كلمتنا في الأمسية الثقافيّة المغار مع العضو الشاعرة تفاحة سابا

 

حزيران 2021م

الأخوات والأخوة والمُحتفى بها!

الكلمات هذه، هي تحيّةٌ ورسالة للشاعرة تفاحة سابا أحملها من الاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل 48، الذي يتشرّف بعضويّة تفاحة فيه. وتحيّةٌ ورسالة لوحدة النهوض بمكانة المرأة في المغار على هذا العمل الثقافيّ، وهي تحيّةُ ورسالة لكلّ من يرى بالعمل الثقافيّ؛ فكرًا وبحثًا ورواية وقصيدة وقصّة ومسرحّا وريشة وإزميلًا، أساسًا لرقيّ الناس ورِفْعتهم.

وعْريّة تفاحة ومداها المدهشُ سأتركه للدكتور نبيل طنّوس عضوِ إدارة الاتّحاد، ولا يراودني أدنى شكّ أنّ كلماتِه ستكون على قدر الوعورة وعلى قدر الإدهاش. ما أودّ الإشارةَ إليه في الشاعرة تفّاحة سابا هو أن نصوصَها تحمل رسالةً أدبيّة والرسالة لبُّ أيّ عمل أدبيّ، وأنّها اختارت ال”نحن” على ال”أنا”، اختارت أن تجعلَ قلمَها في خدمة الناس نصّا وتجعلَه ونفسَها في خدمة المشهد الأدبيّ فعلًا، من خلال انتظامها في صفوف الاتّحاد، فتنظيمُ الحركة الثقافيّة، أيِّ حركةٍ، وعندنا بالذات، هو الضمانُ الأوحد لبَوْصَلة الحراك الثقافيّ في الاتّجاه الصحيح؛ في وجه التحدّيات التي نواجه كأقليّة قوميّة في بلادنا، اجتماعيّا وسياسيّا ووطنيّا.

الرسالةُ التي يجب أن يحملَها النصُّ الأدبيّ، وبمعنى آخر؛ القولُ الذي يجب على النصّ وصاحبِه غَرْفُه ومن ثمّ إيصالُه العطاشَ، هي الهدف الأسمى. ونشهد مؤخّرًا وعلى ضوء “التعويم” في سوق الأدب؛ انتاجا وأمسياتِ إشهار و\أو تسويق، وعلى ضوء غزوِ مواقعِ التواصل المشهدَ وما تنغِل نغَلا به من كلّ ما هبّ ودبّ، نشهد غيابَ أو ضمورَ الرسالة الأدبيّة ممّا يُطرح من نصوص.

إنّ ما يعتور حياتَنا الفكريّة والوطنيّة والاجتماعيّة في العقود الأخيرة من ارتجاجات (درجة 7 وما فوق على سلّم ريختر!)، جعل الانكفاءَ شبهَ الكليّ نحو الذات ديدَنا، وبالتالي أسقط على أدبنا آخذا إياه نحو مدرسة أو نظريّة؛ “الفنّ للفنّ” استراقا وتسرّقا وعلى الغالب كمَثَل الغراب والحجل، فتضعضعت مكانةُ الرسالة الأدبيّة. وقد اتخذ الكثيرُ من النصوص أشكالا لا تتعدّى الصناعةَ الفنيّة وإخراجَها وأداءها، وربّما اتخذتها هكذا من حيث لا ندري انسياقا وراء الارتجاجات في المُثل والقيم أعلاه، اللّهم في لمحة في النصّ هنا وأخرى هنالك وضربةِ ريشة في اللوحة هنا ومثلِها هناك، وفي الكثير من الأحيان “تجمّلا”، فتجيء هذه اللمحاتُ والضربات حشوًا صارخًا يسيء حتّى لمثل هكذا نصّ فنّه للفنّ.

إنّ الرسالةَ في النصّ الأدبيّ؛ هي الهدفُ الأسمى وبالتالي هي المقياسُ وهي المعيار لقيمته وقلّتِها، وقوّته وغيابِها، وأهدافِه وضياعِها. الافتقارُ إلى الرسالة غيابًا أو تغييبًا، أو “كشوحُها”، أو عدمُ وضوح عنوانِها أو عدمُ وضوح ما نريد لهذا العنوان ومنه وهذا هو الأهمّ، كلّ هذه إن اعتورت النصَّ تجعل من النصّ الأدبيّ “طقْع حَكِي” ومهما جمُل لبوسُه بفاقع الألوان وعلا رَنينُهُ بمُنغّم الألحان، فلن يشفعَ له لا جمالُ اللبوسِ ولا عذبُ الرّنين.

وقد قيل: “رسالة الأدب ينبغي أن تزرع في قلوب أبنائها الشعورَ بالمسؤوليّة التي تحتّم عليهم أن يتجشّموا الصّعاب، ويأمنوا على أنفسهم مصارعَ الفِتن… ويزرعوا قيمةَ الأدب أخلاقًا وآدابَا قبل الالتزام بقواعده تعبيرًا وأداء.”

صحيح إنّه يحقّ للشاعر كما الكاتب، أن يشعَر ويكتب تنفيسًا عن مكنونات نفسه وبثّ لواعجه الذاتيّة والشكوى وحتّى البكاء، ويكتبَ الماورائيّات في كلّ ما يشاء، ويكتبَ الوجدانيّات صبح مساء، ويُطلسمَ قدر ما شاء. ولكن عندما تصير نصوصُه كلّها تدور في هذه الدوائر لا تتخطّاها، فما للناس وله ولمثل هكذا نصوص اللّهم إن شاطره البعض ذاتيّاتِه، وأولئك قلّة؟!

الأخوات والأخوة!

نُدرة أو قلّة هم الناس الذين يعيشون لأنفسهم، الإنسان بطبيعته يعيش لنفسه وللآخرين، يعيش لدائرته الصغرى فالأوسعَ والأوسع. وِسْعُ دائرته واكتظاظُها وتداخلُ أخرياتٍ معها يقررها، عند الميتافيزيقيّين، قدرُ هذا الإنسان والدورُ المنوطُ به من لدُن القوّة الأعلى في الحياة وتجاه الأحياء، وعند الفيزيقيّين، تقرّرها إرادتُه وخياراتُه في الحياة.

المُنتِج وفي سياقنا؛ باحثا كان أو مفكّرا أو كاتبا أو شاعرا أو فنّانا، وبغضّ النظر إن اعتبر نفسه من “الأَوّل” أو “الأُخّر” أو كان خليطا من هؤلاء ومن أولئك، دائرتُه هي أوسعُ كثيرا من ذاته، تشملُه وتشمل الناسَ وحولها دوائرُ أخرى وأخرى؛ عائليّةٌ ومجتمعيّة ووطنيّة وإنسانيّة. نصُّه ليس ملكًا له حتّى وهو في أدراجه متأهبّا للانطلاق، واختبارُ رقيّ ورفعة هذا النصّ ليس مواصفاتُه الأدبيّة النظريّة وإنما في الرسالة التي يحمل، فالأولى، المواصفاتُ الأدبيّة، لن تنفع في النصّ بدون الثانيّة والثانيةُ لا تنفع بدون الأولى وقد تنفع حتّى لو جاءت الأولى “مْبَهدَلة” بعض الشيء، ولنا في الكثير من المُبدعين مثلٌ.

النصّ ينغرف ويَغرُفُ معه الرسالة الأدبيّة من صخب الدائرة التي يولَدان في فلكها وفيها يعيش مُولِّدُهما، وبحكم وطبقًا لدور المُولّد يُغرفان من الصغرى فالأكبر. وحين يتعدّى الصخبُ محيطَ الدائرة الأصغر ويتداخل أو يتشابك في مساحاتِ الدوائر الأخرى فالنصّ وحِملُه يُغرفان من صخبها كلّها مجتمعة. إن اغتُرفت الرسالة هكذا فقد وضعت خطوتَها الأولى في الطريق، وإن قارعت الصّخبَ ودون هوادة فهي بهذا تشقّ الطريق، وإن أضاءت الطريقّ فقد بلغت المأرب، وحينها يستطيع النصّ القول: “اللهم اشهد إنّي بلَغتُ” (بالفتحة دون الشدّة على اللام).

وهذه هي تفاحة تغرُف نصوصها من كلّ الدوائر محمّلةً برسالة أدبيّة ساطعة… فبوركت وبورك قلمُك!

سعيد نفّاع

الأمين العام للاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل48

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*