متنفَّس عبرَ القضبان(24) – حسن عبادي/ حيفا

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي في الفيسبوك انطباعاتي الأوليّة؛ تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت لقائي بهم، بأفكارهم وبكتاباتهم متنفّسًا عبر القضبان.

وصلتني رسالة من أسير التقيته في سجن النقب الصحراوي جاء فيها: “الأستاذ حسن شكرا لإنسانيتك العالية؛ التي  حملتها مسافات طويلة لتنبش ذاكرتي، بأجمل ما تحمل من صور وقصص رغم آلام الدرب في سنوات القيد الطويلة. تحياتي الحارة لك وللجميع حولك. عاصم كعبي- سجن النقب”.

عقّب الكاتب المقدسيّ إبراهيم جوهر: “هؤلاء المنسيون في زحام الحياة…أنت لهم متنفس وحياة”.

“قُمرة”

باسم خندقجي

التقيت صباح الخميس، 25 آذار 2021، بالأسير الروائي الأسير باسم خندقجي في سجن “الجلبوع”، لقاؤنا السابع منذ يوم 12 حزيران 2019؛ أزاح كلّ منّا كمّامته الكورونيّة وانقضّ على سمّاعته بعد عناق طويل عبر الزجاج لنبدأ حديثًا شيّقًا، انتظرناه طويلًا.

تحدّثنا بدايةً حول تظهير د. فيصل دراج لروايته القادمة “محنة المهبولين”؛ “رواية عن العشق في وجوهه المتعددة: عشق آسر يتجاوز المكان والزمان، تبدو فيه المعشوقة مثالاً لا نظير له، وعشق الصداقة الذي يروّض اللغة والثقافة، عشق الذاكرة لمكان فلسطيني تكاملت فيه روح يافا القرن التاسع عشر وجمالية رام الله، كما كانت في ذاك الزمان”.

تحدّثنا عن رواية “حين يعمى القلب” لوداد البرغوثي التي اخترقت جدران السجون وشاركت في مبادرتي “لكلّ أسير كتاب” وما تركته من أثر. ومشروعه الأدبي والعمل القادم الذي يتناول العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي حيث يجلس بطله في “قُمرته” ويلتقط مشاهد ولقطات تتناول الكائن الكولونيالي الخاضع دون ملامح واسم، كراكيبه وشلعِه لما يدور في محيطنا، من كوتة ومواقف جندريّة وازدواجية معايير.

كان اللقاء مثريًا، ولكن مرّ الوقت مسرعًا لألتقي بوليد وياسر.

لك عزيزي الباسم أحلى التحيّات، على أمل أن يكون اللقاء القادم في حيفانا؛ حديقة الرب السريّة المُعدّة مسبقًا للعشق، امرأة الهويّة والدهشة التي تشتهيها، فهي التي تسكنك، امرأة من وطن ووطن بلا امرأة.

“زيّ السيّارة المسروقة”

وليد دقة

التقيت الأسير وليد دقّة مباشرة بعد لقائي بصديقنا باسم، وصادف ذكرى يوم اعتقاله السادسة والثلاثين، لكنّ السنين لم تحبط عزيمته.

تحدّثنا عن ميلاد وحرقته بعدم السماح له بلقياها حتّى اليوم، وعدم السماح بتسجيله كوالدها في السجلّات الرسميّة ووصفها بسخريته السوداويّة القاتلة “زيّ السيّارة المسروقة” واليوم تمّ تجهيز البيت وترميمه في باقة الغربيّة ليلتقي بميلاد وسناء.

تحدّثنا عن حملة المليون أسير واللوحة التي رسمها الفنّان العكيّ وليد قشاش وانطلاقها، ينتظر كاركاتيره الذي سيرافقها، عن الملفّ الذي صدر حوله من إعداد صديقي خالد عز الدين، عن مبادرة “لكلّ أسير كتاب” التي انطلقت من وحي لقائنا الأوّل وعن مشروع “أسرى يكتبون” بالاشتراك مع رابطة الكتاب الأردنيّين، وإصداره المرتقب “حكاية سرّ السيف”.

تناولنا مشروعه الأدبي والثقافي؛ صديقنا كمال أبو وعر و”الشهداء يعودون إلى رام الله”، وفكرة اعتقال جثّة تكتب شعارات على جدران شوارع المدينة وصوت وليد ينشد من بعيد:

“تمهّلوا تمهّلوا، الموت هذا مش إلو”

ناقشنا فكرة فيلم وثائقي بادرت له الحركة الأسيرة وهو في البدايات…

كان اللقاء مكثّفًا، ولكن هرول  الوقت منبّهًا بلقاء ياسر.

لك عزيزي وليد أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة، على أمل لقاء قريب بحضرة ميلاد في باقة الغربيّة وحيفا كما تواعدنا.

 

“لكلّ أسير رسالة”

التقيت الأسير ياسر محمود علي أبو بكر مباشرة بعد لقائي بباسم ووليد، أزاح كمّامته فواجهتني ابتسامة سرمديّة خفّفت من ارتباك اللقاء الأوّل بين غرباء.

تحدّثنا حول “مركز دراسات الحريّة للأسرى” الذي تأسّس حديثًا ودوره في مأسسة دراسات وأبحاث وإبداعات الأسرى في السجون، وأهميّة إيصال صوتهم ليتنفّس عبر القضبان رُغم السجّان وقيوده.

تناولنا وضع الحركة الأسيرة والفساد المستشري والإصدار الذي أشرف عليه “أشكال الفساد ومخاطره على حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في سجون الاحتلال ووسائل علاجه (دار الأمين للنشر والتوزيع).

حدّثني عن مصاعب نشر كتابات الأسرى وتقصيرنا المؤسّساتي بدعمها وشُحّ مصادر تمويلها، وفرحة الأسير وسعادته حين يُصدر كتابًا.

بدأ “العدَد” المقيت، خيّرتني السجّانة بين إنهاء الزيارة بعد ثلث ساعة أو البقاء ساعة أخرى حتّى انتهاء مراسيم العدَد وطقوسه فآثرت بغبطة تمديد وقت اللقاء فحضر بيننا الأصدقاء حسام شاهين، عبد الرحيم الشيخ، عقل صلاح، عبد الغني سلامة وآخرين.

حدّثني عن فرحة الأسير بتلقّيه رسالة من الخارج لتصير مُلكًا عامًا، فلا خصوصيّة في السجن، وأتتني فكرة مبادرة جديدة بدأت تتبلور في ذهني وسأُعلن عنها لاحقًا.

كان اللقاء مغايرًا ذا أبعاد أخرى.

لك عزيزي ياسر أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة، على أمل لقاء قريب في فضاء الحريّة.

 

                                                                                  نيسان 2021

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

[1]  ***الأسير باسم خندقجي من مواليد 1983، أُعتقل يوم 2 تشرين الثاني 2004، حكمت محكمة سالم العسكريّة بحقّه حكماً يقضي بالسجن المؤبد ثلاث مرات.

[2] ***الأسير وليد دقّة من مواليد 1961، أُعتقل يوم 25 آذار 1986  حكم بالسجن المؤبد الذي حُدّد فيما بعد بسبعة وثلاثون عامًا، أضيف عليها سنتان يوم 28 أيار 2018.

3 *** الأسير ياسر أبو بكر من مواليد 1968، أعتقل يوم 10 نيسان 2002 حكم بالسجن مدى الحياة 3 مرات و 40 عام

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*