وأنا أرحّب بإشراقة يومِه الأوّل
أتفحّص ملامحَه ومعالمَه..
وأرقب موكبَه وبي شعورٌ ممزوج بخضرة الأمل وحمرة ألم..
لسنواتِ طفولة رحلت منذ زمن
كانت النّفس تصهل لحلولِه وترتع غير آبهةٍ بما يدور في فلكِها ومدارها..
وسنوات أخرى عالقة أحداثها متمسّكة بخيوط الذّاكرة
تتوجّس شرّا يبطّنه تحت إبطه.
سيحطّ رحاله كعادته ثلاثا من الشّهور ..
*****
أسمع تغريد الأطيار ناعمًا أنيسا
أهنأ لها وأحسد…
وحين تتعالى ثرثرتُها
وتستدعي أن أشنّف السّمع والآذان..
تبقى أرحَمُ وأهدَأ.
يحلو أن أراها تخفق تغزو الفضاء واثقة طليقة..
أحلم وأبغي لو أقلّد..
*****
أرى جداول المياه منسابة تدرك سبلَها عن ظهر قلب..
تسيرُ رغم القيظ وليس مَن يُعيق مسارها..
هلّا أفصحتِ كيف السّبيل وهل خطايَ إليه اليقينُ؟!
*****
وأنت في عَليائك
أيّتها المُنبلِجةُ المعلنة انبثاق فجر جديد كلَّ صباح..
أسألك أن ترْأفي بنا ولِحالنا
ولا تُثقِلي درجةَ غليانك الحراريّة ولو سعرةً واحدة
يكفينا غليان الأرض فينا يكتنِفنا من كل صوب..
قلوب البشر ضاقت
والدّمُ مُحتقنٌ في الشّرايين..
واحتمالاتُ الاشتعال كاشتعال النّار في الهشيم.
صور الغضب لهيب أيّا كانت تؤجّج النّظر ..
يفور الدّمُ الدّم
فكوني هادئةً لطيفة
عدّلي منسوبَ الحرارة..
واسألي الغيوم بيضاء فتُظلّل فضاءنا وتشرح صدورنا بصفحات مُشرّفة..
أعرفكِ بسلطانِك وعنفوانك متسلّطة تتحكّمين بالكثير ..
علّميني كيف أصهرُ كلّ ريح عاصفة إن شاءت يوما في الرّحاب تعصفُ؟
وكيف أقيّدُ أجنحتها فلا تثور وتثأر؟
ففي أرضي ذهبيّةٌ السّنابل في اكتمالها تواضعت..
تنتظر منجلَ الحصاد.
والزّهر في وطني احلَولى رغم الشّوك
يتمايل راقصا يشرئبُّ بعنقِه يعانق الشّجر ..
ولو ذات صيف..
21.6.21
كتب الناقد والأديب أحمد محمود دحبور
الطبيعة أم حانية على الإنسان، وإن قست عليه أحيانا فهي كقسوة الام الرؤوم على أبنائها، قسوة مشوبة بالحب والحنان والرحمة والخوف وفيها الخصب والعطاء.
فوز فرنسيس، هامت -كعادتها- بجمال الطبيعة الصامتة ووصفت صيف فلسطين وتُرعه على نوح وتغريد طيوره، فجاءت كلماتها خالدة مطرزة بألوان الصيف وفتنة مظاهره في السماء والارض وما فيهما من كنوز وظواهر طبيعية سخّرها الله لنا من شمس وكواكب وأفلاك وأقمار ونجوم وغيوم وأمطار ورعود وبروق، ومن أرض بما رحبت من جمال وديانها وتلالها وسهولها وأغوارها وزهورها وأشجارها وأنهارها وبحارها، ولقد تمكنت أديبتنا من مزج هذه العوالم الطبيعية بألوان متنوعة ومتعددة ولقد أنسنتها عبر توليد عدد من الاشارات والايحاءات الدالة على الحياة بكل معانيها وجمالها وفرحها وألمها، وذلك بأسلوب فني يربط بين الخاطرة والشعر والنثر وبلغة بسيطة قريبة من النفس وتريحها وتبتسم لها لما أسبغته من ذاتها ونفسها وحسّها المرهف واللطيف وربط أغراض الطبيعة بذاكرتها..؛ ذاكرة وطن وأهل واصدقاء وأثر ذلك على نفسية سوسنتنا الشاعرة فوز فرنسيس.
وقد سبق ان هامت قريحتها وخاصة في بداية كتاباتها الأدبية بالروضات والجنائن والزهريات والثمريات والمائيات والشتائيات والثلجيات وكأننا أمام شاعرة أندلسية بصبغة فلسطينية..
فوز أحبت الطبيعة ولبست كسوتها وفصولها وأفاضت روحها بكل جمال الطبيعة الفلسطينية بكل صدق وعبر صور بديعية ولوحات تصويرية متنوعة مخضبة بالجمال اللفظي والمجازي، تكتب بحواسّها وتتفاعل مع الطبيعة بصدق مشاعرها وعمق تصويرها وحسن وصفها دون تكلّف وتصنّع كأنها ابن خفاجة، بوركت ظلالك الوارفة وأنت ترسمين ألوان قزح لبيئتنا الكنعانية برياض الجمال والنور وبرياحين الادب ونرجسه ولوزه وزعتره وسوسنه. وفقك الله والى الامام.
وكتب الدكتور نبيل طنوس
احببت التوجه في القصيدة نحو الصيف وتوظيفه للتعبير عن أفكار الشاعرة الشخصية. وما يثبت هذا هو الإكثار من استعمال ضمير المتكلم (وأنا، أتفحص، أرقب، اسمع، أحلم، ارى وغيرها)، وبعدها تخاطب الصيف غير المحدد. فإن عنوان القصيدة “ذات صيف”، يعني صيف من الصيوف أو الأصياف، وحدث تعميم للصيف الذي حدث اليوم 21.6 إلى كل صيف.
جميل هذا الشعر الذاتي. أحببت نهاية القصيدة “والزهر في وطني احلَولى رغم الشّوك”، نهاية قوية جدا وعميقة.