أبو العُرّيف – علياء ف. رحّال

 

يُحكى أنّهُ في إحدى القرى، كان يعيشُ السّكّانُ في دِعةٍ وهدأةِ بالٍ، وكانوا إذا واجَهتْهُم مشكلةٌ يلجؤونَ إلى شخصٍ من قريتهم يُدعى أبا العُرّيف؛ ذلكَ لادّعائِهِ مَعْرِفةً في كلّ المواضيعِ الحياتيّة،

وقد رافقته هذه الكنيةُ ردحًا من الزّمن على سبيلِ التّندّرِ والدّعابةِ، حتّى نسيَ النّاسُ اسْمَهُ الشّخصيّ وكنيتَه الحقيقيّةَ.

وبمرورِ الزّمنِ أُصيبَ أبو العُرّيف بشَأْفَةِ التّكبّرِ، فصارَ يظنّ أنّه المُرشِدُ

والمرجِعُ الأعلى لكلّ رأيٍ وفكرةٍ في القريةِ، وصار يُلغي ويصادرُ آراءَ الآخرين، مع أنّه، كما ألمَحتُ، في حقيقةِ الأمر لم يكن يعرِفُ أكثَرَ منهم، وكان في رأيِهِ مستبدًّا، مع أنّه أحيانًا يُصيبُ،  وأخرى يخيبُ.

وفي أحدِ أيّامِ الحصادِ، كان رجالُ القريةِ يتفيّأون ظلَّ الجمّيزة الكبيرةِ، الواقعةِ على سفحٍ يُشرفُ على الحقولِ وقد استحصدت، واكتست لونًا ذهبيًّا، أين منه صفرةُ الذّهبِ النُّضارِ، وكانوا يوقدون نارًا خفيفةً في حفرةٍ أحاطوها بالحجارةِ،وصفّوا حولها أباريق القهوة والشّاي وجلسوا ينتظرون نسائمَ العصر ليواصلَ كلٌّ عملَه: هذا يذهبُ إلى بيدَرهِ ، وذاكَ يحملُ منجله ويواصل الحصاد وكلٌّ لديهِ عملٌ سيواصلَهُ،  بعدَ أن عملَ الجميعُ حتّى بُعيْدَ الضُّحى.

أمّا النّسوةُ فكان بعضهنّ في البيوت والبعضُ تجمّعنَ عندَ الغدير يغسِلن الملابس ريثَما تدور عجلَةُ دوريّة المساء.وكانت بينَهُنّ ابنةُ أبي العرّيف الوحيدةُ،  وقد نقعَت عباءة أبيها البنّيّة في وعاءٍ لغسلها مع بعض الملابس.

وبينما كان معظم الرّجال تحت الجمّيزة، ظهرَ أبو العرّيف

من السّفح المقابلِ يُهروِلُ بعباءتِه الرّماديّةِ الفضفاضةِ هذه المرّةَ، وكأنّهم حدسوا أنّه عاتبٌ عليهم ، لِمَ لَمْ يُخبروهُ بمكان تجمّعهم، فاتّفقوا  على اختلاق مأزق خفيفٍ يتندّرون بعرضه عليه ليحلَّه ويُرضيَ بعضَ غرورهِ، ولمّا وصلَ  أبو العُرّيف أجلسوهُ  في صدر الدّيوان، فأخذَ أحدُهم جمرةً من النّار ووضعها خفيةً على ذيل عباءته دون ان يُحسَّ.

وما هي إلّا لحظات حتّى أخذت  النّارُ تسري في أطرافِ عباءتهِ فصارَ يركضُ ويركضُ  وهو يصيحُ :يا وَيْلي أطفِئوا ذيلَ عباءتي!!!!

فقال أحدُهم:  تصرّف يا أبا العُرّيف، ألسْتَ تعرفُ كلَّ شيءٍ؟

وصار أبو العرّيف يركضُ والنّارُ تأكل ثوبهُ فظنّ النّاسُ أنّهُ سيقفزُ في الغديرِ، لكنّهُ عرَّجَ نحوَ أحدِ الحقولِ وصار يتدحرجُ فيهِ ظانًّّا أنّ هذا يُطفئُهُ، وأخذت ألسنةُ اللّهب تأكلُ هشيم َ الحقلِ وسنابلَهِ ، أمّا ابنتُهُ فحملت عباءتَهُ المُبلّلةَ وانطلقت وراءَهُ كالسّهمِ ولفّتْهُ بها حتّى أخمدتْ نارَ ثوبِه،وأمّا الحقلُ فقد أتت النيرانُ عليهِ كُلّهِ،  رغمَ كلّ المحاولات الّتي بذلها أهلُ القريةِلإخمادِها.

ومنذُ ذلك النّهارِ، اعتزل أبو العرّيف مجالسَ الرّجالِ، والتزمَ

في إدارةِ شؤونِ بيته ، وظلّت ابنته الوحيدةُ تعتني به حتّى

يومِهِ الأخير.

 

علياء ف. رحّال

  • من مواليد قرية عيلبون الجليليّة.
  • أنهت دراستها الابتدائية في مدارسها بتفوّق.
  • تقيم مع عائلتها في قرية عرب اللّهيب على حوض البطّوف.
  • أنهت اللّقب الأوّل والثّاني في كليّة أورانيم في التّربية متعدّدة المجالات/ الحقول .
  • تحمل شهادة تدريس في للّغة العربيّة من الكُليّة العربيّة للتّربية في حيفا.
  • تعمل معلّمة في المدرسة الابتدائيّة في القرية.
  • تمارس كتابة الشّعر والقصّة والمقالة من خلال صفحتها الفيسبوكيّة ومنتديات أدبيّة متفرّقة.
  • تتوجّه مؤخرًا للكتابة في أدب الأطفال إيمانًا منها في دور الكلمة والنّص ذو المعنى في صقل شخصيّة الأطفال وتهذيبهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*