* ملاحظة: هذا نص محاضرتي في الزوم/ اتحاد الكتاب الكرمل 48، وهي مقتطعة من دراسة أطول وأشمل.
* التمهيد الفلسفي: نظرية الثنائية الضدية لفهم العالم قديمة جدا: أهرومان وأهرومازدا. الملاك والشيطان، المؤمن والكافر، الخير والشر، الذكر والأنثى، البحر والبر، الأرض والسماء الصادق والكاذب، الجميل والقبيح، الروح والجسد.
* نظرية التثليث: طرفان ووسط: جبل سهل وادي، كبير وسط صغير، إن الديانات السماوية تعتمد التثليث: المسيحية= الآب والابن والروح القدس، الإسلام: الدال والدليل والمستدل به وهم: جبرئيل والقرآن والنبي محمد.
الآخر في الأدب: الآخر: مفردة محسوسة أو مجردة، وفي الحالتين تعني وجود طرفين في الغالب، ونطلق على وجود الطرفين هذا مصطلح” الثنائية/ من اثنين”، وهذه الثنائية قد تكون: ثنائية ضدية، أو ثنائية مرادفة. 1- الثنائية الضدية: تتكون من طرفين هما: الذات الراوية والآخر، والآخر هذا قد يكون ماديا أو معنويا. ماديا محسوسا: الانسان، الحيوان، الطير، المكان، أي شيء محسوس، وقد يكون معنويا مجردا غير محسوس: الفقر (لو كان الفقر انسانا لقتلته) الظلم، الحرية، الظاهرة الاجتماعية السلبية المتمثلة بالشخصيات في النص، الصراع مع المرض/ السرطان/ الكورونا، وغير ذلك. 2- الثنائية المرادفة: الذات الراوية والآخر المتفق مع ذات الراوي. 3- الآخر المحايد وهو الشخصية الهامشية، وظيفته لا تتعدى اقناع المتلقي بواقعية الحدث، كزبائن المطعم عندما تدخله شخصية أو أكثر من عالم النص الإبداعي: قصة/ سينما/… 4- الآخر النفسي/ الشخصي: فعندما يحاور ويتحدث الشخص مع نفسه ويناقشها (المونولوج)، تو جد ثنائية ضدية الشخص يحاور الآخر وهو نفسه، 5-الآخر الشيزوفروني (حالة انفصام الشخصية وتكون عادة بلا وعي).
* يوجد أكثر من نموذج/ نوع للآخر، فهذا الآخر الضدي أو المرادف أو المحايد، أو الشخصي/ النفسي، ليس بالضرورة أن يبقى ثابتا جامدا في علاقته مع الذات الراوية/ طرفه الآخر، فقد يتغيّر من ضد الى مع، أو العكس، وقد تتغير الذات الراوية تجاهه، وقد يكون حيا أو ميتا.
والآخر ليس ثابتا جامدا
وللآخر هذا فضل كبير على النمو الدرامي المتناسل من الأحداث في النص القصصي الذي يعتمد على الحكاية في مادته الخام أصلا: القصة القصيرة، الرواية، النوفيلا/ الرواية القصيرة، ق. ق. جدا، الأمثولة، الطرفة، المسرحية.
ففي كل هذه النصوص السردية القصصية يوجد طرفان: الطرف الذي يبني والطرف الذي يهدم، وهكذا ينمو الصراع الدرامي بين عمليتي: الهدم والبناء، وكل طرف هو الآخر للطرف الثاني. لولا هذه الثنائية الضدية، ما عرفنا القبيح من الجميل، ولا الشر من الخير، وما عرفنا لا من نعم.
الحكومة هي الآخر بالنسبة للأديب الفلسطيني المحلي. وهذه الحكومة السلطة ينتمي اليها: الوزير، الحاكم العسكري، كل الموظفين، القوانين العنصرية، صاحب العمل، صورة اليهودي الآخر في أدبنا ليست سلبية دائما، فلقد سبق وقلت: أدبنا الفلسطيني أدب انساني تقدمي، ومن هنا فإنه يتخذ موقفه من سلوك الآخر، وليس منه كإنسان.
وعليه يوجد نوعان من الآخر اليهودي: اليهودي السلبي والمتمثل في الشرطي والسجان والجندي وصاحب العمل والمعتدي على العرب كزعران المستوطنين/ تدفيع الثمن، اليهودي الإيجابي والمتمثل برجال حقوق الانسان وبمن يشارك العرب في مظاهراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية والعامل الذي يعمل مع العربي. وعليه، فالأدب الفلسطيني المحلي ليس لديه صورة مقولبة/ استباقية عن الآخر اليهودي.
* نماذج الآخر من خلال قصص أعضاء الاتحاد. لأسباب ما وبرضاء تام، لن أتناول الآخر في قصصي، رغم وجود دراسة B.Aعن الآخر في قصصي.
– في قصة سعيد نفاع “كيف ساهم العبد جراح في معركة خلة علّيق” الآخر هو العبد جراح من طبقة اجتماعية دونية لا يأبه به أحد، ولكنه ساهم مع سكان البلد في المعركة، في البداية آخر منبوذ طبقيا ثم يصبح آخر مرادف مع أهل بلده. – في قصة “الكلب” لزياد شليوط، الآخر هو كلب السيد (السيد هو آخر ضد، والجدار هو آخر مع) يتعقب الذات الراوية وحين وثب عليه اصطدم رأسه بجدار وخرّ مغشيا عليه. – في قصة شاهد عيان لنعمان عبد القادر، الآخر بالنسبة للراوي هو شخص نصف عمره كان علمانيا ونصفه الثاني أصبح متدينا وكأنه آخريْن في شخص واحد ولم يكن ثابتا. – في قصة: المرأة الأخرى لحوا بطواش، الآخر هو زوجها الذي ضحت كثيرا لتتزوجه، وها هو يخونها بعد عشر سنوات ولديهما أبناء، ذهبت لتضبطه مع عشيقته ولكنها تراجعت وعادت الى بيتها وأولادها، وبقي الصراع في داخلها وبقيت النهاية مفتوحة بذكاء. قصة عطر الورد لجميلة شحادة، الآخر هو ابنها ورد الذي مات غرقا، وعاملة النظافة عندها هي الآخر التي أوقعت زجاجة العطر بدون قصد فأقامت الأم/ الذات الراوية جمعية تحمل اسم العزيزين عليها، وهو: عطر الورد. قصة خطوات في المساء لدينا سليم حنحن/ استراليا، الآخر هو الصبي الذي سألته عن قطتها الضائعة فدلّها عيها وتحدثا فهو الآخر المرادف، والآخر المضاد هي السجانة بهية في سلوكها الذي استحضرته الذات الراوية. – في قصة: هادي يفشل في سباقه مع الشظايا، لسعيد نفاع، الآخر هو هادي الذي يسابق شظايا قذاف الجيش ليحضر الحياة/ الماء/ النجدة لأمه المحاصرة تحت الركام ولكنه يستشهد من قذائف الآخر العدو. – في قصة: قلق، لأسمهان خلايله، الآخر هو أسير أمني يخصها جدا لا يخرج لمقابلتها لأنه يخفي آلامه عنها وتبقى تنتظره حتى يجتمع الشمل. – في قصة: غصة، لأسمهان خلايله، الآخر هو الصديق العزيز الميت وهو غائب ثابت ولكن علاقته في حياته مع الذات الراوية أسكتتها ولم تستطع أن تتكلم رغم أن خطاب العزاء مكتوب، وهذا نموذج آخر للآخر. – في قصة: الأم الشريرة، لأمال أبو فارس، الآخر هي الأم الشريرة وفي هذا مفارقة ولكن الذات الراوية ترى أمها شريرة في سلوكها تجاههم وتتغير نظرتها عندما تتزوج وتتمنى أن تكون مثل أمها شريرة، وهنا نقف على نموذج آخر من الآخر الثابت ولكن نظرة الذات الراوية هي التي تتغير. – في قصة: رقصة الشحرور، لمصطفى عبد الفتاح: يوجد أكثر من آخر للولد وهما والده والعصافير، وتنتهي القصة بعمق فلسفي انساني عميق. – في قصة: انسحبتُ، لتفاحة سابا: الآخر زميلها في نشاط ما الذي يجلس أمامها عاريا بنصفه الأعلى في بيتها، وهذا يُبرز لها آخر من نفسها تحاوره هي المتحررة الواثقة من نفسها وهي المتشككة في أمره.