تكون لقاءات الأصدقاء يومية..تتنقل من زهرة إلى أخرى..ومن حديقة إلى أخرى..ويلتئم شمل الأحبّة..فمرّة في حيّ النمساوي على “الصخرة الثقافية”..ومرّة في جمعية الشبان المسيحية..ومرّة في المعهد الثقافي الناصري ومرّة في نادي العمل الكاثوليكي..ومرّة في جنينة أبو ماهر..ومرّة في بيت أحد أفراد “شلّة الأنس”.. وإخوان الصفا الذين غرفوا المياه العذبة من نبع الصفا الواحد.
في اللقاءات البيتية..يشعرون أنهم في بيوتهم وبيت أهليهم..فوالد صديقي والدي..ووالدته والدتي..وأخوه أخي..وأخته أختي!
**
نحن في الطريق إلى الصديق “المناوب” الذي يعمل في “بابور الطحين” الذي تصطرع في أحشائه المعارك الطاحنة التي تطحن شتى أنواع الحبوب..
القرويون والقرويات القادمون من القرى المجاورة يأتزرون بشيء من الصبر..ريثما يأتي الدور..ومعهم الأكياس والشوالات التي تغصّ بالقمح والعدس والذرة والشعير وأخواتها من أنواع الحبوب الأخرى..هذه الأكياس التي ستفارق حاضرها وماضيها..لتنتقل إلى عالم المستقبل..عالم الطحين والبرغل والعدس المجروش..بعد أن تكون قد قامت بدورها في إثارة الزوابع البيضاء التي تغير معالم البشر والمكان..
يعرّج الصحب على بابور الطحين..لوقفة قصيرة مع صديقهم وابن صفهم..فيخرج إليهم مبتسمًا شاب أسمر في مقتبل العمر!
طبقة من الغبار والدقيق الأبيض تكسو وجهه وشعره وثيابه وحذاءه إنه خارج من معركة بيضاء..تدور رحاها في بابور الطحين.. ويكون “بطلها” حجر الرحى الآليّ!
وتكون استراحة المقاتلين..ويكون فنجان القهوة سيد اللقاء بين الأصدقاء..ويتم الاتفاق على لقاء في ساعات المساء في “الجنينة” عند العمّ أبو ماهر..أو في ندوة أدبية أو مهرجان شعري في جمعية الشبان المسيحية..أو نادي العمل الكاثوليكي…
وأحيانًا نتفق على دعوة أنفسنا لنلتقي في بيته..وعقد ثرثرة أدبية..لا تخلو من “المقلتات!”
في هذه الندوة البيتية.. يميظ الفتى الأسمر اللثام عن “بيضة الديك”..ويقرأ قصيدته الشهيرة وربما اليتيمة..”ابتسامة في صورة””
أعضاء البرلمان الأدبي مجموعة من الأصدقاء الذين يجمعهم العيش والملح الفكري والاجتماعي والحلم في مستقبل مشتهى!
هل يعرف البروفيسور جورج قنازع هذا الفتى الغرّ الأسمر..الذي يغطي وجهه قناع من الغبار الأبيض!؟
عليك بالمرآة أيها الصديق العزيز..أنظر جيدًا..فالمرآة “هي الحل”..وعند جهينة الخبر اليقين!!
**
في الصورة:
الواقفون (من اليمين): جورج قنازع. فريد ميشيل نصار. عادل بسيليوس بواردي.
في المقدمة (من اليمين): فتحي فوراني. فوزي جريس عبد الله.
**
(الصورة من الأرشيف الخاص)
**
(من كتاب “جداريات نصراوية”- شرفات على الزمن الجميل- الذي صدر مؤخرًا)