسطك معلنة احتجاجها ولكن يده خانته هي التي تحملت طلقة حمقاء اصبحت تمارس حريتها بلا ارادة من احد فسال الشاي على ما في الطاولة من كتب وبعض اوراق ليبلل قصائد ابراهيم الجرادي و قصة ابن طفيل الاندلسي الى ان تدارك ما تبقى من موجودات الطاولة بالسب والشتم ومع ذلك اشعل لفافته وبدأ يتأمل الف سؤالا يتراكض في مخيلته كحصان جامح القرية ..الاهل .. غرفته … رفاقه … اشارات المرور …الكتب .. مشاتل النعنع … جوفيات الاعراس … الجوعى والشهداء صوت الرصاص .. التماثيل التماثيل .
جلس على الاريكة تكوم على نفسه اصبح اجمل من طفل اغمض عينيه وارتسمت على وجهه ابتسامة ونام طويلا وحدها وردة تعاند اليباس تزهر كل ربيع على قبر بلا شاهدة ..
وما زال الصخب مستمرا …
السويداء 13\4\2017