تحيّة إجلال من أحرار باستيل عسقلان إلى الكلّ الفلسطينيّ
حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي في الفيسبوك انطباعاتي الأوليّة؛ تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت لقائي بهم، بأفكارهم وبكتاباتهم متنفّسًا عبر القضبان.
عقّبت الصديقة صباح مصطفى من مخيّمات الشتات: “ألم وحزن اخترق قلبي وأعماقي عندما كتبت عن أسيرات من بلادي. أمهات وأطفال وصبايا بعمر الزهور، يلعن أبو الاحتلال وأبو الظلم. الله يعطيك ألف عافية أستاذ حسن. الحرية لكل الأسرى”.
وعقّبّت الأديبة الخليلّية قمر عبد الرحمن: “إرادة صلبة ومشروع الرّسائل رائع سيضيء عتمة المكان أكثر وأكثر وستتماهى روحهم بالحريّة قبل الحريّة القريبة بإذن الله. دمت رابطًا مقدّسًا بيننا وبينهم وأعانك الله على حمل رسائلهم حتّى تحمل شعلة الحريّة”.
تحيّة عزّ وكرامة من أحرار باستيل عسقلان للأهل في الكلّ الفلسطيني.
“القدّيس والخطيئة”:
غادرت حيفا صباح الأحد 30.05.2021 للقاء أسرى في سجن عسقلان، يرافقني الصديق مصطفى نفاع، ونتيجة لأزمة مروريّة طال المشوار. وصلت، وإذ بعدوّي اللدود “العدد” بانتظاري ممّا جعلني أتأمّل مشروعي التواصلي مع أسرى يكتبون.
ف
ي غرفة المحامين بدأت أتكهّن مَن الأسير الأوّل الذي سألتقيه، فأطلّ الأسير خليل محمود أبو عرام [1]، معتمرًا كمّامته فأزاحها جانبًا وبادر قائلًا: “وهاي كمان ابتسامة منتفضة لعيونك”، ممّا حطّم كلّ الحواجز بلقاء “غريب” للمرّة الأولى.
تحدّثنا عن الحياة اليوميّة خلف القضبان والكتابة من هناك ومشروعة الأدبي والثقافي؛ “معركة الكرامة والشرف”، “رحلة صداقة من المهد إلى اللحد”، وإصداره المنتظر: “القدّيس والخطيئة”، دراسة بحثيّة حول الحركة الأسيرة.
حدّثني عن جولاته ورحلاته في شتّى أرجاء الوطن السليب، معزّزًا ومكرّمًا أكثر من حمَلة ال (V.I.P) مع حرّاس مرافقين يهتمون بكل كبيرة وصغيرة “وبدون تصريح”، وعن تحقيق العودة لأسرى عائلة أبو حميد، حيث نجحوا في تحقيقها عبر وجودهم في سجن عسقلان، وعن الوضع داخل السجون، فالسجنة الأولى كانت لخمس سنوات وتحرّر بصفقة أوسلويّة ليعاد احتجازه من جديد منذ 2002 .
أبناء جيل الانتفاضة الأولى كبروا، وهناك مصنعان للإنتاج: السجون والجامعات ويتحسّر على تغيّر المناهج والأجندة.
داهمنا الوقت مهرولًا وعيناه تشعّان إيمانًا بحريّة قادمة.
لك عزيزي خليل أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك من أسرى الحريّة.
“طقّة المفتاح”:
بعد لقائي بخليل، انتظرت وصول الأسير الثاني فسمعت “طقّة المفتاح”، فهناك عدّة أبواب متتالية، وتعثّر فتحه وساعده الأسير معتز محمد فخري عبد الله الهيموني [2] الذي أطلّ بابتسامته الملازمة فأخبرته بوجع الانتظار، واتفقنا على تجميع مفاتيح كلّ الزنازين حال تحرير كافّة أسرانا وصهرها دون رجعة، خلافًا لمفاتيح العودة.
تحدّثنا عن “العدد” المقيت، كلمة بتّ أمقتها، فعليك أن تقف أمام السجّان، وهي أسوأ الحالات النفسيّة حيث يبدو جبروت السجّان.
تناولنا الكتابة داخل السجن، فيجدها اليوم رسالة صارخة: “نحن هنا”، رسالة تحذيريّة ضد نسيان الأسرى وقضيّتهم، ومشروعه الثقافي؛ الندوة ضمن مشروع أسرى يكتبون ورابطة الكتّاب الأردنيّين وروايته القادمة “غابة عزازيل”.
حدّثني عن حلمه و”قناة تاج” وبرنامج مقترح “أسير وورقة” والشعلة الشبابيّة ومشاريع ثقافيّة تربويّة أخرى.
ولسان حاله يقول إن الحريّة إيمان وليس مجرّد حلم عابر، وهي قادمة لا محالة، وطلب أن نحضّر بلكوننا الحيفاوي لقعدة تلمّ كلّ الأسرى الذين التقيتهم في السنوات الأخيرة.
لك عزيزي معتز أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة ويكون لقاؤنا القادم في حيفا، تلك الجنّة التي زرتها مرّة واحدة وتحلم بها ليل نهار، كما وعدتني.
“مراهقة اعتقاليّة”:
بعد لقائي بخليل ومعتز، أطلّ الأسير أيمن ربحي مصطفى الشرباتي [3] ضاحكًا وكلّه حماس، حيويّة ونشاط فبادرته السؤال من أين لك هذا فأجابني بعفويّة “هاي مراهقة اعتقاليّة!”.
تحدّثنا عن إصداره “أسرى وحكايات” والاهتمام الذي لاقاه والندوات القريبة حوله في شتّى أرجاء البلاد وفي عمان.
حدّثني بحماس عن أحلامه وبرامجه لإحياء البلدة القديمة في الخليل والتراث المحلّي لتنتصر الرواية الفلسطينيّة الصادقة والأمينة للحفاظ على الجمر والقضيّة.
تناولنا أهميّة (السوشيال ميديا) والنشاط الشبابي في الكلّ الفلسطيني وما تقوم به منى الكرد ومثيلاتها والدعم العالمي للحق الفلسطيني، والأخوات جيلينا نورا (جيجي) وأختها بيلا حديد وأهميّة أنسنة القضيّة بعيدًا عن الأسطرة التي باتت بضاعة خاسرة.
وجدته (زنبركًا) ناشطًا، كلّه أفكار وبرامج ومخطّطات متجدّدة ولسان حاله يقول بأنّه يتوجّب علينا تغيير طرق التفكير والعمل وابتكار أساليب حديثة لتخرجنا من التقوقع والتكلّس الذي تلبّسنا في العقود الأخيرة، معوّلًا على الشباب الواعد وانفتاحه على التكنولوجيا الحديثة في عصر العولمة وتجنيدها لتحقيق الحريّة المنشودة لبلادنا وشعبنا.
لك عزيزي أيمن أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة .
أيار 2021
___________________
الهوامش
[1] الأسير خليل محمد أبو عرام، أعتقل يوم 30 أكتوبر 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد 7 مرات. [2] الأسير معتز الهيموني، اعتقل يوم 25 نيسان 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد 6 مرات وعشرون عامًا. [3] الأسير أيمن الشرباتي، اعتقل يوم 17 آذار 1998، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد 7 مرات.