على شرف المؤتمر الثّالث وتحت عنوان الأدب والإيديولوجيا:
اتّحاد الكرمل 48 يطلق ندوته الأدبيّة الأولى لهذا العام وأدب مفلح طبعوني نموذجًا
بالتّعاون مع كليّة الفنون في مدينة “النّاصرة” أطلق الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48 يوم الأربعاء الفائت 7/4/2021 النّدوة الأدبيّة الوجاهيّة الأولى لهذا العام ضمن سلسلة من الفعاليّات والنّشاطات الّتي يقيمها على شرف المؤتمر التّنظيميّ الثّالث المزمع انعقاده في الرّبع الأخير من هذا العام. فقد أطلق الاتّحاد في 31 آذار الماضي ندوة أدبيّة عبر نظام الزّووم حول موضوع “الأرض والمرأة” في الذّكرى الخامسة والأربعين ليوم الأرض الخالد، وفي أيّار القادم ستنطلق فعاليّات مهرجان الشّعر تحت موضوع “النّكبة”.
أمّا هذه النّدوة فقد تناولت موضوع “العلاقة بين الأدب والأيديولوجيا”، وكان الأديب النّصراويّ “مفلح طبعوني” عضو الاتّحاد العامّ للأدباء نموذجًا للموضوع ومحورًا للنّدوة، من خلال استعراض مجموعة إبداعاته الشّعريّة في دواوينه الثّلاثة: “قصائد معتّقة” 1999 وَ “عطايا العناق” 2011 وَ “نزيف الظّلال” 2014 وكتابه النّثريّ “داجون فلسطين” 2015 كمادّة أساسيّة للموضوع المطروح.
وكانت الكاتبة “خالديّة أبو جبل” عضو إدارة الاتّحاد قد افتتحت النّدوة بكلمة قصيرة استعرضت فيها مسيرة الشّاعر الفلسطينيّ “مفلح طبعوني” الأدبيّة والكفاحيّة متوقّفة عند بعض العلامات الفارقة فيها، وكذلك قرأت نصوصًا مختارة من قصائده الجميلة المعبّرة عن نقاء الفكر والإيمان بوظيفة الأدب في نشر الوعي وفي الحفاظ على الذّاكرة الفلسطينيّة، وكذلك نعت للحضور رحيل الشّاعر الفلسطينيّ الكبير “عزّ الدّين المناصرة” ذاكرة أنّه برحيله فقدت السّاحة الوطنيّة علمًا من أعلامها وخسرت الحركة الثّقافيّة والأدبيّة الفلسطينيّة ركنًا من أركانها. وقد تألّقت “أبو جبل” في إدارة النّدوة بصورة ناجحة ولائقة.
أمّا الكاتب “سعيد نفّاع” الأمين العامّ للاتّحاد فقد قدّم كلمة الاتّحاد وتحيّته للشّاعر “طبعوني” ركّز فيها على الإنجازات الكثيرة والكبيرة الّتي حقّقها الاتّحاد خلال سنوات عمره القليلة والقصيرة، وأبرزها مجلّة “شذى الكرمل” وموقع “الكرمل” الإلكترونيّ. وممّا جاء في كلمته: “الاتّحاد يرى أنّ ما هو مطلوبٌ لرقيّ مشهدنا الثّقافيّ، وانطلاقًا من الدّور التّاريخيّ المنوط بالحركة الثّقافيّة اجتماعيًّا، وطنيًّا، قوميًّا وإنسانيًّا، هو تعزيز الثّقافة عمقًا جوهرًا وليس شكلًا. ونحن نرى أنّ هذا الأمرَ يتأتّى فيما يتأتّى حين نعمل على أن نجعل إنتاجنا إبداعًا، وحين تتميّز أدوات حمله التّقنيّة، والنّدواتُ منها، بالعمق التّثقيفيّ الصّادق، وتتميّز الإنسانيّة من الأدوات بالإيثار لا الأثرة”. ونقل “نفّاع” رسالة النّاقد “أ.د. إبراهيم طه” للنّدوة والمقدّمة احتفاءًا بالشّاعر “طبعوني” وقد جاء فيها تحت عنوان “مفلح طبعوني شاعر عاقل وحسّاس: “الصّديق الشّاعر الأصيل “مفلح” متورّط حتّى أذنيْه بواقع أهله وناسه وأمّته وإنسانيّته. “مفلح” شاعر هادف ملتزم. وهذه مفخرة، مفخرةٌ له ولنا. لكنّه بعيد عن النّبض الشّعاراتيّ الهاتف والنّبر المغتصب والملزِم. شعره حيّ خافقٌ وخفقه مردودٌ إلى قدرته على التّنقّل بين الأساليب والتّجريب الجريء. شعره مشحون بالمشاعر ومظاهر الاحتفال الوجدانيّ. فيه مناجزاتٌ عنيفة في هدوئها. لكنّه بعيد عن الهلهلة. في شعره سلاسةٌ وانسيابية وانقياد، لكنه بعيد عن التّرخّص والغثاثة. “مفلح” شاعر عاقل وحسّاس. وإن اجتمع العقل والإحساس في علاقة تضامّ صار القول الشّعريّ إبداعًا جميلا راقيًا”.
وقد كانت المحاضرة المركزيّة في النّدوة للدكتور “رياض كامل”، عضو الاتّحاد، وقد تناول المصطلح “الأيديولوجيا” ودلالاته عبر تاريخ الفكر الإنسانيّ وأشار إلى معاني المصطلح المتغيّرة وفقًا للحقبة الزّمنية المعاصرة له، معتبرًا أنّ الأدب لا يمكن أن ينعزل عن فكر أيديولوجيّ، سواء كان هذا الفكر يساريًّا أم يمينيًّا، إنسانيًّا أم عنصريًّا. ومن هنا انطلق للحديث عن أدب الشّاعر “طبعوني” كأدب منحاز إلى الفكر الاشتراكيّ والأيديولوجيا الثّوريّة التّقدّميّة المناهضة للفكر الإمبرياليّ الظّالم والمستبدّ وضدّ الظّلاميّة المنغلقة. وقد توقّف النّاقد عند الكثير من القصائد والنّصوص الّتي تشهد على مواقف الشّاعر في المنهج الأدبيّ والمطابقة لمنهجه الحياتيّ كشيوعيّ منتمٍ لحزب ماركسيّ أمميّ، وكذلك التزامه الوطنيّ والقوميّ بالقضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة ومعاناته من ويلات نكبتها وآلامها وكحالم بأمل انتصارها على مغتصب الوطن والبيت والسّماء والهواء والماء، وبالقضايا الإنسانيّة العادلة في كلّ بقاع الأرض وبخاصّة قضايا المقهورين والمعذّبين من الشّعوب الفقيرة.
الشّاعر “مفلح طبعوني” في كلمته الأنيقة حيّا حضور المشاركين من النّاصرة والقرى والمدن من المثلّث والجليل، وشكر “كليّة الفنون” والمسؤول “محمّد مسلّمي” على استضافة النّدوة، ومن ثمّ قدّ اعتزازه بالاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48 الّذي يرعى مسيرتنا الأدبيّة والثّقافيّة ويثريها بالنّدوات الثّقافيّة الهادفة ذات المضامين الأدبيّة والوطنيّة. وقد تلا الشّاعر قصيدته “جفرا” الّتي ردّ فيها على الشّاعر الفلسطينيّ الرّاحل قبل أيّام قليلة “عزّ الدّين المناصرة” في قصيدته الّتي تقول: “من لم يعشق جفرا فليشنق نفسه/ من لم يعرف جفرا فليدفن رأسه”، فردّ “طبعوني” بقراءة قصيدته الّتي تحمل العنوان نفسه، وفي مستهلّها يقول: “أعرف جفرا تسكن فوق القمم النّاريّة/ أعرفها تسكن في المدن المنفيّة/ حيث الرّيح الرّعديّة/ أعرف جفرا تسكن/ قلب اللّيمون/ أعرفها تعشق حبّات الزّيتون”. وفي كلمته قال: “القصيدة الفلسطينيّة تسكن أقلام الوطن، القصيدة عبارة عن أثلام أرضيّة فوّارة، لا علاقة لها بالتّفاعيل والفواصل والأوتاد، علاقتها المتميّزة بالإيقاعات الّتي تحميها من الضّياع، وأهمّ صفات القصيدة الفلسطينيّة المنكوبة والمهجّرة أنّها حافظت على نفسها من النّكبة والارتباك، وخير دليل على ذلك الإبداعات الشّعريّة الّتي انتشرت في كلّ أماكن تواجدها”، ولأنّ الشّاعر “مفلح طبعوني” يقدّر النّقد الرّصين فقد خصّ بالذّكر كوكبة من النّقاد لهم يد بيضاء في تناول أشعاره بالدّراسة والبحث وهم: أ.د. إبراهيم طه، د. نبيل طنّوس، د. محمّد صفّوري، د. محمّد هيبي، د. نبيه القاسم، د. رياض كامل، د. كوثر جابر، د. لينا الشّيخ حشمة، د. كلارا سروجي شجراوي وعلا عويضة.
ويشار إلى أنّ النّدوة قد أثريت بالنّقاش والمداخلات، وقد استهلّها علي هيبي وشارك فيها أيضًا كلّ من: مصطفى عبد الفتّاح، عدنان أبو ربيع، د. سمير خطيب، د. أسامة مصاروة، عطالله جبر، ياسين بكري، ربحي عوّاد، أسيد عيساوي، سيمون عيلوطي ودعاء زعبي خطيب.