بين نكبة 48 ونكسة 67
حارة المغاربة وحارة اليهود في القدس…
التطهير العرقي والممارسة الصهيونية
في الليلة بين 10-11/6/1967 ,بعد ايام قليلة من احتلال القدس الشرقية ” حرب الايام الستة ” كما اسمتها اسرائيل ,قام الجيش الاسرائيلي وبمساعدة مؤسسات اخرى بمحو “حارة المغاربة ” في القدس و” تطهيره ” من العرب , فيما بعد وسعوا “ساحة المبكى ” / البراق وبنوا الحي اليهودي الموجود حاليا في القدس الشرقية المحتلة .
لكن لماذا هدموا الحي , وما هي الدوافع والاسباب ؟؟؟ تكثر التساؤلات وتتعدد الاجوبة ليبقى الهدف والنتيجة ….تدمير… تطهير… تهجير…باختصار شديد يمكن القول ان السبب الرئيسي هو الرغبة لاقامة باحة كبيرة امام حائط المبكى / البراق لتتسع لعدد كبير من اليهود . وراء هذه الفكرة هي اظهار ” حائط المبكى ” واعطائه الصبغة والاهمية الرمزية نزولا عند رغبة وطلب اوساط صهيونية بذلك . اذ قبل ذلك وحتى القرن التاسع عشر كان ” الحائط ” مكانا للصلاة والبكاء على خراب الهيكل اليهودي ,لكن بعض القوى الصهيونية اعترضت على “رمزية ” المكان وطالبت بان يكون الموقع ” رمزا للنهضة القومية “…هذا الشعور تطور خلال القرن العشرين حتى جاءت “حرب حزيران “سنة 1967 ليتسنى لهم تدمير الحي وتشريد سكانه ,ليناسب ورغبتهم بتوسيع الموقع (كان طريقا لا يتعدى عرضه الاربع مترات)ويظهر “المبكى ” بمظهر جديد و “محترم ” كما ارادوا .
ما هي حارة المغاربة في القدس….؟؟؟ حارة المغاربة سنة 1917
دأب المغاربة على زيارة بيت المقدس قبل الاحتلال الفرنجي للبلاد اي قبل 1099,فقد اعتادت جماعات من اهل المغرب العربي للقدوم الى القدس للتبرك بمسجدها والصلاة فيه .فمنذ السنوات الاولى لاعتناق الامازيغ المغاربة الاسلام,كانوا يمرون بالشام بعد اتمام فريضة الحج لينعموا برؤية مسرى الرسول كجزء من رحلة المساجد الثلاث(مسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في دمشق والاقصى في القدس ).وقد تزايد عدد المغاربة والاندلسيين في القدس خاصة بعد معركة حطين سنة 1187, خاصة وان المغاربة ساهموا في الحرب ضد الفرنجة,حيث كان الناصر صلاح الدين قد طلب المساعدة من سلطان المغرب يعقوب المنصور تزويده باساطيل بحرية لمنازلة الفرنجة وكان له ذلك . وبعد النصر وتحرير القدس من الفرنجة ,اسكن صلاح الدين الايوبي اعدادا من المغاربة في القدس, بعدها اوقف الملك الافضل نورالدين علي بن صلاح الدين المساكن المحيطة بحائط البراق للجالية المغربية المجاورة في القدس,من اجل تسهيل اقامتهم هناك .ومنذ ذلك التاريخ اصبح الحي يعرف ب “حارة المغاربة “.حتى سوي بالارض سنة 1967 بما في ذلك 138 بناءا ضمت حوالي 150 عائلة وكذلك جامع البراق وجامع المغاربة والمدرسة الافضلية التي بناها الملك الافضل وحملت اسمه,الزاوية الختنية التي اوقفها صلاح الدين الايوبي على الشيخ جلال الدين محمد بن احمد الشاشي (نسبة الى شاش ,فيما بعد طشقند ) سنة 1191, ومقام الشيخ الناسك عمر بن عبدالله المصمودي,الذي اوقف وقفا كبيرا في الحارة سنة 1303 فضلا عن وقف سيدي ابي مدين الغوث الحفيد من سنة 1320 ووقف السلطان المغربي ابو الحسين علي بن عثمان المريني سنة 1337. بعد هدم الحارة ,عاد قسم من اهلها الى المغرب والقسم الآخر شرد الى مخيم شعفاط .
الفكر والممارسة الصهيونية تجاه الحارة …
خلال القرن التاسع عشر والعشرين,كانت عدة مبادرات ومحاولات يهودية للتملك في الحي المجاور لحائط البراق/المبكى اليهودي واشهر تلك المحاولات كانت من البارون روتشيلد,الا ان جميعها فشلت . تقريبا تنعدم الوثائق حول اتخاذ قرار الهدم ,وعليه فان المبادر او الآمر اوالعنصر الرسمي الذي قرر او بادر للهدم غير معروف ,الا انه من الواضح ان الفكرة لم تكن لشخص واحد حسب الشهادات والادبيات الموجودة .لكن من الواضح انه من الشخصيات المساهمة في الامر سواءا بالاقتراح او المبادرة كان عسكريون ومدنيون وسياسيون ايضا:
1- ايتان بن موشه…ضابط هندسة في قيادة المركز
2- شلومو لاهط …والذي اوكل له مهمة الحاكم العسكري للقدس
3- يعقوب سلمان …نائب لاهط
4- حايم هرتسوغ..حاكم الضفة الغربية العسكري
5- عوزي نركيس جنرال القيادة المركزية
6- دفيد بن غوريون رئيس الحكومة سابقا
7- يعقوب يناي مدير سلطة الحدائق الوطنية
8- تيدي كولك رئيس بلدية القدس
في حينه لم تكن خطة واضحة ,الا ان الافكار تطورت خلال ايام بعد احتلال القدس حتى التنفيذ بين 19-13 /6 حزيران ,قبيل عيد العنصرة اليهودي .
تخطيط وتنفيذ عملية الهدم :
فيما يلي تخطيط اولي للهدم ,موقع من عدد من المسؤولين في حينه , اريه شارون ,يعقوب يناي ,ميخائيل ابي يونا, المخطط يوحنان مينسكر ,
يوم السبت العاشر من حزيران ,اجتمع في بيت تيدي كولك رئيس البلدية,الباحث الاثري /قائد الاركان يغآل يدين,يعقوب يناي,دان طناي مهندس سلطة الحدائق الوطنية,المخطط اريه شارون,المؤرخ آفي يونا,يعقوب سلمان ,حيث اوضح كولك هدف اللقاء…..”تخطيط هدم حارة المغاربة ” وتقرر..مسؤولية الهدم بيد سلطة الحدائق الوطنية بشخص المهندس دان طناي ,في حين ان الجيش ودائرة الآثار طلبوا الا يكونوا مشاركين علانية بالتنفيذ بعد ان اعلنوا مباركتهم ودعمهم للمشروع .وفي ظهر اليوم التالي خرج بعض المسؤولين لجولة في الموقع للمعاينة بجانب المبكى وقرروا هدم القسم الاكبر من الحارة وتشكيل ساحة واسعة بجانب المبكى .
” مع بدء عملية الهدم تم اخراج الناس من البيوت,وتم اسكانهم في انحاء المدينة القديمة ,وفي احياء وقرى اخرى في القدس وضواحيها ,في مساكن التي هرب منها سكانها اثناء الحرب وبقيت فارغة “
“حايم هرتسوغ ادعى ان حارة المغاربة كانت فارغة من سكانها ,حين جاءت فكرة وقرار هدم البيوت “
“شلومو لاهط ادعى ان كل الناس اخرجوا برضاهم واخذوا مساكن بديلة وفي مستوى اعلى في شعفاط ,لم نجبر احدا على الترك,هم ذهبوا حسب رغبتهم الحرة,ولو رفض البعض من سكان الحي اخلاء بيته, لما كنا هدمنا البيوت “
“هذه الادعاءات غير صحيحة ,لا اشك ان الكثيرين من سكان حي المغاربة كانوا في الحي في تلك الفترة ولم يرغبوا بترك بيوتهم,كما جاء في العديد من شهادات المنخرطين في الامر “
“بالرغم من ان الخارطة المرسومة كانت محددة ,وواضح بها تماما حدود الهدم ,الا انهم تجاوزوا حدود الهدم عمليا , والمسؤول عن هذا التجاوزكان بن موشه الذي ادارعملية الهدم من قبل الجيش ,وهو تفاخر بهذا وتحمل مسؤولية التجاوز وذلك بعدة مقابلات في السنوات التالية …”
كل هذه الاقتباسات من بحث دكتور شموئل بهط…الخبير في دراسة القدس والتاريخ اليهودي من جامعة اريئيل.
الصهيونية كحركة عنصرية ….ايديولوجيا وممارسة :
لن ادخل هنا في تاريخ الصهيونية وممارساتها ,لكن آباء الصهيونية مارسوا كل انواع الجرائم بحق الفلسطينيين اهل البلاد .من الاقتلاع الى التشريد والمجازر والطرد وهدم القرى وحرق المزارع و…….لكن اليوم وبعد ان اصبح التطهير العرقي معرفا جيدا واصبح مصنفا في المعاهدات الدولية كجريمة ضد الانسانية, فاننا نجد انفسنا في حل من الحاجة الى التعمق في اصول الصهيونية كسبب ايديولوجي لارتكابه .ومرتكبو هذه الجرائم ليسوا مجهولين و انهم ” ابطال حرب الاستقلال اليهودية ” واسماؤهم معروفة بدءا من الزعيم غير المنازع دافيد بن غوريون ,والذي في بيته نوقشت وحبكت قصة التطهير العرقي مع مجموعة ” مستشارين ” وهي عصابة سرية تالفت فقط من اجل التآمر والتخطيط لطرد الفلسطينيين . ومنهم يغآل يدين , موشه ديان ,يغآل الون ,يتسحاق سديه وآخرون . بن غوريون كان المهندس للتطهير العرقي حتى انه استعمل كلمة تطهير بالعبيرية “טיהור ” ومن افكاره العنصرية نشأت كلمتان سحريتان …. القوة ,,,, والفرصة وفيما بعد كانت “فلسفة ” التطهير والمضايقة “לטהר ו להטריד ” .
حارة اليهود في القدس….
يقع الحي في القسم الجنوبي ( يحد حارة المغاربة) داخل اسوارالمدينة ,حيث يشكل “باب النبي داوود “مدخله الرئيسي. مساحة الحي حوالي 116 الف مترا مربعا ويسكنه حوالي 20 الفا من اليهود واغلبهم المتدينين , بالاضافة الى المدارس الدينية والكنس المتعددة .
قبل سنة 1948 كان اليهود يملكون 15% من اراضي الحي .لكن بعد ذلك وبعد اقامة الدولة قسمت القدس الى شرقية عربية وغربية اسرائيلية ,ثم افرغت القدس الغربية من العرب الفلسطسنيين وافرغت القدس الشرقية من اليهود تماما ,حيث خضعت املاكهم الى سلطة “حارس املاك الغائبين”التابعة للحكومة الاردنية . ثم سكنها فيما بعد لاجؤون فلسطينيون الذين هجروا من القدس الغربية بالاضافة للفلسطينيين الذين بقوا في بيوتهم هناك .
بعد حرب حزيران 1967 واحتلال القسم الشرقي من القدس ,وجدت اسرائيل ان املاك اليهود في الحي تقارب ال 105 بنايات من اصل 700 بناية .قامت اسرائيل بمصادرة حوالي 30 هكتارا من القدس الشرقية لتوسيع حارة اليهود ,واسكنت عائلات يهودية فقط….حسب قرار محكمة العدل العليا من سنة 1978 فيما عرف
ب ” قضية بركان ” اذ رفع محمد بركان قضية ملكه لبيته امام المحكمة التي اعترفت له بملكيته لكن لم تسمح له بالسكن فيه , لان للمنطقة اهمية خاصة لليهود فقط …. حسب قرار المحكمة . وكانت السلطات الاسرائيلية قد هدمت وازالت المباني العربية كما انشأت مبان جديدة مكانها ورممت المباني اليهودية ليسكنها اليوم فقط اليهود .
من ” درر “القادة الصهيونيين العنصرية , بن غوريون ,ايغال الون وجابوتنسكي
المصادر : “كتاب التطهير العرقي .”..ايلان بابي
بحث للدكتور شموئل بهط….خبير في التاريخ اليهودي والقدس بعنوان ” لماذا دمرت حارة المغاربة التي بجانب حائط المبكى .
مقتطفات من محاضرة للزميل فوزي ناصر حول تهجير الفلسطينيين سنة 1948
صفحة “مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ” وفا WAFA