ويبقى الكتاب “خير جليس في الزمان” على حد قول شاعرنا الأسطوري المتنبي، وأوفى صديق كما أنشد أمير شعرائنا شوقي. وتبقى الكتب أجمل الحدائق، خاصة عندما تصلك مجموعة متنوعة من الكتب، ما بين شعر أو قصة، بحث أو رواية، مقالة أو ابحار في معالم وتاريخ الوطن.
وكما تنتعش نفسك عندما تدخل حديقة متنوعة الأزهار والورود، ومتعددة الرائحة والعطر، فتحتار أي وردة تختار وأي زهرة تشم، فكلها تملك من الجمال الآسر والرائحة الزكية، ما يدعوك لأن تقترب منها وتبقى عندها لحظات، لتنتقل بعدها إلى جارتها برغبة أكبر.
وهكذا هي الكتب، تحتار بأي منها تبدأ وبأيها تختتم. فتتصفح أحدها وتقرأ قصيدة من هذا الديوان، ومقالا من ذاك الكتاب، تارة تلجأ للمقدمة وطورا إلى العناوين في الفهرس، وتعود إلى تقليب الصفحات والتوقف عند مادة معينة أثارت فضولك أو اهتمامك.
هذا ما أصابني في الشهر الأخير. بقدر ما سعدت بمجموعة الكتب التي وصلتني، بقدر ما وقعت في حيرة كبيرة وورطة جميلة، أيّ كتاب أبدأ به وأيّ أتركه لما بعد، وكل منهم يناديني ويغريني بقراءته ومصاحبته لأيام، وميولي تأخذني يمنة ويسرى، ولا أجد مخرجا إلا بمحاولة إرضاء كل منهم. أحدهم أتناول معه وجبة صباحية من الشعر الرقيق المهموس. وآخر أتوقف معه عند الظهيرة مع مقالات رصينة وهادفة، وثالث أتسامر معه في رحلة إلى بلادي الجميلة والساحرة بطبيعتها والغنية بتاريخها وتراثها. ورابع أقتنص وقتا ما لأعود إلى مرحلة جميلة من العمر لقراءة قصة للفتيان تذكرني بقراءة قصص كامل كيلاني للفتيان، وقصص كتابنا وشعرائنا أمثال جمال قعوار، محمود عباسي، قيصر كركبي وغيرهم.
لقد عشت ساعات جميلة ورائعة في الشهر الأخير مع كتب أصدقاء وزملاء ورفاق فكر ومبدعين كل في مجاله، فالشكر لهم على ما قدموه لي من فسحات سعادة ورقي وتجلي مع الكلمة والفكرة والصورة.
أول ما وصلني لحديقة الشهر الأخير، كتابان من الشاعرة والمربية الأخت الدكتورة روز اليوسف شعبان من طرعان، وكانت مفاجأة جميلة أن يصلني الكتابان وأستلمهما يدويا بواسطة صديق مشترك في المكتب أثناء العمل. كتابا د. روز ” أزهار البنفسج” و”مفتاح جدتي”، قصتان موجهتان للفتيان ولليس للأطفال، وبهذا تخوض شاعرتنا غمار مجال جديد في كتابة القصة من حيث الأعمار.
وسعدت مرة أخرى بزيارة –ولو كانت خاطفة- لزميل سابق وصديق دائم الأستاذ الباحث والكاتب فوزي ناصر حنا، حيث ارتشفنا فنجان قهوة على عجل، وأهداني كتابه الجديد “جلال الجليل” وأهديته كتابي الأخير “أمواج الكلام”. ومباشرة أخذت أقلب صفحات الكتاب لأتعرف إليه، ووجدت أنه يشبه كتابه “على دروب الجليل”، الذي يرافقني في جولاتي إلى مناطق الجليل، فعدت للمقدمة مستوضحا، وجاءني الجواب من الكاتب بأنه كان يخطط لاجراء تعديلات على الكتاب السابق، ليجد نفسه “في خضمّ بناء جديد”.
وكم كنت محظوظا صباح أحد الأيام عندما هاتفني الرفيق والصديق الشاعر المتميز حسين مهنا، ومنذ سنوات لم نلتق أو نتبادل الحديث، وسعدت بمهاتفته وحديثه وقد تأثرت جدا وهو يشكرني على مقال كتبته أتناول فيه جانبا من تجربته الشعرية الغنية، ووعدني بإرسال عدد من كتبه إليّ، وانتظرت أياما وأسابيع، لكن همة “البريد” ثقيلة، لكن الهدية الثمينة وصلت مصحوبة بكلمات صاحبها الشاعرية الرقيقة، فالتهمت ديوان “قبل أن يرتعش القلم” والذي يستحق قراءة متأنية ثانية وثالثة، وربما أعود للكتابة عنه نظرا لما تركه في نفسي من انطباعات ومشاعر مختلفة. ومعه وصلني ديوان “أفراح مؤجلة” ورواية “دبيب النملة”.
وآخر ما حصلت عليه “الأعمال الأدبية الكاملة” للمرحوم الأستاذ عبد العزيز أبو إصبع، في حفل التأبين المهيب لذكراه، حيث التقى جمع كبير من أصدقائه ومحبيه ومعارفه وجيرانه، يوم السبت الماضي في قاعة بلدية الطيبة. وقد انتظرت هذا الكتاب وانتظرت الحصول عليه ممهورا بتوقيع صاحبه، الذي وعدني في كل مكالمة هاتفية أن يهديني نسخة من أعماله الكاملة، ويحدثني عن ذاك المشروع الذي لم يمهله القدر ليراه يخرج للنور. ولم أتمالك نفسي عن المباشرة بقراءة كتاب “طرائف معاصرة” وهو عبارة عن مقالات وطرائف سياسية، فهذا النوع من الأدب يستهويني ولم يسبق لي أن قرأت الكتاب من قبل، ولا بد أن تكون لي وقفة خاصة مع هذا العمل المميز.
(شفاعمرو – الجليل)