انسان شفاف واضح المعاني بأسلوبه الكتابي، غزير بأفكاره الناقدة والموجهة، يصوغها على شكل خواطر شخصية معبرة وناقدة، خوفًا ان يجرح بها مشاعر أحد، مما يدل على حسه المرهف، وفكره الصّادق، هكذا هو الأديب احمد عبد الحليم ابن قرية كفر مندا الجليلية، اذ يكتب الخواطر بشكل دائم يرسلها الينا أفكارًا ومواقف واضحة في شتى مجالات الحياة، يصبها خواطر ورديّة في صياغة أدبية جميلة راقية، يضعها امام القارئ، كأنه يضعه أمام الحقيقة التي يؤمن بها مباشرة دون تكلف، ودون مواربة.
الاديب احمد عبد الحليم يحمل في قلبه صفات انسان راق ونبيل يحمل المشاعر الانسانية الحقيقية الصادقة لكل الناس، وهو قبل أن يكون كاتبًا مبدعًا، فانه يحمل هموم ومشاعر الإنسانية، فتنعكس في كتاباته وفي أفكاره السلسة الجميلة الراقية مثل روحه المعطاءة. والخاطرة التي يكتبها احمد هي فن من فنون الكتابة الراقية ان أحسن اتقانها، يفرغ بها الكاتب ما يدور في راسه من أفكار وقضايا اجتماعية وسياسية وتربوية ونفسية وحتى شخصية، تترجم فيها الاحاسيس بإبداع حسي ومعان عاطفية عميقة صادقة، يطرحها بأسلوب شعري جذاب دون الالتزام بقواعد الشعر وبحوره.
قبل فترة، أهداني كتابه الجميل وهو إصداره الأخير بعنوان” عبق الماضي مجموعة خواطر، وهو كتابه الرابع من سلسلة كتب، دأب على إصدارها على شكل خواطر، وهي في متاهات الدروب، ولادة من رحم الزمن، من الألم يولد الامل، وكتابه الذي بين يدي، عبق الماضي، ومولوده الخامس بعنوان “صرخة” ينتظر الميلاد القريب نتمنى له ولكاتبه كل التوفيق.
وفي كتابه “عبق الماضي” بالإضافة الى عتبة النص الأولى، التي يفتح من خلالها احمد خواطره الجميلة المعبرة نحو الماضي وما يمكننا ان نتعلم منه من دروس وحكم وعبر، فقد شدّني الاهداء في صفحته الأولى ” اليك ايتها البذور المندملة تحت التراب الطاهر اما آن لك ان تنبتي وتزهري بعيدًا عن الاحزان” ما اجمله من اهداء يستصرخ فيه البذور التي زرعها السلف الصالح ان تنمو تحت الأرض وتخرج لتكبر وتتعلم حب التاريخ والتراث واللغة وتعاليم الأجداد، وتحمل الراية وتمضي. انَّه يتحدث ببساطة الفلاح، وبعمق الفيلسوف الذي صقلته الحياة.
يضع الكاتب احمد عبد الحليم بين أيدينا خواطر تحمل رسائل أخلاقية تربوية تثقيفية سلوكية، وقضايا اجتماعية، يإنُّ تحت وطئتها المواطن البسيط، فيستفز فيها القارئ ويحثه على مناقشة الاحداث بأسلوب سلس انيق ولغة جميلة سليمة منمقة، بعيدة عن التكلف والتعقيد ومفردات مترابطة ولغة واحدة ثابتة لإضافة الجمالية على الخاطرة يدعوه للنقاش واتخاذ المواقف من اجل تنقية المجتمع من ادرانه، يوجه خواطره بالأساس الى جمهور الشباب، ويرى بهم جمهور الهدف، واضح انه يتفاعل مع احداث مجتمعه، ويتوق الى تصويب مساره خوفًا من انحراف شبابه، ويدعو الجميع الى التمسك والالتزام المبدئي والأخلاقي بالعادات والتقاليد والاسس الصحيحة والسليمة التي نشأ عليها مجتمعنا المحافظ ، من اجل ضبط إيقاعه، وتصويب مساره، كي يسير في خطى ثابته واعية على طريق السلف الصالح، وهو يرى بهذه الخواطر طريقة من اجل إيصال هذا النور الباهت الى الشباب الذي يتوه في بحر الحياة المتلاطم، كلما ابتعد عن ماضيه.
يكفي ان نستحضر مثالا من خواطره الجميلة، في استحضار قصة الشيخ الجليل ابن كوكب وكفر مندا على حد سواء، الشيخ حامد رحمه الله، فقد عاش ردحًا من الزمن في كوكب امامًا ومعلمًا وشيخًا وقائدًا، رغم انه كفيف البصر ولكنه ذو بصيرة ثاقبة، وبديهة حاضرة، وهو صاحب مقولة “ركبناهم ورب الكعبة” في إشارة الى الانجليز عندما حرقوا قرية كوكب أبو الهيجاء عام 1938 اثناء استعمارهم لفلسطين.
خاطرة احمد عبد الحليم تروي قصة الشاب الذي جاء الى الشيخ حامد يطلب الإفتاء له انه يشرب الخمرة ولا يستطيع تركها، ويرغب بالصلاة، فأشار عليه الشيخ ان يصلي ويشرب الخمر، حتى اكتشف لوحده ان شرب الخمر حرام فاقلع، وكأنَّ بأحمد عبد الحليم يشير الى حكمة الكبار في توجيه الشباب، وتصويب المسار، بالحكمة والتسامح واللين، وهذه هي رسالته الأساس الى مجتمعه.
وأخيرا نتمنى للكاتب النجاح في مشروعه الجميل، وان يستطيع إيصال رسالته وخواطره الى القارئ أينما كان، وان تكون لنا جميعا نبراسًا، لك التوفيق والنجاح أيها الكاتب والاديب والجار العزيز.